شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الثلاثاء 21 اكتوبر 2025م19:36 بتوقيت القدس

دمار ضرب جذور المدينة..

هدنةٌ بلا مأوى.. عودةٌ إلى "اللا شيء"!

14 اكتوبر 2025 - 12:09

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

في أحد مخيمات النزوح وسط قطاع غزة، تجلس سمر محمد أمام خيمتها، تراقب أطفالها الثلاثة وهم يبتهجون بخبر وقف إطلاق النار، يرقصون ويغنون مع أطفال الجيران بصوت واحد: "خلّصت.. خلّصت".

تبتسم بمرارة، بينما تفكر ببداية "خلاص الحرب" كما تصفها، محاولةً أن تصدّق أن كل ذلك انتهى فعلًا.

فقدت سمر زوجها في أكتوبر 2023م، في الشهر الأول للحرب. قُصف منزلها في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، كما دُمّر منزل عائلتها ومنزل أهل زوجها، ولم يعد لها مأوى. خلال هدنة يناير 2025م، لجأت إلى إحدى المدارس التي تحوّلت لاحقًا إلى ساحة رعب بعد مجزرة إسرائيلية وقعت بداخلها.

"عجزت عن التعبير عن مشاعري في اللحظات الأولى لوقف إطلاق النار، لم أعرف إن كانت التهدئة ستمرّ على الفاقدين كمرورها على الآخرين!".

تقول وهي تنظر إلى أطفالها: "عجزت عن التعبير عن مشاعري في اللحظات الأولى لوقف إطلاق النار، لم أعرف إن كانت التهدئة ستمرّ على الفاقدين كمرورها على الآخرين! الفاقدين لمنازلهم، لأحبّتهم، ولجزء من أرواحهم".

ثم تضيف بصوت خافت: "وقف الدم مهم بلا شك، لكنه جاء متأخرًا جدًا، بعد أن فقدنا كل شيء تقريبًا".

منذ إعلان اتفاق إنهاء الحرب، عاد آلاف النازحين إلى مناطقهم، لكنهم وجدوا أن بيوتهم لم تعد موجودة. أكثر من 370  ألف وحدة سكنية في غزة تضررت أو دُمّرت كليًا، و70%  من المباني السكنية لم تعد صالحة للعيش.
نزح أكثر من 80%  من سكان القطاع، وكثيرون منهم لا يملكون اليوم مكانًا يعودون إليه.

تتابع سمر، وقد ارتسمت على وجهها ملامح الإرهاق: "لم أقرر العودة إلى شمالي القطاع بعد، أطفالي ما زالوا مصدومين من الإقامة في المدرسة، ولا يوجد منزل واحد لعائلتي قائم. ربما الخيار الوحيد أن أنقل خيمتي فوق ركام المنزل".

تتوقف قليلًا وتقول بخوف: "لكنني أخشى أن يغدر بنا الاحتلال فور إطلاق سراح أسراه، فيعود ليقتلنا مجددًا. كل شيء مرهق، حتى التفكير".

على بعد خيمتين من خيمتها، تجلس منال عبدو، وهي جريحة حرب، تحمل طفلها الصغير الذي فقد ساقه قبل أسابيع. كانت تحلم بأن تنتهي الحرب لتعود إلى غرفته الصغيرة، لكن المنزل لم يعد موجودًا.
تقول وهي تشير إلى الطريق المزدحم بالنازحين: "حتى لو توقف القصف، أين سنعود؟ لا جدران، لا سقف، ولا مستقبل واضح".

"حتى لو توقف القصف، أين سنعود؟ لا جدران، لا سقف، ولا مستقبل واضح (..) فقدت عائلتي ومعظم أقاربي. لم يبقَ سوى الخيمة، ولا أعلم كم ستصمد".

كانت منال تعمل في محل لبدل الأعراس في غزة، لكنه قُصف منذ بداية الحرب ففقدت مصدر رزقها. أصيبت في استهدافٍ لمنزلٍ مجاور لمنزلها، قبل أن تفقده نهائيًا قبل نحو أسبوعين في شارع النفق وسط المدينة.
تقول بحسرة: "كان البيت مدمرًا جزئيًا، لكن عندما عدت من الجنوب خلال الهدنة الأولى، بعد أن عشت عامًا في خيمة، شعرتُ وكأنني أسكن قصرًا لا مثيل له. غادرته بدموع عيني وكنت آمل العودة إليه، لكني الآن لا أعرف إلى أين أعود".

تتنهّد وتضيف: "المنطقة كلها سويت بالأرض، فقدت عائلتي ومعظم أقاربي. لم يبقَ سوى الخيمة، ولا أعلم كم ستصمد".

أما الحاج سالم عوض، فوقف صامتًا أمام أنقاض بيته الذي أفنى عمره في بنائه ليجمع أبناءه وأحفاده تحت سقفه. صار البيت ركامًا، والعائلة التي كانت مجتمعةً فيه تفرّقت بين الخيام ومراكز الإيواء.
يقول بصوتٍ متهدج: "الهدنة لم تعد تعني لي شيئًا، لم يعد لدي شيء في هذا العالم أعيش من أجله. ما نفع الهدوء بعد أن دمرونا بهذا الشكل؟".

"بنيته حجرًا على حجر، وعشت فيه أربعين عامًا، كان مأمني وأماني. لا عيش بعد تدميره".

يمسح الرجل دموعه، ويشير إلى صورة بيته في هاتفه، مضيفًا: "بنيته حجرًا على حجر، وعشت فيه أربعين عامًا، كان مأمني وأماني. لا عيش بعد تدميره".

ويتابع وقد غلبته الحسرة: "ربما الشيء الوحيد الذي يهوّن علينا هو أن هذه الهدنة وضعت حدًا لسيل الدماء المستمر منذ عامين. ما دون ذلك، فهذه أعظم نكبة تمرّ على فلسطين منذ تاريخ بدء الاحتلال".

كاريكاتـــــير