غزة-نوى:
يلقي الشاب فضل أبو عاصي صنارة الصيد بعد أن يلقمها الطعم؛ في بحر ميناء غزة رغم علمه بتلوث مياهه نتيجة ضخ مياه الصرف الصحي إليه منذ أربعة شهور بشكل يومي، بما لا يسمح بالسباحة أو الصيد على الشاطئ، لكن تجمّع أعداد كبيرة من أسماك البوري والقريص يغري بعض الشبان بممارسة الصيد، فتراهم ينتشرون للصيد بصناراتهم قرب الشاطئ الذي اصفرت مياهه وأسنت رائحته، متوارين عن أعين الشرطة البحرية.
ما إن تتحرك الصنارة حتى يبادر الشاب العشريني بإخراجها حاملة معها أسماك يعلم تمامًا أنها ما نجت أبدًا من تلوّث البحر، لكنه يقول لنوى: “أصطاد فقط لعائلتي وليس للبيع، تحاول أمي وضع السمك في الملح والخل لفترة طويلة لتتأكد من نظافته".
أسماك الصرف الصحي
لكن الإجراء الذي تتخذه أم فضل لا يصلح لإنقاذ ما حلّ بالأسماك من تلوث، إذ يؤكد الخبير البيئي د.عبد الفتاح عبد ربه، إن الملوّثات الفيزيائية (مثل الأتربة والرمال) التي تتعرض لها الأسماك الشاطئية تدخل في خياشيم السمكة فتصبح ملوثة، فالمياه العادمة التي تتواجد فيها هذه الأسماك تحتوي أيضًا عوامل مرض نتيجة تعرّضها للبكتيريا، لذت تؤثر على صحة الإنسان.
ويعلّق: “ليس بالضرورة أن يموت الإنسان لندرك أن هناك تلوّثًا، فقد يمرض ويعاني المغص الشديد دون أن يعي أنه كان مصابًا بالتسمم"، ويضيف أن السمك في هذه الحالة لا يختلف عن شكل السمك العادي، بالتالي يتوجّب التدقيق من الناس وعدم شراء أسماك تم صيدها من الشاطئ.
إن لجوء البلديات في قطاع غزة إلى ضخ مياه الصرف الصحي باتجاه البحر دون معالجة بسبب عدم توفر السولار لمحطات المعالجة؛ أدى إلى تلوث البحر وتهديد الثروة السمكية، سلطة جودة البيئة كانت أصدرت تقريرًا أكدت فيه تلوّث 73% من شواطئ قطاع غزة، بفعل ضخ نحو 110-120 ألف متر مكعب من المياه العادمة يوميًا إلى البحر مباشرة دون معالجة، عبر 23 مصرف.
تهديد الثروة السمكية
على جانب آخر؛ يهدد تلوّث الشاطىء الثروة السمكية بشكل حقيقي، فكميات المياه العادمة تؤدي إلى موت الكائنات البحرية التي تتغذى عليها الأسماك ما يتسبب في انهيار السلسلة الغذائية للأسماك، وعلى المدى البعيد يؤثر على الثورة السمكية.
يوضح د. عبد ربه إن مياه الصرف الصحي التي تُضخ إلى البحر تحتوي ملوثات بيولوجية وكيماوية تؤثر على البيئة البحرية بالتالي على الثروة السمكية، فالكيماويات يمكن أن تغيّر النظام البيئي البحري، فتضرّ بالنباتات والطحالب التي تكون حساسة لأي تغيّر فيزيائي أو كيماوي، وهذا يؤدي إلى انهيار في مستويات أخرى فالأسماك يمكن أن تهاجر نتيجة تغير خصائص البحر وفقدان النباتات التي تتغذى عليها.
ويضيف إن بيئتنا البحرية متصحرة قليلة السمك، لكن التأثير الثاني يتمثل في أن هناك أنواع من السمك تحب بيئة المياه العادمة ومصبات الصرف الصحي وتتجمع فيها مثل البوري، وهناك صيادون يتجمعون عند هذه المصارف ويمارسون الصيد من خلال شبكة اسمها (الطرحة).
أما م.جهاد صلاح مدير دائرة الخدمات السمكية في الإدارة العامة للثروة السمكية، فيؤكد إن تأثير المياه العادمة يصل إلى نحو 600 مترًا-كيلو متر داخل البحر، محذرًا من خطورتها لاحتوائها على مواد عضوية وكيماوية إضافة إلى المعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص وهي لها تأثير سام على المدى الطويل.
ويشرح إن مشكلة العجز السمكي لا تظهر آنيًا، فهناك عدة عوامل أخرى تؤثر فيه مثل مساحة الصيد وجهد الصيد والظروف المناخية والممارسات غير القانونية مثل استخدام المتفجرات والسموم والشبك صغير الفتحات، وهذه العوامل مجتمعة تؤثر في الثروة السمكية، وكل هذه الظروف مثبتة عمليًا ونظريًا، لكنه ناشد البلديات العمل سريعًا على توفير السولار، إذ لا حلّ للمشكلة إلا بمعالجة المياه العادمة.
من الواضح أن مشكلة تلوث الشاطىء وانعكاساتها ستبقى آخذة في التزايد إلى أن تتمكن البلديات من إيجاد حل سريع وجوهري تعالج فيه الأزمة سواء بتوفير السولار من مصادره المتوفرة في قطاع غزة مهما كلّف الثمن، أو حتى بتمديد انابيب الضخ حتى مسافات متقدمة في البحر بحيث تسمح بتجدد المياه مستفيدة من موج البحر.