شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025م09:20 بتوقيت القدس

في أسبوع الصحة العالمي..

غزة.. صواريخٌ تقتل الأمهات ومجاعةٌ تفتك بالأجنة!

10 ابريل 2025 - 16:35

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

على ساقين أثقلهما الحمل وبجسد أنهكه التعب، تقف منال خالد في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، بانتظار دورها للمراجعة الدورية.

تحاول السيدة الثلاثينية البحث عن طمأنينة تبدو بعيدة المنال، في زمنٍ فرَضت فيه الحرب الإسرائيلية الخوف عنوانًا ملازمًا لحياة الغزيين للعام الثاني على التوالي.

منال الحامل في الشهر السابع، والأم لستة أطفال، قالت لـ"نوى" :"إن تجربة الحمل في ظل الحرب والحصار مختلفة، بل إنها مرعبة، والمرأة هنا في غزة هي الضحية دومًا، ولها نصيب وافر من كل صنوف المعاناة، فهي الشهيدة والجريحة والنازحة، التي تتحمل أعباء الحياة اليومية لرعاية أسرتها وأطفالها"، مردفةً بقهر: "كيف سيكون حالها إذا كانت حاملًا؟".

ودمّرت قوات الاحتلال منزل منال في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، خلال الشهور الأولى لاندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام 2023م، ولاحقًا أُجبرت على النزوح مع أسرتها من المدينة، عشية اجتياحها في 6 مايو/أيار من العام الماضي، حيث تقيم في خيمة بمنطقة "أصداء" في مواصي خان يونس.

"هل يدرك العالم ماذا تعني الحياة في خيمة بالنسبة لامرأة حامل؟" تتساءل منال، قائلةً: "الخيمة تعني القهر، والموت يحلق فوق رؤوسنا على مدار الساعة (..) الموت هنا ليس فقط بالصواريخ، إننا نموت قصفًا وجوعًا وقهرًا وقلقًا".

وتزداد الحالة الصحية لمنال سوءًا مع مرور شهور الحمل، وتعدُّ الشهرين الماضيين الأصعب منذ بداية الحمل، نتيجة إغلاق المعابر، وعودة الحرب بشكل أشد قسوة، وتردف: "نعيش في غزة بين فكي الخوف والجوع".

وخلال هذه الفترة لم تجد منال ما تقتات عليه سوى "بقايا معلبات" كانت تحتفظ بها من طرود مساعدات سابقة، حالها في ذلك كحال الغالبية من الغزيين ممن تعصف بهم المجاعة، جرّاء إحكام الاحتلال حصاره على القطاع منذ 2 مارس/آذار الماضي، ومنعه من إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية لأكثر من مليوني إنسان في القطاع الصغير، علاوةً على عودته العنيفة للحرب في 18 من الشهر نفسه.

وكان لهذا الواقع المرير أثره الملموس على منال، التي تعاني من انخفاض دمها ووزنها، وقبل أن يبصر جنينها النور ناله نصيب من الألم والمعاناة، حيث تظهر الصور والفحوص صغر حجمه مقارنة مع الحجم الافتراضي للجنين في مثل هذا الوقت من شهور الحمل.

وخسرت منال بضع كيلوغرامات من وزنها، وانخفضت قوة الدم لديها من 12 بداية الحمل إلى 9 في الوقت الحالي، وتتساءل: "من وين نجيب الصحة وما في أكل او شرب؟ حياتنا كلها معلبات، وحتى المستشفيات تعاني من عدم توفر الأدوية والمدعمات والفيتامينات باستمرار".

ومنذ إغلاق المعابر اختفت اللحوم المجمدة الحمراء والبيضاء من الأسواق، فيما تمنع دولة الاحتلال إدخال اللحوم الطازجة منذ اندلاع الحرب، فضلًا عن عدم توفر الخضار والفواكه والبيض والأجبان والألبان، وارتفاع الأسعار أضعافًا مضاعفة، بشكل لا تقوى عليه غالبية الأُسر التي طحنتها الحرب، وأفقدت أربابها مصادر أرزاقهم.

ولم يحتمل جسد آيات أبو يونس (32 عامًا) سوء التغذية، وناء بحمله، وأجهضت جنينها في شهرها الرابع، لتكون المرة الثانية منذ اندلاع الحرب التي تتعرض فيها هذه الأم الفلسطينية لإجهاض جنينها، وبحزن شديد تقول لـ "نوى": "القتل وصل لأرحامنا، خسرت جنيني في شهر 10 الماضي، وها أنا ذا أخسر الثاني".

وتقيم آيات مع أسرتها في بلدة عبسان الجديدة شرقي مدينة خان يونس، وهي واحدة من البلدات التي تتعرض بشكل متواتر لإنذارات النزوح والتهديد بالقصف والاجتياح، ولدى هذه الأم طفلان، وتعيش حالة من القلق الدائم عليهما، بعد إجهاضها مرتين بسبب سوء التغذية.

"الحصار تسبب في مجاعة ونقص في الغذاء من خضار وفواكه وبروتينات، وأثر على صحة جميع الغزيين، وبشكل خاص وأكثر خطورة على الحوامل والمرضعات والمواليد وحتى الأجنة".

