غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
لن أختار مقدمة هذه المرة، لا أعرف صِدقًا كيف أصف حال طفلة انخلع شعرها، حرفيًّا، جرّاء الإبادة المستمرة على قطاع غزة. انخلع بينما كانت تلعب على أرجوحة تطير بها فرحًا، تغازلها خصال شعرها التي صارت فجأة "نقمةً" انتُزعت من جلدة رأسها دفعة واحدة، إثر سقوط صاروخ إسرائيلي.
هذا ما حدث مع الطفلة هلا دهليز (12 عامًا) في خان يونس، جنوبي قطاع غزة، عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية المكان. سقطت في لحظة على الأرض، كأنها انتقلت من عالم إلى آخر، من معاناة إلى ما هو أمرّ منها، تعيشها بشكل شخصي. عايشت حروقًا في رأسها وآلامًا أقلّ ما يقال عنها إنها "فظيعة".
تقول الطفلة، بينما تقلب صورها قبل الاستهداف: "هذه أنا، هلا قبل الحرب. جميلة ويغزو الشعر رأسي. أحتار بين صنع جدولة أو تركه يتنفس ويداعب الهواء. أحببتُ التقاط الصور، وجهّزت البُكَل وملابس العيد لأخرج بها متزينة بأحلى ما لديَّ حتى تحت الإبادة، إلى حين أغرقني الاحتلال بإجرامه في بحر المأساة".
هلا طفلة لم تكن تحمل سلاحًا، تكره الأسلحة وتبحث عن أي متنفّس ينسيها تفاصيل الحرب المرهقة. "لا أعرف ما ذنبي ليحصل لي كل هذا، أن يُنزع شعري من جذوره، أن تتغير ملامحي، أن أتحول إلى إنسانة أخرى لا تعرف نفسها"، تضيف.
منذ يوم إصابتها، لا تغادر هلا دون قبعة تغطي رأسها، ليس من باب مواكبة "ترند" ما، بل لأنها تخبئ رأسها كأنها تحمي طفولتها من ثمن تدفعه مُرغمة بسبب الحرب.
ولا يتعلق الأمر هنا بالشكل فقط، بل تعاني الطفلة من التهابات وتقرّحات مؤلمة في فروة الرأس، لا تجد علاجًا لها في مستشفيات قطاع غزة، التي تعاني من انهيار شبه كامل في البنية الصحية، بفعل الحصار الإسرائيلي، والقصف المستمر، وتكدّس الجرحى والمرضى.
تُعلق أمها بالقول إن حالة هلا النفسية تزداد سوءًا في كلّ يوم يمر عليها، في كل لحظة ترى فيها نفسها بالمرآة فتصرخ متسائلة: "لماذا فعلوا بي هكذا؟".
وبحسب ما أخبر الأطباء والدتها، فإن علاج ابنتها يتوفر خارج قطاع غزة، حيث تحاول العائلة الحصول على تحويلة طبية منذ أربعة أشهر من دون جدوى.
في السياق، صدر تقرير عن "اليونيسف" مطلع يونيو/حزيران الماضي، يقول إن "الأطفال في غزة يتحملون العبء الأكبر من الصراع، ويتعرضون لإصابات جسدية ونفسية خطيرة، كثير منها ناتج عن هجمات مباشرة على المناطق السكنية".
وأضاف التقرير: "ما يحدث يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، فالأطفال يجب أن يكونوا محميين دائمًا، لا مستهدَفين".
وفي حالة هلا، يتحول هذا الانتهاك إلى جرحٍ يومي، تعانيه عشرات الآلاف من العائلات الفلسطينية التي تعيش الإبادة. يتكبّدون عناء عدم الذهاب إلى المدارس، أو الموت فيها كونها تحولت إلى مراكز إيواء مستهدفة. يُقتلون في الشوارع وهم يلعبون، أو في طوابير المياه، وانتظار طعام التكيات الخيرية، ومن الجوع وسوء التغذية أيضًا.