شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م10:34 بتوقيت القدس

"لسنا أرقامًا".. وراء كل أسيرة حكاية ألم

10 ديسمبر 2022 - 07:27

غزة :

"إلى اللاتي غِبنَ وراء الشمس.. فكن هن الشموس التي تضيء لنا طريق الحرية".

إهداءٌ يزين مقدمة كتاب "لسنا أرقامًا.. الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الإسرائيلي"، وهو نتاج عمل طاقم نسوي اجتهد على مدار عامين، لإعداد هذه الدراسة التوثيقية التي ترصد بالأسماء والتفاصيل حكايات مؤثرة لـ 739 فلسطينية خضن تجربة الأَسر والاعتقال منذ عام 2000.

في هذه الدراسة التوثيقية، الصادرة حديثًا باللغتين العربية والانجليزية عن "مركز نساء من أجل فلسطين للدراسات والأبحاث" وبتمويل "مركز المبادرة الاستراتيجية فلسطين-ماليزيا"، تبرز حكايات ألم ومعاناة للمرأة الفلسطينية لا تخلو من بطولة وصمود.

تقول مدير مركز نساء من أجل فلسطين ابتسام صايمة لـ "نوى": "أسيراتنا لسن أرقامًا يتم إحصاء أعدادهن بين فترة وأخرى، بل وراء كل أسيرة قصة ألم وتضحية، وعائلة عانت مرارة الفقد والحرمان".

لم تكن المرأة الفلسطينية في مرحلة من مراحل النضال الوطني بمعزل عن واقعها، أو في مأمن من بطش الاحتلال وإجرامه، وقالت صايمة: "على الدوام كان للمرأة دورها الوطني والنضالي ضد الاحتلال، ودفعت الضريبة بالقتل والجرح والاعتقال".

لم يفرق الاحتلال في بطشه وجرائمه بين امرأة ورجل، ومنذ هزيمة يونيو/حزيران عام 1967 خاضت نحو 16 ألف امرأة تجربة الاعتقال القاسية والمؤلمة في سجون الاحتلال، فنال الاعتقال من فتيات قاصرات، ونساء حوامل، وأمهات، وطالبات جامعيات، وصحافيات، وجريحات، ومريضات، ومورست ضدهن صنوفاً شتى من التعذيب الجسدي والنفسي، بحسب صايمة.

والهدف الاحتلالي من وراء اعتقال النساء -وفقاً لما ورد في الدراسة التوثيقية- إذلال الأسيرات والانتقام منهن وقتلهن معنوياً ونفسياً، في إطار سياسة ممنهجة، ومنظومة من الإجراءات والقوانين المتبعة، يشارك فيها كل من يعمل في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بدءاً من الجندي ومروراً بالمحقق والسجان، وليس انتهاءً بالطبيب والممرض، حيث تبدأ المعاناة منذ لحظة الاعتقال ولا تنتهي بلحظة الإفراج.

وتضاعفت مأساوية الاعتقال بالنسبة للنساء في سجون الاحتلال عقب اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر/أيلول عام 2000، ووفقًا لصايمة فإن دولة الاحتلال عملت من خلال إجراءاتها القمعية على تدمير الشخصية والحالة النفسية للأسيرة.

وتزداد الآثار السلبية للاعتقال على شخصية الفتاة القاصر، مع تعمد الاحتلال إلحاق الأذى بهن، ويبرز من بين القاصرات اللواتي خضن هذه التجربة المريرة الفتاة لمى البكري (14 عامًا)، التي أصيبت بثلاث رصاصات في ساقها اليسرى، وقت الاعتقال، وبقيت تتنقل بواسطة كرسي متحرك لعدة شهور، وحكم عليها الاحتلال بالسجن 3 أعوام.

وأيضًا يحكي الكتاب حكاية الأسيرات صغيرات السن، وهن الفتاة ديما الواوي (12 عامًا) والتي اعتبرت أصغر أسيرة في العالم، وأمضت في سجون الاحتلال شهرين ونصف الشهر، والفتاة ملاك الخطيب (14 عامًا) واعتقلها الاحتلال لدى خروجها من مدرستها وأمضت شهرين في السجن، وعهد التميمي (17 عامًا) وقضت في السجن 8 شهور، وغيرهن كثيرات قضين في السجون ساعات أو أيامًا أو شهورًا وسنوات.

