غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
بعدما أعياها البحث عن مستلزماتٍ لحفيدها الأول في الأسواق والمحال التجارية بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة، تقول نسرين علاوي: "حتى الأجنة يدركها أذى الحرب، وتعاني ويلاتها قبل أن تبصر النور".
قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي بشهور قليلة، تزوجت سوسو (22 عامًا)، وهي الآن حاملٌ بالشهر السابع. تضيف والدتها (46 عامًا): "الحرب حرَمَتنا الفرحة، وحرمت ابنتي وغيرها من الحوامل الحق في الرعاية والتغذية الصحية".
وكعادة أهل غزة، فإن أسرة المرأة الحامل تجهّز كافة مستلزمات واحتياجات المولود الأول، وهذا ما لم يعد متاحًا منذ قرابة السبعة أشهر، فلا المال عاد متوفرًا ولا البضاعة.
تعلق السيدة بعد تنهيدةٍ طويلة: "لفّيت لما دخت، وما لقيت شي"، فلأيامٍ طويلة جابت نسرين الأسواق والمحال التجارية في مدينة رفح دون أن تشتري شيئًا، "لأن الموجود سيء الجودة، والأسعار جنونية، ولا تتناسب مع الأوضاع المادية المتردية لعائلتي المكونة من 10 أفراد" تفسّر.
المتوفر في السوق من مستلزمات المواليد تفوق أسعاره قدرات غالبية الغزيين، الذين عصفت بهم الحرب، وبات نحو 85% منهم مشردين في الخيام.
وما يعرف بـ "يوم الاستقبال للمولود وتجهيز غرفته"، كان يكلف قبل الحرب الإسرائيلية على غزة مبلغًا يترواح بين 500 و1000 شيكل بحسب القدرات المالية لكل أسرة، لكن وجراء تداعيات الحرب المصحوبة بحصارٍ مطبق وإغلاق المعابر وفرض الاحتلال قيودًا مشددة على ما يتم توريده لقطاع غزة، تقدر نسرين أن التكلفة ارتفعت إلى 3 آلاف شيكل على الأقل.
والمتوفر في السوق من مستلزمات المواليد تفوق أسعاره قدرات غالبية الغزيين، الذين عصفت بهم الحرب، وبات نحو 85% منهم مشردين في الخيام ومراكز الإيواء، بعدما أُجبروا على النزوح عن منازلهم ومناطق سكناهم، وتدهورت أحوالهم الاقتصادية.
وتقدر نسرين أن أقل قطعة ملابس للمولود ارتفعت 3 أضعاف ثمنها الحقيقي قبيل اندلاع الحرب، وعندما قررت أن تلجأ مضطرة لمحال البالة (الملابس المستخدمة) لم تكن أسعارها أفضل من محال الملابس الجديدة، تعقب: "أسعار البالة اليوم تعادل أسعار الملابس الجديدة قبل اندلاع الحرب"، وتضرب مثالًا بأن "قطعة الملابس الداخلية بسعر خمسة شواكل، والتبان (البدلة الخارجية) بـ 25 شيكلًا في محال البالة، بينما سعر الجديد منها مضاعف".
اضطرت السيدة نسرين إلى توفير بعض الاحتياجات للمولود المنتظر من معارف وأصدقاء ممن لديهم مواليد جدد.
ورغم شعورها بالقهر، وأن أحلامها تحطمت لعدم قدرتها على إسعاد ابنتها البكر بابنها الأول، إلا أنها قالت: "سوسو وأهل زوجها متفهمين لوضع البلد".
اضطرت السيدة نسرين إلى توفير بعض الاحتياجات للمولود المنتظر من معارف وأصدقاء ممن لديهم مواليد جدد، ولديهم مستلزمات زائدة عن حاجتهم اشتروها قبل الحرب، أو صغُرت على أبنائهم، وتعمل حاليًا على غسلها وتعقيمها ووضعها في شنطة "قد تدخل ولو قليلًا من الفرحة والسرور على قلب ابنتي" تزيد.
وفي حكاية مشابهة، وربما أكثر مرارة، تقيم عبير حبيب (48 عامًا)، النازحة من منزلها في حي الرمال الجنوبي بمدينة غزة في خيمةٍ مع أسرتها المكونة من 10 أفراد، بينهم ابنتها ولاء (25 عاماً) الحامل وهي على وشك الولادة، ولا يتوفر لديها غالبية احتياجات المولود ومستلزماته الأساسية.
