شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م17:51 بتوقيت القدس

صوت الصُم يصدح في "أسماك بين السحاب"

26 يناير 2023 - 08:08

خانيونس :

تجلس الطفلة ياسمين قبالة شاطئ غزة، تداعب بقدميها مياه البحر، وعيناها شاخصتان نحو أمواجه، يملؤهما الحزن على قريتها التي سلبها "قراصنة"، وجعلوا البحر ساحة خوف.

وبينما تتزاحم الأفكار في رأسها، فوجئت بحورية البحر تعرض عليها المساعدة في استعادة قريتها، وأخذتها إلى والدها "ملك البحار" العادل، الذي أمر أتباعه من الأسماك والكائنات البحرية، بالقضاء على القراصنة، وتخليص القرية منهم، لتعود ياسمين إلى قريتها منتصرة وسعيدة.

بطلة هذه القصة الخيالية هي ياسمين البيوك (18 عامًا)، من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، التي انخرطت قبل ثلاث سنوات، في مشروع للكتابة الإبداعية، ضمن برنامج "حروفي تنسج حقوقي"، الذي تنفذه جمعية الثقافة والفكر الحر، بهدف تعزيز مفاهيم حقوق الطفل من خلال الفنون التعبيرية، بالشراكة بين صم وغير صم.

قصة "ياسمين والبحر" أعدّتها البيّوك بالشراكة مع سماح زعرب، وهي من ذوات الإعاقة السمعية، التي تؤكد أن القصة خيالية تعبّر عن الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، وأملهم في الحرية والعدالة.

أما البيّوك فتقول: "في غياب الحورية ووالدها ملك البحار العادل، تعيش بطلة القصة واقعًا مشابهًا لما يعانيه قطاع غزة المحاصر برًا وبحرًا وجوًا منذ 17 عامًا، وترتكب قوات الاحتلال بحقّه الجرائم، ومن بين ضحاياه أطفال مثل ياسمين، قتلهم خلال 4 حروب وجولات تصعيد".

تكمل: "قرية ياسمين ترمز لغزة، لكن أطفال غزة لم يجدوا من يحنوا عليهم، ويقف معهم في وجه قراصنة الاحتلال، الذين يفرضون سيطرتهم حتى على البحر، متنفس قطاع غزة الوحيد".

تدرس ياسمين البيوك تخصص الوسائط المتعددة، وتأمل أن تعيش في وطن آمن، تتحقق فيه العدالة، ويتمتع فيه ذوي وذوات الإعاقة بحقوقهم كاملة.

برفقة آخرين، تكفلت ريهام الفقعاوي (21 عاماً)، وهي فتاة ولدت بإعاقة بصرية جزئية، بمهمة تحويل نصوص القصص إلى رسوم رقمية، تقول لـ "نوى": "كانت تجربة ملهمة وممتعة وجديدة، مشاركة ذوي إعاقة مع دون الإعاقة في ورشة فنية حقوقية، نتج عنها هذه المجموعة القصصية التي تعبر عن حقوق أصيلة للطفل في كل مكان".

لكن في غزة، والحديث لريهام، فإن الطفل الفلسطيني يفتقر لأبسط هذه الحقوق، بسبب سياسات ظالمة يمارسها الاحتلال من حصار وقتل وحروب، وكان ينبغي أن يعبر الأطفال بأنفسهم عن هذه الحقوق المفقودة.

كانت ريهام في السابعة عشرة من عمرها عندما اندمجت في هذا المشروع، وتلقت تدريبات على الرسم الرقمي، وتدرس حاليًا تخصص التربية الفنية، تقول: "أضافت لي هذه التجربة الكثير، وانعكست إيجابًا على شخصيتي، وأصبحت أكثر جرأة في التعبير عن نفسي وحقوقي".

تضع ريهام "كسر حاجز الخوف" كأول خطوة ينبغي على الفتاة ذات الإعاقة فعلها من أجل تحقيق ذاتها، والتعبير عن حقوقها والاندماج في المجتمع. لم يكن اختيارها لتخصص التربية الفنية عبثيًا، فهي تتطلع لاستكمال مسيرتها الفنية، وتضع ذوي الإعاقة وخاصة الأطفال في سلم أولوياتها للدفاع عن حقوقهم وتوعيتهم بأهمهما وهو "حق التعبير عن الرأي" كبوابة نحو المجتمع والعالم.

