شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 23 ابريل 2024م21:26 بتوقيت القدس

أن تكوني أماً ومصابة بـ "كورونا".. قصتنا الحزينة

10 ابريل 2021 - 18:45
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

شبكة نوى، فلسطينيات: منذ تفشي جائحة كورونا وأنا أكتب عن تجارب مختلفة لمصابين وأطباء وظروف الحجر المختلفة، لكنها المرة الأولى التي أكتب عن تجربتي الشخصية، وأنا أواجه الإصابة التي طالما كنت حريصة على تفاديها، لتباغتني في عقر داري وأصبح أسيرة لها.

أجل أسيرة بكل ما تعنيه الكلمة، وأظن أن هذا هو حال كل مصابي كورونا. فها هو طفلي الذي لم يتجاوز الثامنة يقف على باب الغرفة يتحسس وجهه ليتأكد من وجود الكمامة عليه، يخبرني أنه يحبني كثيراً، يفرد ذراعيه في الهواء ثم يضمهما إلى صدره، قبل أن يعد بعلو صوته الأيام المتبقية لي في الحجر، "بعدها سأكون أنا أيضاً حر في مشاركة أصدقائي اللعب، واحتضانك كثيراً دون أي حواجز ماما" يخبرني بحب.

مصطفى وهو ابني الأكبر حريص جداً على ارتداء كمامته والتباعد بينه وبين الجميع في المنزل، وكأن كورونا قد رفعت الوعي داخل أطفالنا بعد كل هذا الوقت، أو أن ما كان يسمعه حول الحجر في المستشفيات بعيداً عن الأهل قد شكل هاجساً لديه، وخلق بداخله مخاوف دفعته لأن يحاول قدر الإمكان الحفاظ على نفسه، دون الوقوع في براثن المرض.

صباح اليوم صعد إلى سطح المنزل وأخذ ينادي على أصحابه ممن تبعد منازلهم عن منزلنا ما يقارب 50 متراً، ثم عاد وعيناه تدمعان وهو يسألني كم يوم تبقى لنا في الحجر يا أمي؟

لا أسوأ من إحساسك بأن الجميع من حولك حتى في بؤرتك الضيقة يخشون الاقتراب منك رغم حرصك الشديد ألا تصبهم آفة الفايروس إلا أنك في بعض اللحظات تتمنى لو أنك مع أشخاص مصابين مثلك لا تخشاهم أو يخشوك، تتملكني الرغبة أن أبتعد، قد أصبح أكثر حرية، لكن إلى أين؟ جميع من تحبهم ويفتحون لك أبوابهم في أحلك الظروف لن تكون ضيفاً خفيفاً هذه المرة فأنت عبارة عن عدوى تصيب كل من تقترب منه.

يقتلني الاحساس بأنني يجب أن ابتعد عن أطفالي، أجدني عاجزة عن تلبية أي من احتياجاتهم المعتادة خوفاً عليهم من عدوى قد تصيبهم مني ويتحولوا إلى وسط ناقل للعدوى حتى وإن لم تضرهم بشكل مباشر.

يؤلمني أنني اضطر إلى الصراخ والاشاحة بوجهي في كل مرة يحاول عبد الحميد وهو طفلي وابن قلبي الأصغر الاقتراب مني، فأنهم "رجاءً ابتعد فأنا مصابة بكورونا".

يبتعد لبعض الوقت ثم لا يلبث أن يحضر مرة أخرى بحجج مختلفة، تارة يريد ماء وأخرى يشعر بالجوع، كم هو صعب أن تغيري مسار أطفالك لآخر، "روح لبابا" بكي كثيراً قبل أن ينصاع في نهاية الأمر ويتجه نحو والده، ثم يعود سريعاً، بابا لا يجيد صنع البطاطا التي أحبها، أريدها من يديكِ، ضعيها على الطاولة وأنا سأتناولها ولن أصاب بـ كورونا.

ربما يكون كلامه صحيحاً، ليس أمامي إلا أن أنصاع لطلبه، قشرت بعض حبات البطاطا وبدأت في تسويتهم، كان الألم يباغتني، لكن لا مناص، أنجزت المهمة وقررت العودة لغرفتي بعد أن عقمت كل شيء لمسته يداي التي غسلتها جيداً قبل أن أبدأ، أحياناً لا نعرف ما هو الخطأ والصواب، قد تتلاشى هذه المفاهيم أمام أخرى أكثر سطوة.

بكيت كثيراً، فهذا الفايروس اللعين غير حياتي وحياة أسرتي، صحيح أنه لم يطرحني الفراش ولم يتمكن من رئتي حتى الآن وأظنه لن يفعل، لكنه أجبرني على ممارسة سلوكيات لم أكن أظن انني سأضطر لها يوماً، ما الذي يمكن أن يقف حائلاً بيني وبين من أحب؟ أذكر أنني في كل مرة كانت تتعرض فيه المدينة للقصف الإسرائيلي ونيران الاحتلال كنت أضم أبنائي لحضني، نلتئم جميعاً في مكان واحد، مخاوفنا واحدة، نواجه مصيراً واحداً، لكنها كورونا العدو الخفي الذي ما زلنا نجهله.

بالأمس حاول "عبود" وأنا أحب أن أناديه بهذا، حاول أن يلمسني أكثر من مرة، ويخبرني بأنه لمسني بالفعل، وقد أصبح مصاباً ليضمن بقائه إلى جواري، يا الله، ماذا عساي أفعل؟ هل أبقيه جانبي وأنا لا أضمن شكل الإصابة ولا مضاعفاتها إن حدثت؟ فلا شيء يمكن أن يكون مضموناً مع فايروس مجهول كسر كل القواعد، برغم كل الدراسات والأبحاث، الأمر لا يحتمل المجازفة بطفل يعاني أصلاً من مشاكل في صدره ورئتيه.

 لم أستطع النوم الليلة الماضية، بعد أن فاجأني منتصف الليل وهو يقفز نحو السرير يرتجف خوفاً من كابوس، كان بحاجة لأن يشعر بالأمان، وأنا أدرك جيداً أنني قد أنقل له الموت، كم كان صعب أن أبتعد عنه وأطلب منه العودة لسريره الذي أصبح أكثر أماناً في هذا الوقت ولأيام قادمة أظنها عصيبة. إنها كورونا التي غيرت حياتنا وقلبت موازين كل شيء.

 

كاريكاتـــــير