غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
تجول أم محمد حرارة ببصرها في أرجاء صالة الأميرة للأفراح في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وتعود بذاكرتها إلى حفل زفاف ابنها قبل شهرٍ واحدٍ من اندلاع الحرب الإسرائيلية، في السابع من تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي.
تقول بعد تنهيدةٍ طويلة: "اليوم لا يشبه الأمس، والمكان ليس هو المكان"، ففي هذه الصالة زفَّت ابنها محمد "عريسًا"، وارتدت الثوب التقليدي المطرز وغنت أهازيج الفرح، لتصبح اليوم في نفس المكان "نازحةً" مريضة.
"يا لها من كوميديا سوداء" تضيف، وتكمل: "قبل الحرب كنت أم العريس، وصاحبة الفرح، أطير فرحًا كالفراشة في أرجاء هذه الصالة، وأستقبل المهنئين وأرحب بهم، واليوم كما ترون أنا نازحة مريضة هنا، إلى جانب عشرات المرضى النازحين من غزة والشمال".
وتتساءل بحرقة: "منذ متى وبأي منطق تتحول صالة أفراح إلى مركز إيواء للمرضى، يخيّم عليها الحزن والألم؟".
وتقيم أم محمد التي تعاني مرض الفشل الكلوي في الصالة مع عشرات المرضى والمريضات، إثر نزوح أغلبهم من مستشفى الشفاء بمدينة غزة، عقب حصاره من قبل الاحتلال واقتحامه وتدميره.
بالقرب منها تجلس المريضة بالفشل الكلوي سهيلة حلس، التي كانت معها في مستشفى الشفاء وقت حصاره قبل النزوح عنه بواسطة جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إلى مستشفى أبو يوسف النجار في رفح، وقد مكث المرضى النازحون في المستشفى لأيام قبل الاتفاق على انتقالهم للإقامة في صالة الأميرة.
وتشاطر سهيلة جارتها أم محمد المعاناة نفسها، فهذه الصالة غير مهيأة لإيواء مرضى يحتاجون إلى رعايةٍ خاصة، من حيث الاهتمام والراحة، وتوفر العلاج.
تقول لـ"نوى": "هذه الصالة تصلح للمناسبات وليست لإيواء مرضى.. في غزة كل شيء مختلف، الصالة التي هي للمناسبات السعيدة والأفراح، هي في غزة اليوم مكان يجتمع فيه الألم والوجع وحرقة الحرب والنزوح".
ولا يتوفر للمرضى في صالة الأميرة -بحسب سهيلة- العلاج باستمرار، إضافة إلى ندرة الطعام الصحي من الفواكه والخضروات، والملابس الصيفية أيضًا. تتابع: "خرجنا من منازلنا بالملابس التي نرتديها، وبالكاد تدبّرنا ملابس الشتاء. الآن نحن بحاجة لتوفير ملابس مناسبة لموجات الحر العالية جدًا (..) نعيش هنا معاناة يومية في كل تفاصيل حياتنا".
وفي اليوم المخصص لغسيل الكلى تعاني سهيلة وباقي المرضى في الصالة، من العثور على وسيلة مواصلات تقلهم إلى مستشفى أبو يوسف النجار، حيث أزمة المواصلات حادة بسبب نفاد الوقود، وتوقف غالبية سيارات الأجرة عن العمل، وتضطر أحيانًا إلى التحامل على أوجاعها والسير على قدميها للوصول إلى المستشفى.
هناك، في المستشفى، يبدأ فصلٌ جديد من معاناة سهيلة بالوقوف في طابورٍ طويلٍ لمرضى ومريضات ينتظرون دورهم على واحدةٍ من آلات غسيل الكلى في وحدة الغسيل الصغيرة والوحيدة بمدينة رفح. تخبرنا: "نقضي وقتًا من الصباح حتى مغيب الشمس، وأحيانًا نضطر إلى المبيت بالمستشفى بدون فراش أو أغطية".
