غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
في صف مدرسي تحوّل إلى مأوى، تجلس مرام أبو عامر وتحتضن حقيبتها المهترئة التي تحمل فيها بعض الكتب الدراسية لمنهاج التوجيهي، كما لو أنها تمسك ببقايا حلم يتلاشى!
تحبس دموعها وتحاول كتم غيظها أمام أمها التي تدفعها للحديث من باب التفريغ بعد كبت سنتين من الحرب على غزة، حتى انفجرت قائلة: "ظننت أن هذا العام سيكون فرصتي الثانية كي أدخل امتحانات الثانوية العامة وأنجح، لكن يبدو أنني سأموت قبل أن أفعلها."
"الحصول على الطعام صار هو الحلم، الاستحمام حلم، العيش في منزل حلم، النجاة حلم! "وأمام هذا كيف سأجرؤ لأتحدث عن الحلم العادي؟".
تبلغ مرام من العمر (17 عامًا)، وتحلم بأن تصير مهندسة، لكن الحلم هنا، في قطاع غزة، وتحت حرب الإبادة، أصبح رفاهية لا يجرؤ الإنسان على التحدث بها، لماذا؟ لأن الحصول على الطعام صار هو الحلم، الاستحمام حلم، العيش في منزل حلم، النجاة حلم! "وأمام هذا كيف سأجرؤ لأتحدث عن الحلم العادي، الذي يعيشه أي إنسان على أنه حق لا نقاش فيه، خارج حدود غزة؟" تجيب.
وكانت وزارة التربية والتعليم أعلنت بدء امتحانات الثانوية العامة في الضفة الغربية، يوم الـ21 من حزيران/يونيو الجاري، بينما يغيب طلبة قطاع غزة عن الامتحانات للعام الثاني على التوالي، بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية.
وأوضحت أن نحو 2000 طالب/ة من أبناء قطاع غزة في الشتات ومن طلبة المدارس الفلسطينية في الخارج، تقدموا للامتحان، موزعين على 37 دولة حول العالم.
مرام ليست وحدها من حُرمت من تقديم امتحانات الثانوية بسبب الحرب والنزوح القسري، بعد أن دُمّر منزل عائلتها في حي الشجاعية واضطروا للانتقال بين أكثر من خمسة مراكز إيواء مختلفة خلال شهرين، ومع ذلك في كل مرة كانت تنزح فيها تصر على حمل حقيبتها كما لو كانت رأس مالها الأخير، على أمل أن تتقدم للامتحان.
رمزي نعيم، طالبٌ آخر أصيب بشظايا قذيفة مدفعية أطلقت على الجائعين قرب نقطة توزيع المساعدات "الأمريكية" جنوبي قطاع غزة في أواخر مايو/أيار لعام 2025م، فأفقدته بصره.
كان رمزي من أوائل مدرسته، يقال فيه إنه مشروع محاسب لأن "مخه كمبيوتر" بوصف أمه، فهو أكبر أشقائه وانتظار دخوله الثانوية العامة كان حلمًا للعائلة كلها.
تقول أمه: "أول ما وعي من إصابته وعرف أنه فقد البصر صار يبكي ويتساءل: كيف سأتقدم لامتحان التوجيهي عندما يبدأ؟ كيف سأراجع دروسي؟ وكيف سأرى ورقة الامتحان التي حلمتُ بها مرارًا؟".
يتدخل الفتى قائلًا: "لم أعد أشعر أن لحياتي قيمة، منذ دخولي المدرسة تمنيت الوصول للثانوية العامة، في كل مرة كنت أراقب أقربائي وأجواء دراستهم، أجواء احتفالاتهم بالنتائج، كنت أسرح وأتخيل نفسي بذات المكان، لم أتوقع يومًا أن يحدث لنا ما حدث".
ويضيف: "طلبة غزة ظُلموا على مرأى العالم كله، لعامين متتالين، كسائر أهلها الذين تحطمت أحلامهم تحت حرب الإبادة المستمرة، التي لا تزال تحصد المزيد من الأرواح".
"صارت لي مهام يومية: مساعدة أمي بإعداد الطعام، والبحث عن الدقيق في الأسواق، وانتظار المياه والغسيل، في وقت كان مفترضٌ فيه ألا أفعل شيئًا سوى الدراسة لمرحلة مفصلية بعمري".
في قصة ثالثة، تخبرنا إسراء كحيل أنها شعرت بغصة كبيرة عندما استطاعت الدخول إلى الإنترنت، وعرفت صدفة أن امتحانات الثانوية العامة في فلسطين بدأت. أصرت على شراء بطاقة إنترنت بقيمة ٣ شواكل للساعة الواحدة، كي تعرف ماذا قال طلبة الضفة الغربية عن الامتحانات.
تقول بحرقة: "صارت لي مهام يومية: مساعدة أمي بإعداد الطعام، والبحث عن الدقيق في الأسواق، وانتظار المياه والغسيل، في وقت كان مفترضٌ فيه ألا أفعل شيئًا سوى الدراسة لمرحلة مفصلية بعمري".
أخذَت إسراء تبحث عن كتبها بين الأغراض في خيمتهم. تريد أن تدرس حتى وإن لم تدخل الامتحان، "يجب أن أكون مستعدة! ربما يفاجئنا أحدهم بالقول إنه سمح لطلاب غزة بالتقدم! ربما يمنحوننا فرصةً قريبة"، تفكيرٌ قطعه صاروخ قريب أسقطته الطائرات الإسرائيلية على مواصي خان يونس دفعها للصراخ، "أو يمكن نموت قبل".
وكان وزير التربية والتعليم أمجد برهم أكد التزام الوزارة بعقد الامتحان في قطاع غزة بحال سمحت الظروف بذلك، داعيًا المؤسسات الحقوقية والدولية إلى التحرك العاجل والضغط؛ لضمان توفير ظروف تُمكن طلبة غزة من أداء الامتحانات في أقرب فرصة ممكنة.