"ما في أكل للأم فكيف سينمو الجنين؟"، يجيب أخصائي النساء والتوليد الدكتور محمد بربخ على سؤال آيات، الذي يتردد كثيرًا على ألسنة الحوامل في غزة، ويقول لـ "نوى": إن الحصار تسبب في مجاعة ونقص في الغذاء من خضار وفواكه وبروتينات، وأثر على صحة جميع الغزيين، وبشكل خاص وأكثر خطورة على الحوامل والمرضعات والمواليد وحتى الأجنة".

والنقص في أوزان الحوامل يؤدي بالضرورة لنقص في أوزان الأجنة، ولا يتناسب العمر الافتراضي للجنين مع الوزن، نتيجة سوء التغذية، وهذا يؤدي للولادة المبكرة، أو الإجهاض المتكرر، ويلاحظ أن المواليد في غزة يولدون بأوزان منخفضة منذ اندلاع الحرب، وفق الدكتور بربخ.

ونتيجة الحصار والمجاعة، يقول بربخ: "الحوامل والمرضعات يجبرن على تناول المعلبات والبقوليات بكثرة، ولذلك تأثير سلبي كبير على صحة الأم الجسدية والنفسية وكذلك على صحة جنينها، وتصاب الكثير من النساء بالجفاف والإمساك المزمن، والضغط وانخفاض في الدم والوزن".

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن 90% من النساء الحوامل والمرضعات في غزة يعانين سوء تغذية حاد، ويحول نقص المعدات الطبية دون حصولهن على العلاج اللازم.

لم تدخل أي مساعدات إلى غزة منذ 2 مارس، ما يفاقم أزمة الجوع وسوء التغذية، إذ تُركت العائلات بلا مياه نظيفة ومأوى ورعاية صحية كافية، ومزيدًا من خطر المرض والوفاة.

وبمناسبة أسبوع الصحة العالمي الذي يمتد من 7 إلى 13 من الشهر الجاري، قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس "إن صحة الأمهات والأطفال في غزة شهدت تدهورًا حادًا منذ بدء الحرب الإسرائيلية".

وفي بيان للمنظمة، أوضحت أنه ما بين 18 مارس الماضي، و4 أبريل الجاري، أفادت التقارير بمقتل أكثر من 500 طفل و270 امرأة. ولم تدخل أي مساعدات إلى غزة منذ 2 مارس، ما يفاقم أزمة الجوع وسوء التغذية، إذ تُركت العائلات بلا مياه نظيفة ومأوى ورعاية صحية كافية، ومزيدًا من خطر المرض والوفاة.

ويقدر عدد النساء الحوامل في غزة بـ 55 ألف امرأة، ثلثهن يواجهن حالات حمل عالية الخطورة، حيث يولد حوالي 130 طفلًا يوميًا، 27% منهم ولادة قيصرية، حوالي 20% من المواليد الجدد يولدون قبل الأوان، أو يعانون من نقص الوزن، أو يعانون من مضاعفات، ويحتاجون إلى رعاية متقدمة تتناقص بسرعة.

وبسبب حظر المساعدات، انخفضت إمدادات منظمة الصحة العالمية لصحة الأم والطفل، بما في ذلك مستلزمات الولادة القيصرية، والتخدير أثناء الولادة وتسكين الألم، والسوائل الوريدية، والمضادات الحيوية، والخيوط الجراحية، بشكل حاد، كما أن وحدات الدم اللازمة للولادات المعقدة شحيحة للغاية.

لم تسمح دولة الاحتلال بدخول المعدات والأدوية الأساسية، مثل الحاضنات المحمولة، وأجهزة التنفس الصناعي للعناية المركزة لحديثي الولادة، وأجهزة الموجات فوق الصوتية، ومضخات الأكسجين.

كما لم تسمح دولة الاحتلال بدخول المعدات والأدوية الأساسية، مثل الحاضنات المحمولة، وأجهزة التنفس الصناعي للعناية المركزة لحديثي الولادة، وأجهزة الموجات فوق الصوتية، ومضخات الأكسجين، بالإضافة إلى 180 ألف جرعة من لقاحات الأطفال الروتينية، تكفي لحماية 60 ألف طفل دون سن الثانية بشكل كامل، ما ترك المواليد الجدد والأطفال الصغار المرضى دون الرعاية الصحية المنقذة للحياة التي هم في أمس الحاجة إليها، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وأظهر تحليل حديث لمجموعة التغذية أن ما بين 10% و20% من أصل 4500 امرأة حامل ومرضعة شملهن الاستطلاع يعانين من سوء التغذية، وقد أدى إغلاق 21 مركزًا لعلاج سوء التغذية، بسبب انعدام الأمن أو أوامر الإخلاء، إلى تعطيل الرعاية الصحية المُنقذة للحياة لأكثر من 350 طفلًا يعانون من سوء التغذية الحاد، وحد بشدة من القدرة على اكتشاف الحالات الجديدة وعلاجها.

كاريكاتـــــير