وقالت صايمة إن الاحتلال يتعمد النيل من كرامة المرأة الفلسطينية خلال عملية الاعتقال، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، سواء كانوا عائلتها أو المارة في الشوارع، وقد تعددت أشكال اعتقال النساء والفتيات، سواء من منازلهن، أو بعد استدعائها من قبل مخابرات الاحتلال، أو على الحواجز وقرب المناطق المحاذية للمستوطنات.

وفي شهادتها الموثقة، قالت الأسيرة قاهرة السعدي من جنين بالضفة الغربية، إن قوات الاحتلال انتزعتها من بين أطفالها الأربعة في مايو/أيار عام 2002، وتعرضت للضرب بأعقاب البنادق، ووجه لها جنود الاحتلال إهانات بذيئة وقذرة.

وفي شهادة ثانية للأسيرة أمل طقاطقة التي تعرضت للاعتقال بعد إصابتها بجروح في ديسمبر/كانون الأول عام 2014، قالت: "بعد إصابتي برصاصة في صدري، وقنبلة صوت أصابت شظاياها يدي اليسرى، ورصاصة أخرى في خاصرتي، سقطت أرضًا، فاعتدى علي جندي بعقب البندقية على صدري أكثر من مرة، وضربني عدد من الجنود ببساطيرهم على كافة أنحاء جسدي، ونعتوني بألفاظ نابية".

وتتنوع أساليب التعذيب التي تستخدمها قوات الاحتلال بحق الأسيرات، وحددتها الدراسة التوثيقية: الضرب والاعتداء، التفتيش العاري، العزل الانفرادي، الشبح وعدم النوم، الضغط النفسي.

وقالت صايمة إن الأسيرات في سجون الاحتلال يعانين من اوضاع مأساوية، حيث المكان غير ملائم لعيش الإنسان، والاقتحام المستمر لغرف الأسيرات، والعبث بأغراضهن الشخصية بشكل استفزازي، وغيرها من الأساليب التعسفية كالإهمال الطبي، والنقل بالبوسطة (سيارة نقل الأسرى للمحاكم وبين السجون)، والحرمان من الزيارة.

وتعاني الأسيرات الحوامل معاناة مضاعفة، بوضع القيود في أطرافهن خلال نقلهن للمستشفى، ولا يتم فكها إلا وقت الولادة، ومن دون السماح لأحد من أسرتها بالحضور ومساندتها، وتستمر معاناة الأسيرة الحامل إلى ما بعد الولادة، حيث يعاد تقييدها بالسلاسل في السرير الذي ترقد عليه، ويعامل مولودها كأسير، وليس كطفل رضيع بحاجة إلى رعاية خاصة، ما يعرضه للأمراض.

ووضعت الباحثة المشاركة في إعداد كتاب "لسنا أرقاماً" إيمان أبو الخير ست توصيات لإنهاء معاناة الأسيرات الفلسطينيات، تلخصت في ضرورة بذل جهود فلسطينية ودولية من أجل الإفراج عن الأسيرات، خاصة المريضات منهن، وممارسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ضغوطاً على دولة إسرائيل كدولة احتلال للوفاء بواجباتها القانونية والكف عن الممارسات المهينة بحق الأسيرات، وضرورة ملاحقة السلطة الفلسطينية قادة الاحتلال المسؤولين عن الانتهاكات ضد الأسيرات ومحاكمتهم أمام محاكم دولية، المطالبة بتشكيل لجان دولية لمراقبة سجون الاحتلال ومتابعة أوضاع الأسيرات، قيام المؤسسات النسوية بدورها في توفير آليات الدعم النفسي والاجتماعي للأسيرات المحررات، وأخيراً: الاستفادة من تجربة وقدرات الأسيرات المحررات ووضعهن في مكانة تليق بتضحياتهن وتوفير متطلبات الحياة الكريمة لهن.

  

كاريكاتـــــير