قبل محطة النزوح في رفح مرت عبير وأسرتها بمحطات كثيرة مع النزوح المتكرر من منزلها إلى مستشفى الشفاء بمدينة غزة، ومن ثم إلى مدينة خان يونس، وتقول لـ"نوى": "كانت ولاء معنا في كل هذه المحطات من رحلة النزوح الشاقة والمرعبة، وكان الأمر عليها أشدة قسوة كحامل في تجربتها الأولى".
"ظننا أن الحرب وإن طالت فلن تطول حتى موعد ولادتها، وها هي بالشهر الأخير وما زالت الحرب مستمرة ومتصاعدة".
تزوجت ولاء قبل الحرب بثلاثة شهور، ومع اندلاع الحرب كانت حاملًا في شهرها الأول، ولم تكن والدتها عبير تظن أن الحرب ستطول إلى هذا الحد، وتقول: "ظننا أن الحرب وإن طالت فلن تطول حتى موعد ولادتها، وها هي بالشهر الأخير وما زالت الحرب مستمرة ومتصاعدة، وأملنا في نهايتها هو الذي يتلاشى".
وتزداد معاناة ولاء في حملها الأول مع إقامتها في خيمة. تقول لـ"نوى": إنها تفتقر للحد الأدنى من المقومات الحياتية التي يحتاجها الإنسان، فكيف الحال بامرأة حامل بحاجة إلى الراحة والهدوء المفقودَين في خيمة كانت شديدة البرودة شتاءً، ولا تقي الأمطار، ومع الصيف تحولت إلى فرن يغلي من شدة الحرارة".
وتخشى ولاء أن تضع مولودها في أية لحظة قبل أن توفر له ولو الحد الأدنى من احتياجاته، غيرَ أن والدتها حاولت أن تُطمئنها وقالت: "ربنا كبير والخير ما بينقطع".
وأوضحت أنها بعدما عجِزَت عن شراء المتوفر في الأسواق بسبب الأسعار التي بات بعضها يصل إلى 10 أضعاف الثمن، فإنها جمعت من المعارف والأصدقاء بعض الاحتياجات الأساسية التي تفيض عن احتياجات أبنائهم.
وما ينتظر ولاء بعد ولادتها ليس أقل ألمًا ومعاناة من الواقع الذي عايشته طوال شهور حملها، تخبرنا والدتها: "معاناة الحرب تزيد أضعافًا مضاعفة على المرأة الحامل، خاصةً لو كانت نازحة في خيمة، ولا تتوقف مع ولادتها، فكيف للمرأة حديثة الولادة أن تعود من المستشفى إلى خيمة ليس فيها شيء من احتياجاتها كالسرير المريح والطعام الصحي والخصوصية، من أجل الحركة والنظافة الشخصية".
"كل شي كانت تحلم به ولاء فيما يتعلق بمولودها الأول لن يتحقق بسبب الحرب والحصار.. كانت تقول إنها تريد أن تفرح مثل شقيقتها التي كنت أصطحبها معي إلى الأسواق لتختار ما يناسبها ويعجبها من أجل مولودها الأول".
وتقدر هيئات محلية ودولية وجود زهاء 55 ألف امرأة فلسطينية حامل في قطاع غزة، بينهن آلاف يعشن في الخيام ومراكز الإيواء، ويواجهن ظروفًا قاسية بسبب الحرب والحصار، وصفها مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA في فلسطين "دومينيك آلن" في زيارته الأخيرة لقطاع غزة قبل نحو شهر، بأنها "مروعة"، وقال: "ما رأيته في أنحاء قطاع غزة يتجاوز الكارثة، لقد زرت غزة عدة مرات قبل هذه الحرب، وما رأيته هذه المرة كان مفجعًا حقًا. غزة عبارة عن كتلة من الركام".
وخص النساء الحوامل بقوله: "نحن قلقون حقًا بشأن النساء الحوامل والمرضعات"، مستندًا إلى شهادات أطباء فلسطينيين تحدثوا عن أن "النساء يلدن أطفالًا أصغر حجمًا بسبب سوء التغذية والجفاف والخوف، بالإضافة إلى زيادة عدد المواليد الموتى ووفيات الأطفال حديثي الولادة".
ويشهد المستشفى الإماراتي برفح حوالي 100 ولادة كل يوم، ويتساءل المسؤول الأممي مع التهديد الإسرائيلي باجتياح المدينة: "ماذا سيحدث لهؤلاء النساء الحوامل والأطفال؟ ماذا سيحدث لنحو 1,2 مليون شخص نازح يسكنون المدينة التي كان عدد سكانها لا يتجاوز 250 ألف شخص؟".