قصة "ياسمين والبحر"، كانت واحدة من مجموعة قصصية عنوانها "أسماك بين السحاب"، تولّت ريهام وآخرين تحويلها إلى رسوم رقمية، شارك في إعدادها 36 شخصًا غالبيتهم من ذوي الإعاقة السمعية والبصرية، حسب منسقة الأنشطة الثقافية في جمعية الثقافة والفكر الحر ميساء سلامة.

تكفلت ميساء بتدريب المشاركات والمشاركين في البرنامج على الكتابة الإبداعية، فيما تولى القاص والروائي يسري الغول التدريب على الكتابة القصصية، تقول ميساء: "إن العنوان للتدريب يتمحور حول الكتابة الإبداعية والورشات الحقوقية، بهدف التعريف وتعزيز حقوق الطفل من خلال القصة القصيرة".

وركّزت المجموعة القصصية، حسب ميساء، على 10 بنود من اتفاقية حقوق الطفل العالمية، وعبّر المشاركون عنها بقصص ضمن مجموعة "أسماك بين السحاب"، التي استمدت اسمها من السماء والبحر، باللون الأزرق، في إشارة إلى آفاق الحرية التي يتمتع بها أطفال العالم، فيما أطفال غزة يعانون الويلات بسبب الاحتلال، الذي يحرمهم أبسط حقوقهم.

ظهرت معاناة الأطفال من جرائم الاحتلال وحصاره لقطاع غزة في أفكار المشاركين التي حولوها إلى قصص، واستخدامهم لرموز تعبيرية تعكس الواقع الذي يعايشونه، الحورية رمزت للعدالة التي نتمناها، والسمكة الشريرة رمزًا للاحتلال، وهذه المجموعة القصصية هي الأولى والأطول، التي يشارك في كتابتها ذوي إعاقة، وغير ذوي إعاقة، لتحقيق أهداف المشروع.

تقول ميساء: "اعتمدت أسماك بين السحاب على النهج الشامل: كتابة عادية، ورسوم رقمية، ولغة برايل، فضلًا عن تحويل بعض القصص إلى أفلام كرتون".

ويحقق هذا النهج، وهي "تجربة جديدة" بحسب تأكيد ميساء، وصول الفكرة إلى جميع فئات المجتمع، وموائمة لذوي الإعاقة ودون الإعاقة، ولتحقيق هذه الغاية، وزّعت جمعية الثقافة والفكر الحر المجموعة القصصية بالمجان على وزارات ومدارس ومؤسسات مختصة ومكتبات.

على مدار 4 سنوات، كان "مركز بناة الغد" التابع لجمعية الثقافة والفكر الحر، بمثابة "خلية نحل"، من العمل الدؤوب وورشات التدريب. تروي سلامة أن المجموعة القصصية مرت بمراحل عدة، بداية من ورشات الدمج بين الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية والسمعية مع الأشخاص دون الإعاقة، لكسر حاجز التواصل، مرورًا بورشات التعريف بحقوق الطفل، حتى التدريب على فنون الكتابة الإبداعية، خاصة فن القصة القصيرة، وبالتزامن مع ورشات التدريب على الرسم الرقمي لتحويل النصوص إلى قصص مصورة.

وفي صورتها النهائية، عكست مجموعة "أسماك بين السحاب" القدرات والمهارات التي اكتسبها المشاركون، وحققت الغاية منها بإيجاد حالة من الشمولية والتكامل في البرامج والخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة.

مدرب الكتابة القصصية الروائي الغول يقول: "إن مركز بناة الغد يهتم بصناعة الإبداع، وأطفالنا بحاجة إلى تعلم الموسيقى والكتابة الإبداعية، وهم قادرون على ذلك، رغم الواقع المأساوي".

وكما قصة "ياسمين والبحر"، فإن بقية القصص -وفقًا للغول- تقوم على "الخيال غير المسبوق وغبر المتوقع من أطفال، غير أنها تعكس حقيقة واقعهم الحياتي الصعب في غزة، ونظرتهم الطفولية للأحداث التي يعايشونها".

واعتمد الغول في تدريبه للمشاركات والمشاركين على ما وصفه بـ "الخيال المحض"، من دون أي قواعد للخروج من واقعية القصص المكررة، وقال: "من المهم أن يكتب الطفل لطفل غيره، وغزة كما الوطن العربي تعاني من فقر في الإنتاج الأدبي الموجه للطفل".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير