شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م00:38 بتوقيت القدس

بكتاب "أكلات ووصفات"

رولا القيشاوي تعيد عزّ مطبخ الجدّات

15 يناير 2023 - 13:14

غزة: 

كالثوب والكوفية، تضع الشيف رولا القيشاوي الأكلات التراثية الفلسطينية في مصاف رموز تشكل فسيفساء الهوية الوطنية، وتؤمن بأن الحفاظ عليها يمثل أحد أوجه مقاومة مخططات دولة الاحتلال التهويدية، التي لم تقف عند حدود الأرض، وتوغلت في "مائدة الطعام" وسرقت "الفلافل وصحن الحمص".

حولت رولا (49 عامًا) إيمانها إلى ممارسة، بتأليفها أول كتاب مختص بتعليم فنون الطهي بعنوان "أكلات ووصفات"، ويتكون من 620 صفحة، تتضمن مئات الوصفات لأكلات فلسطينية تراثية، ومرخص من وزارة الثقافة الفلسطينية.

تقول رولا لـ "نوى": "الكثير من أكلاتنا التراثية المتوارثة يُخشى عليها سواء من التهويد أو الاندثار".

وتلبية لأذواق الأجيال الشابة، حرصت رولا على تقديم هذه الأكلات التراثية بطرق سهلة وبسيطة، وتواكب تطورات العصر، وتراعي تفاوت الأوضاع المعيشية للأسر الفلسطينية، خاصة في غزة، فضلًا عن وصفات لأشهر الأكلات والحلويات الشرقية والغربية.

ولأن المرأة الأكثر تأثرًا بالأحداث الصادمة والضاغطة، كان للصدمة التي تعرضت لها رولا بالوفاة المفاجئة لشقيقها جراء سكتة قلبية، انعكاسات شديدة عليها، ليدخلها الحزن فيما يشبه "فقدان جزئي للذاكرة" لنحو ستة شهور، لم تعد معها قادرة على تلبية متطلبات أسرتها، ونال النسيان من قدرتها على تذكر طريقة إعداد وتحضير الكثير من الأكلات.

وكان لدفتر قديم بورقات مهترئة، دأبت رولا منذ سنوات طويلة على استخدامه في تدوين وصفات الطعام، دورًا بارزًا في استعادتها لتوازنها واسترداد ذاكرتها، وتقول: "هذا الدفتر كان فيما بعد أساسًا لكتابي أكلات ووصفات".

بين ثنايا هذا الدفتر "عصارة خبرة الأمهات والجدات" في المطبخ الفلسطيني التقليدي، الذي يعتبر جزءًا من المطبخ الشامي، الذي تتميز النساء الشاميات في بلدانه الأربعة فلسطين وسوريا ولبنان والأردن، بما يوصف شعبياً بـ "النفس الطيب" في إعداد أصناف الطعام والشراب والحلويات.

ووضع تصنيف حديث لأفضل مطابخ العالم للعام 2022، أعده موقع "Taste Atlas" البلغاري، المطبخ الفلسطيني في المرتبة 42 من بين مطابخ 95 دولة حول العالم، باعتماد القائمة النهائية للمطابخ المصنفة على الرأي العام وتصويت القراء على الانترنت.

وتنظر رولا من زاوية إيجابية لوجود المطبخ الفلسطيني ضمن تصنيفات عالمية للمطابخ، غير أنها ترى أن "مطبخنا زاخر بمئات الأكلات والوصفات التي تجعله يستحق مرتبة أفضل في الترتيب"، وتعتقد أن وجوده في هذه المرتبة المتأخرة نسبيًا بسبب تصويت الجمهور على الانترنت لموقع بلغاري، ربما غير معروف لغالبية الجمهور العربي.

وفضلًا عما ينتجه من أكلات تراثية صحية تعتمد على الطبيعة وخيرات الأرض، فإن ما يميز المطبخ الفلسطيني -برأي رولا- توارثه جيلاً من بعد جيل، وتقول إن كتابها "أكلات ووصفات"، وهو الأول من نوعه في غزة، يعتمد على طرق تحضير أصناف كثيرة، تعلمتها منذ الصغر عن والدتها، ووالدتها ورثتها من جدتها، مثل: السماقية والرمانية والفقاعية والكشك والبصارة، وغيرها الكثير من الأصناف الأكثر صحية من الوجبات العصرية.

