شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025م11:01 بتوقيت القدس

"خيمةٌ" تبكي في رفح.. أمُّ "الوحيدة" ماتت!

23 ابريل 2024 - 12:47

غزة – شبكة نوى/ فلسطينيات:

داخل خيمةٍ يسكنها الحزن والوحدة، أوجزت هبة أبو شومر حالها: "مقهورة ومكسورة". لقد توفيت والدتها نازحةً، بعيدةً عن منزلها في مخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة.

لم تفارق هبة والدتها طوال حياتها، وها هو الموت يفرق بينهما نازحتين، ويتركها وحدها في خيمة! تقول هبة بينما تغالب كلماتها دموعها المنهمرة على خديها: "أنا تعبانة من غير أمي. كم هي قاسية هذه الحياة، لقد خطف الموت مؤنستي الوحيدة، وتركني وحيدة في هذا العالم وفي هذه الخيمة الكئيبة".

كانت هذه الخيمة مأوى هبة (38 عامًا) ووالدتها الراحلة شفا (71 عامًا)، بعدما أجبرتهما آلة الحرب الإسرائيلية على النزوح أواخر شهر كانون ثاني/ نوفمبر من العام الماضي، ومغادرة منزلهما نحو المجهول، حتى حطتا الرحال مع حشود من النازحين في مدينة رفح، أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر.

"إنه طريق الموت"، تصف هبة المسافة التي قطعتها مع والدتها المقعدة والمريضة من مخيم جباليا إلى مدينة رفح، وقد عانت الويلات، ورأت المعاناة ألوانًا عند حاجز "نتساريم" العسكري، الذي أقامته قوات الاحتلال الإسرائيلي على مفترق الشهداء على طريق صلاح الدين، ويقسم حاليًا قطاع غزة إلى نصفين شمالي وجنوبي.

وصلت هبة ووالدتها إلى الحاجز العسكري عند الساعة التاسعة صباحًا، "وهناك مكثنا وسط جموع النازحين حتى ما بعد الساعة الرابعة والنصف مساء. كانت ساعات مرعبة ومرهقة من الانتظار الطويل، خاصة بالنسبة لوالدتي المثقل جسدها بالعديد من الأمراض المزمنة والخطرة" تضيف.

في ذلك اليوم كانت قوات الاحتلال المتمركزة داخل الدبابات والآليات العسكرية تفرض على النازحين، وغالبيتهم من النساء والأطفال، المرور في مجموعات صغيرة عبر "الحلّابات" (وهي بوابات إلكترونية للفحص الأمني)، وقد جرى خلالها اعتقال الكثير ومن بينهم نساء وفتيات.

بعد طول عناء وصلت هبة بوالدتها إلى مركز إيواء في مدرسة بحي تل السلطان غربي مدينة رفح، لتكون أمام فصلٍ جديدٍ من المعاناة، حيث رفضت إدارة هذا المركز تسجيلهما واستقبالهما لعدم وجود متسع لهما جراء الاكتظاظ الشديد، وبعد أخذ دور لثلاث ساعات دخلتا المدرسة، لكن إقامتهما فيها لم تدم طويلًا.

تقول هبة: "أقمت ووالدتي في خيمةٍ ملاصقة للجدار الخارجي للمدرسة، وقد تدهورت حالتها الصحية بسبب عدم ملاءمة أحوال الخيمة لامرأة في مثل عمرها ووضعها الصحي، فأُصيبت بتقرحات شديدة زادت من ألم الأمراض التي تثقل جسدها الهزيل، فهي تعاني من أمراض السكر والضغط والقلب".

وخلال أقل من شهرين من النزوح غزت أمراض أخرى جسد والدة هبة، وأشدُّها الفشل الكلوي، فباتت لا تقوى على الحركة أو خدمة نفسها في صغير احتياجاتها اليومية وكبيرها، وتضاعفت مسؤولية هبة، من النظافة الشخصية وتوفير الطعام المناسب لها ومرافقتها إلى المستشفيات في مدينتي رفح وخان يونس.

كانت هبة تُسخّر وقتها وحياتها لوالدتها منذ أن اتخذت قرارها قبل سنوات طويلة بعدم الزواج كي لا تتركها وحيدة، وقد اختارت هبة بكامل وعيها مرافقة والدتها حتى آخر أنفاس لها في هذه الحياة.

عند حوالي الساعة الرابعة من فجر الثالث والعشرين من كانون ثاني/ يناير الماضي، استيقظت هبة على صوت والدتها يتأرجح بين الموت والحياة. كانت تُخرج أنفاس النزع الأخير، فخرجت تسابق الريح بحثًا عن سيارة إسعاف، وبعد نصف ساعة تمكنت من نقلها إلى المستشفى بسيارة أجرة، وبعد الفحص الأولي تأكد أنها فارقت الحياة.

تقول هبة: "ماتت من كنت أشعر بأن للحياة معنى بوجودها، وتركتني نازحة وحيدة في هذه الخيمة، وفي كل زاوية فيها لي معها ذكرى".

قبل النزوح الإجباري نحو مدينة رفح لم تكن هبة تعرف الكثير عن هذه المدينة أو ترتبط بها بأي رابط عاطفي، غير أنها تؤوي اليوم قبر والدتها التي دُفنت في مقبرة حي تل السلطان.

وتشهد مدينة رفح، التي تؤوي زهاء مليون نازح يمثلون نصف التعداد الكلي لسكان القطاع ويقدر بـ 2.2 مليون نسمة، ارتفاعا ملحوظًا في معدلات الوفيات، ومن بينها مرضى الكلى والأمراض المزمنة.

وبحسب توثيق لجنة الطوارئ الصحية بالمدينة، فإنها تشهد من 30 إلى 40 حالة وفاة يوميًا، فيما كان معدل الوفيات قبل اندلاع الحرب لا يزيد على 5 حالات يوميًا.

كاريكاتـــــير