غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
تحت الإبادة، تُشيّع الأمهات في قطاع غزة أبناءهنّ يوميًا؛ واحد، اثنان، ثلاثة، وأربعة أيضًا! يموت الأطفال جائعين، ويا ليت الموت يكتفي بهم عند حدّ الجوع! بل يطال أجسادهم فيحرقها بنيران صاروخ إسرائيلي استهدف خيمة مجاورة، فاندلعت النيران في كل الخيام المحيطة.
حدث ذلك مع الأم براء أبو زايد، البالغة من العمر (28 عامًا)، التي فقدت أطفالها الأربعة في قصف إسرائيلي طال خيمتهم في منطقة المواصي التي يدّعي الاحتلال أنها آمنة، ويدعو سكان الشمال للنزوح إليها في جنوبي قطاع غزة.
ترقد براء في المستشفى، تحاول استيعاب ما حلّ بها، تسأل الأطباء والزائرين من عائلتها: "أين أولادي؟ أريد أولادي الأربعة الذين ربيتهم برموش عيوني، لماذا أخذتهم الحرب مني؟"، سؤال لن يجيبها عليه أحد، تشاركها فيه آلاف الأمهات اللواتي عشن مرارة الفقد ذاتها.
كان لديها عبيدة، أكبر إخوتِه، قتلته "إسرائيل" وهو في الثالثة عشرة، وعبود البشوش ابن الحادية عشرة، وحمزة الحبيب الذي كان يداعب العائلة كلها في الثامنة من عمره، وأمّا بانا، ذات الأعوام الأربعة، فكانت آخر العنقود التي استحوذت على الحصة الأكبر من الحب والاهتمام من أمها وإخوتها.
قبل الاستهداف بليلة، كانت الأسرة تحاول نسيان الحرب، تحاول التعايش مع لحظات استثنائية من الفرح بالتجهيز لعيد ميلاد براء وطفلها عبيدة الذي يوافق اليوم ذاته. لكن بكل أسف، تقول براء: "صار يومًا لمناسبة ثالثة، احترقت فيه العائلة تحت حرب الإبادة الإسرائيلية، فحصدت أرواح ثلاثة من الأطفال".
تروي أنها في لحظة القصف لم تدرك ما يحدث حولها، كانوا نائمين، استيقظت والنار تحرق جسدها وأجساد أطفالها. لم تستطع الصراخ، وانتُشلت جريحة مع عبيدة الذي أدخل العناية المركزة، فيما استشهد أشقاؤه الثلاثة على الفور.
وتضيف: "كنت أقول يا ليت عبيدة يعيش! يا ليت واحدًا من أطفالي يبقى على قيد الحياة، لكنه لحق بإخوته أنيسًا مؤنسًا في الموت كما كانوا في الحياة! إلا أن الموت لم يكن خيار أطفال أبرياء تمنوا الاحتفال بيوم ميلاد بسيط واحتفاء متواضع تحت نار الحرب التي طالتهم".
تعاني براء من آلام في رأسها بعد إصابتها بجروح جراء القصف الإسرائيلي، ورأسها مقطّب بـ(29) غرزة، وكذلك قدماها ويداها. وتتابع قائلة: "لا علاج لي بهذه الإمكانيات، لا مسكنات ولا أدوية، ساقي مهددة بالبتر وقلبي لا يحتمل المزيد من المآسي".
لم يبقَ لها من فلذات كبدها سوى صور صغيرة محفورة في الذاكرة، وضحكات تتردّد في أذنها كأنها قادمة من مكان بعيد.
تطالب بضرورة نقلها للعلاج في الخارج، إذ تعاني مستشفيات غزة من انهيار شبه كامل، وتواجه عجزًا حادًا جراء تكدّس الجرحى بسبب استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية.
براء التي كانت تحلم أن ترى أبناءها يكبرون أمام عينيها، وجدت نفسها وحيدة بين جدران المستشفى، تحمل في جسدها جراحًا لا تندمل، وداخل قلبها فراغًا لا يُملأ. لم يبقَ لها من فلذات كبدها سوى صور صغيرة محفورة في الذاكرة، وضحكات تتردّد في أذنها كأنها قادمة من مكان بعيد. وفيما تبحث عن فرصة للعلاج خارج حدود غزة المحاصرة، تبقى كلماتها شاهدة على وجع لا يُحتمل: "أريد أولادي.. أريد أن أعود أمًّا كما كنت".