وفي الجانب المخصص للمرضى الرجال بصالة الأميرة، يجلس محمد مهدي من سكان مخيم الشاطئ بمدينة غزة، الذي كان نازحًا في مستشفى الشفاء منذ اليوم الثالث للحرب الإسرائيلية على القطاع، واضطر إلى مغادرتها والنزوح جنوبًا إثر حصار المستشفى واجتياحها.
يعاني هذا النازح الخمسيني من فشلٍ كلوي وضعفٍ في الرؤية بأحد عينيه، وقد خضع سابقًا لعملية قلبٍ مفتوح. يقول: "آثار الحرب علينا كمرضى مضاعفة، فنحن نواجه الموت مرضًا من قلة العلاج، أو قتلًا بالقذائف والصواريخ".
نزح محمد عن مستشفى الشفاء، وأقام في مستشفى الهلال التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينة خان يونس، قبل أن يضطر إلى النزوح عنها لمدينة رفح، إثر حصار مجمع ناصر الحكومي واقتحامه وخروجه عن الخدمة.
بعد النزوح من خان يونس "تحت النار"، يعيش الرجل اليوم في مركز الإيواء داخل الصالة بمدينة رفح ظروفًا قاسية -على حد تعبيره- حيث المعاناة مختلفة الألوان، "إذ وصلها النازحون بملابسهم التي عليهم، بدون أي شيء يمكنهم من توفير أبسط احتياجاتهم الحياتية كالطعام أو بعض العلاجات" يضيف.
يحتاج محمد وغيره من مرضى الفشل الكلوي كل مرتي غسيل أو ثلاث إلى وحدات دم، تطالبهم وحدة الغسيل في مستشفى النجار بتوفيرها.
ويحتاج محمد وغيره من مرضى الفشل الكلوي كل مرتين أو ثلاث إلى وحدات دم، ويتابع: "إن وحدة الغسيل في مستشفى النجار تطالبهم بتوفير هذه الوحدات"، متسائلًا: "من أين نأتي بالدم ونحن مرضى ونازحون، خرجنا من بيوتنا بملابسنا التي نرتديها فقط؟".
ويقسم القائمون مركز إيواء صالة الأميرة إلى قسمين، أحدهما للرجال والآخر للنساء.
وتؤوي الصالة 42 مريضًا ومريضة وفقًا لمدير المركز عيسى سامي، الذي أكد لـ "نوى" الظروف المتردية التي يعايشونها، جراء عدم توفر العلاجات والأطعمة المناسبة.
ويقول: "إن مالكي هذه الصالة خصّصوها لإيواء المرضى بالمجان، لكن أحدًا لم يتوقع أن تطول الحرب وتدخل شهرها السابع، ويطالبون الآن ببدل إيجار، ولا توجد جهة أو مؤسسة تتحمل المسؤولية، بما في ذلك وزارة الصحة".
وبحسب مدير مستشفى أبو يوسف النجار، مروان الهمص، فإن وحدة غسيل الكلى كانت تتعامل مع 110 مرضى يوميًا، وقد ارتفع العدد إلى 525 مريضًا جراء النزوح الكبير من جميع مدن القطاع إلى مدينة رفح.
وتشير تقديرات محلية ودولية إلى أن أكثر من مليون فلسطيني -يمثلون نصف سكان القطاع- الذين يقدر عددهم بنحو 2.2 مليون نسمة، أُجبروا على النزوح عن منازلهم ومدنهم، ويقيمون حاليًا بمدينة رفح، وقد شكل ذلك ضغطًا هائلًا على مستشفى النجار، الذي يتوفر فيه 18 جهازًا فقط.
ويختم الهمص بقوله: "اضطررنا لتقليص عدد مرات الغسيل الأسبوعية لكل مريض إلى مرتين فقط، بدلًا من 4، وهي غير كافية من الناحية العلاجية".