رولا من مواليد الكويت، وعاشت هناك طفولتها وشبابها، وعادت مع أسرتها إلى غزة مع تأسيس السلطة الفلسطينية في العام 1994، وقد أكسبتها تلك السنوات خبرة واسعة في التعرف إلى فلسطينيات من مناطق مختلفة في فلسطين التاريخية، ونساء أخريات من جنسيات مختلفة، ومن ثقافات عربية وغربية متعلقة بالمطبخ، وسهلت طريقها فيما بعد لافتتاح مركزها المتخصص وأطلقت عليه "مركز مذاق لتعليم فنون الطهي".

تزوجت رولا بعد عودتها إلى غزة، وأنجبت بنتان وولد، وتؤمن بضرورة توارث التراث الوطني في اختصاصاته وفنونه المختلفة، للحفاظ عليه من السرقة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بالاستيلاء والتهويد ونسب الكثير منه لنفسه بالقرصنة والتزوير، وكذلك خشية الاندثار في ظل العولمة وأنماط الحياة السريعة بالنسبة للأجيال الشابة.

وكان لزوج رولا دور في تشجيعها على تحويل دفترها إلى كتاب متخصص بالطهي، ومساعدتها في تصنيفه ضمن ثلاثة فصول، وتشعر رولا بالفخر بإنجازها الذي تصنفه كجزء من مقاومة الاحتلال، والتصدي لمخططاته بالاستيلاء على الموروث الثقافي الفلسطيني، ولمنع اندثار أكلات مثل "الخبيزة والحمصيص" عن المائدة الفلسطينية.

وفي هذا السياق، تعكف رولا حاليًا على إعداد الجزء الثاني من كتاب "أكلات ووصفات"، ضمن سلسلة مكملة للكتاب الأول، وسيركز بشكل أساسي على الأكلات الفلسطينية التراثية.

وبعدما أتمت رولا الجزء الأكبر من رسالتها الأسرية، بزواج نجلها وأحد ابنتيها، وجدت الوقت الذي تحتاجه لتطوير ذاتها، فالتحقت بدورات مجانية ومدفوعة لتعليم فنون الطهي، والتعرف على مطابخ عالمية، وحصلت على شهادتي دبلوما من "أكاديمية المتميزون" في تركيا، ومن مركز تدريب يشرف عليه شيف أردني، وأصبح لديها خبرة واسعة في فنون الطهي المختلفة، وفنون إعداد الطعام والشراب التي تعرف بـ "فن الاتيكيت".

الخبرة والوقت، كانا أحد أبرز عوامل التحفيز التي دفعت رولا إلى افتتاح مركزها "مذاق لتعليم فنون الطهي"، بعدما نال استحسان مؤسسة تمويل أجنبية لدعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، ووفرت لها كل المعدات اللازمة، وتقول رولا: "رسوم الدورات التدريبية بسيطة وشبه رمزية مراعاة للأوضاع الاقتصادية المتدهورة لغالبية الناس في غزة".

وعلى مدار 4 سنوات من عمل المركز استفادت نحو ألف فتاة وامرأة من دورات تعليم فنون الطهي، وتفتخر رولا بأن هذه الدورات مهدت الطريق لنحو 200 من المتدربات لافتتاح مشاريعهن الخاصة الصغيرة من داخل منازلهن، وقد حققن دخلاً يساعدهن على تحمل مشاق الحياة وتوفير الاحتياجات الأساسية لأسرهن.

هذه النجاحات التي حققتها رولا خلال بضع سنوات، توجتها بحصولها على المركز الأول والميدالية الذهبية في مسابقة عبر الانترنت نظمها "اتحاد طهاة الوطن العربي" في العام 2019، وفازت بها عن طبق المسخن الفلسطيني التقليدي، وتقول: "قدمت المسخن كأكلة من التراث الفلسطيني ولكن بطريقة تحضير عصرية".

وتشغل رولا حاليًا عضوية مجلس إدارة "الجمعية الفلسطينية لفنون الطهي"، ولم تنس في غمرة هذه النجاحات أن يكون لها "لمسة إنسانية" عبر مبادرات خيرية تقوم بها لصالح الفئات الأكثر احتياجاً، كالأيتام والمسنين ومرضى السرطان وذوي الاحتياجات الخاصة.

وتؤمن رولا بأن النجاحات تدفع نحو المزيد منها، وتنمي لدي الناجح الرغبة الممزوجة بالإرادة لتحقيق انجازات أخرى، لتفسر بهذه الكلمات حلمها الحالي لتطوير "مذاق" ليصبح الأكبر على مستوى غزة، والمشاركة في فعاليات خارجية للمساهمة في الترويج للمطبخ الفلسطيني والهوية الوطنية.

كاريكاتـــــير