شبكة نوى، فلسطينيات: تستجمع ليان شتات كلماتها، وتحكي لعين الكاميرا: "بديش أطراف صناعية، بدي تزرعولي إياهم زراعة"! عقل الطفلة الذي تملكه ابنة الـ (12 عامًا) ذهب بها إلى حيث خيال الحكايات. أن تنبتَ لها قدمان بعدما بترهما صاروخ!
تزيد الطفلة التي ترقد في قسم الأطفال بمستشفى ناصر بخانيونس جنوبي قطاع غزة، على سمع أمها التي لم تتمالك دموعها: "مش مبتورات كتير هم، ازرعولي إياهم زراعة بيرجعوا يطلعوا". تحاول أمها طمأنتها بالمسح على رأسها المصابة، وتهمس في أذنها: أنا معك، راح أضل جنبك طول العمر يما"، لتعود فترجوها: أمانة يما ما تخليهم يحطولي أطراف صناعية، بديش أطراف بتنفك، قوليلهم يزرعوها".
ليان الباز، حلمٌ كبيرٌ يمشي على الأرض. طفلةٌ من عالمٍ مختلف كان يحكي عن المستقبل أكثر من ما كان يحكي عن الواقع: "سأصبح ممرضةً كبيرة، وأعالج كل المرضى ببلاش".
كانت أكبر من عمرها في كل شيء، حتى يوم قررت أن تقف إلى جانب أختها إخلاص التي أنجبت خلال الحرب طفلها الأول، لتعتني بها وبمولودها الجديد في منزلها ببلدة القرارة شرقي خان يونس، جنوبي قطاع غزة، حيث باغتها هناك صاروخٌ انتزع تفاصيل الحياة، ومعالم الفرح.
تقول: "نمنا ليلتها، وصحيت لقيت حالي في المستشفى". لا تعرف الفتاة ماذا حدث؟ ولم تنظر إلى وجهها في المرآة بعد لتكتشف كيف حفرته الشظايا! ولم تسمع بعد بشقيقتيها الشهيدتين إخلاص وختام، والحفيدين الصغيرين اللذين سبقاها إلى السماء وأحدهما الرضيع الذي ولد قبل أيام.
تقول أمها لمياء: "جمعنا أشلاءهم في كيس. عرفتُ ابنتي الأولى من قرطها الذي تلبسه في أذنها، والثانية من شكل أصابع قدميها".
تبتعد الأم التي تحاول أن تبدو قويةً بنا عن سمع ابنتها، وتزيد: "لا أعرف كيف يمكن أن تتجاوز ليان هذه المحنة"، ثم تعود لترفع صوتها عمدًا: "بس ليان قوية كتير، ثقتي فيها كبيرة، راح تقدر تتجاوز كل شي، وراح تعمل كل شي نفسها فيه بهالدنيا".
تواري الأم دمعةً قريبة، فتمسحها قبل أن تنهمر: "ما ذنب هذه الطفلة كي تختبر هذا الأسى؟ كيف يمكن أن تتجاوز هذا الرعب أخبروني. ليان تحب الحياة، تحب الجري واللعب والمساعدة في البيت. منذ وُلدت تحوم حولي كنحلة، كيف يمكن أن أتخيلها على كرسيٍ متحرك؟".
تصحو ليان بعد كل مرةٍ يزول فيها تأثير المخدر، فتصرخ، وتؤكد على أمها: "يما زرعوهم؟"، ثم تنادي شقيقاتها كلهن، لتعود إلى نومٍ عميقٍ تأخذها إليه جرعة تخديرٍ جديدة، تحاول أمها حتى يؤتِيَ مفعوله أن تطمئنها أن الجميع بخير، ينتظرونها في الأسفل، ويشتاقون لرؤيتها تضحك، وعليه: "قرَّرت أن تخرج من المستشفى مبتسمة لئلا تُحزن قلب أحدٍ منهم" تعقب الأم باكيةٍ