شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025م11:00 بتوقيت القدس

الحياة في "قبرٍ" فوق الأرض.. منزل "أم كلثوم" مثلًا!

02 اعسطس 2023 - 10:56

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"جحيمٌ فوق الجحيم"، هكذا وصفت المواطنة أم كلثوم أبو حطب، حالها وأسرتها في ظل موجة الحر الشديدة التي تجتاح قطاع غزة.

داخل منزلٍ متهالكٍ مسقوفٍ بالصفيح، وعلى أرضيةٍ رملية، ومن دون أي مقومات تساعد هذه الأسرة البسيطة على مجابهة ظروف الصيف القاسية، تحدثت أم كلثوم (38 عامًا) بكثيرٍ من الأسى عن حياة أسرتها البائسة صيفًا وشتاءً في منزلٍ لم يجد زوجها مكانًا لتشييده فيه سوى أرض عامة صغيرة في منطقة الشرفا في بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع.

تقول لـ "نوى": "المنزل مكون من غرفة واحدة فقط، وسقف من الزينكو (الصفيح)، وبدون بلاط للأرضية، وجدارنه من الحجارة فقط (بدون قصارة ودهان).. باختصار نعيش في قبرٍ فوق الأرض".

هذه الأسرة المكونة من 5 أفراد، هم بالإضافة إلى الوالدين، ثلاثة أطفال بأعمارٍ متفاوتة: شهد (15 عامًا)، وجنى (10 أعوام)، وأحمد (3 أعوام)، تمثّل واقعًا تعيشه آلاف الأسر الفقيرة في قطاع غزة، ويقطنه زهاء 2.3 مليون فلسطيني، نحو 80% منهم يعيشون في منازل متهالكة وبخدماتٍ متردية، ويعتمدون في معيشتهم على مساعداتٍ إغاثية تقدمها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) ومنظمات إنسانية أخرى.

تضيف السيدة بقهر: "في فصلَي الصيف والشتاء حيث الطقس يحتاج إلى منازل آمنة، يتكشف عمق مأساتنا في هذا المنزل، فهو قبر شديد الحرارة في الصيف، شديد البرودة في الشتاء، بمساحته التي لا تتجاوز 140 مترًا مربعًا.

وفي الأيام الحالية من فصل الصيف، التي شهدت ارتفاعًا غير مسبوق في معدلات الحرارة، تلجأ أم كلثوم إلى "خياراتٍ غير كهربائية" مع توقف مروحة الهواء الوحيدة في منزلها عن الدوران؛ للتخفيف عن أبنائها وتبريد أجسادهم، كاستخدام الأواني البلاستيكية، وقطعًا من الكرتون المقوى، وتعبئة المياه في أوانٍ وعبوات يستخدمها أبناؤها لرش أجسادهم طوال ساعات النهار.

وضاعفت أزمة نقص الكهرباء المزمنة في قطاع غزة من حياة البؤس للغالبية التي تقطن في منازل متواضعة ومتلاصقة داخل مخيمات وأحياء القطاع الساحلي الصغير، الذي يواجه منذ مطلع تموز/يوليو أزمة كهربائية حادة ارتفعت معها ساعات قطع الكهرباء يوميًا إلى 12 ساعة، في حين لا تصل الكهرباء إلى المنازل لأكثر من 4 إلى 6 ساعات، وفي ظل انقطاعاتٍ متكررة، حيث تشير تقديرات شركة توزيع الكهرباء إلى أن القطاع بحاجة إلى 500 ميغاوات، في حين أن المتوفر 190 ميغاوات فقط، وهو ما زاد من عمق الأزمة بالتزامن مع الطقس الحار.

ولا تنظر أم كلثوم للكهرباء كمصدرٍ للطاقة وحسب، بل إنها تعدُّها شريان الحياة لمن هم في مثل حالتها، يقطنون في منازل صغيرة لا تتوفر فيها مقومات الحياة الأساسية، واستخدمت مرارًا وصف "قبر"، وكأنها تريد أن تقول إنها وأسرتها "أموات مع وقف التنفيذ".

ولا تتوقف معاناة "أم كلثوم" مع أسرتها عند حد أزمة نقص الكهرباء، فللمعاناة في حياة هذه الأسرة وجوهٌ كثيرة، تزيد: "إن شيك الشؤون (وهي مساعدات إغاثية تقدم للأسر شديدة الفقر في غزة) لا تكفي لمعيشتها، وتلجأ إلى العمل من أجل إعالة أطفالها، في ظل عمل متقطع لزوجها في مجال الخياطة".

وفيما لا يعمل زوج أم كلثوم المنحدر من أسرة لاجئة من بلدة حمامة إبان النكبة في العام 1948م، سوى أيام قليلة ومتقطعة في مجال الخياطة، تضطر هي إلى العمل كمصورة في الأفراح والمناسبات بمقابل مبالغ زهيدة، وتقول: "أضطر إلى الوقوف لنحو 4 ساعات ليلًا في صالات الأفراح والمناسبات؛ لتصويرها فوتو وفيديو مقابل 35 شيكلًا، أعود بعدها إلى المنزل وقد أرهقني التعب حتى أنني أفقد الشعور بقدماي".

وما يثير الحزن في نفس أم كلثوم وقلبها أنها حاصلة على شهادتين في تخصصين مختلفين، فهي تحمل شهادة الدبلوم في التربية من الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، وشهادة البكالوريوس في التربية الرياضية من جامعة الأقصى، من دون أن تجد طريقها لوظيفةٍ تكفل لها راتبًا شهريًا تعتاش منه، ويكفل لأسرتها حياةً كريمة.

وتقول أم كلثوم: "حياتنا كلها معاناة مركبة، وأزمات متلاحقة، وبالإضافة إلى انقطاع الكهرباء، وضيق الرزق، فإن أبنائي الذين يدرسون في مدارس تابعة للحكومة وأونروا يضطرون إلى الذهاب إليها صيفًا وشتاءً سيرًا على الأقدام لنحو نصف ساعة".

هذه الحياة البائسة لم تنل من طموحات أم كلثوم وأحلامها التي تلازمها منذ الطفولة، لكنها أصبحت تقدم عليها في الأولوية الحلم البسيط بمنزل يؤويها وأسرتها، تتوفر به مقومات الحياة الإنسانية، فيما تبقى أحلامها الطفولية بالحصول على شهادةٍ عليا في الإرشاد النفسي مؤجلة إلى حين، وتقول: "رغم القهر الذي أشعر به إلا أنني أختزن بداخلي الكثير من الأمل بتحقيق أحلامي يومًا ما، وانتشال أطفالي وأسرتي من هذا الواقع المرير".

كاريكاتـــــير