شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025م10:59 بتوقيت القدس

بعد 56 عامًا على هدمها وتهويدها..

"تطبيق" يعود بالمُهجّرين لـ"باب المغاربة": "هذا منزلي وهنا لعبنا"

24 يوليو 2023 - 14:40

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تختزن السبعينية عائشة المصلوحي في ذاكرتها تفاصيل دقيقة عن حارتها المقدسية التي ولدت فيها عام 1946م، قبل أن تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلي على هدمها بعد أيامٍ من نكسة حزيران/يونيو عام 1967م.

بيت عائلتها ذات الأصول المغربية كان يقع في "حارة باب المغاربة"، على بُعد أمتارٍ قليلةٍ من المسجد الأقصى، وهو مطوبٌ باسمها منذ الناصر صلاح الدين الأيوبي، الذي وهب هذه الحارة للمغاربة بعد تحرير المدينة المقدسة من الصليبيين، وسميت بهذا الاسم نسبةً لهم.

تقول لـ"نوى": "والدي مغربي، وكان يعمل في الأوقاف الإسلامية، والحارة وقف مغربي من أيام صلاح الدين، والعودة إليها حتمية آجلًا أو عاجلًا".

هدَمت دولة الاحتلال حارة باب المغاربة بالكامل عقب احتلالها القدس عام 1967م، بذريعة توسيع ساحة حائط البراق التي تطلق عليها تزييفًا للتاريخ اسم "حائط المبكى"، وأقامت على أنقاضها حيًا للمستوطنين الغرباء، أطلقت عليه اسم "حارة اليهود".

تعود هذه الحارة إلى الواجهة بعد 56 عامًا على هدمها، ولكن عبر تطبيقٍ جديدٍ ثلاثي الأبعاد، يجسد تفاصيلها بالكامل

وتعود هذه الحارة العريقة إلى الواجهة من جديد بعد 56 عامًا على هدمها، ولكن عبر تطبيقٍ جديدٍ ثلاثي الأبعاد، يجسد تفاصيلها بالكامل. الأمر الذي تقول عائشة إنها لا تحتاج إليه، كون تفاصيل الحياة هناك محفورة بذاكرتها كما النقش، "ولا يمكن للسنين أن تمحوها أو تؤثر فيها"، مستدركةً: "لكن هو مهم للأجيال الشابة، التي يجب أن تكون على علمٍ بما حدث، وتعرف أن لها في أرضها حقًا، وأن الاحتلال هو سبب كل ما تعانيه من ويلات".

عملت السبعينية عائشة، الحاصلة على شهادة في الخدمة الاجتماعية، لنحو 25 عامًا في مؤسسةٍ أجنبية تختص بذوي الإعاقة،  ولها من الأبناء أربعة، ولدان وبنتان، ومن الأحفاد 9، وتقيم حاليًا في منزلٍ يطل على أطراف حارتها المردومة، وعلى المسجد الأقصى، "فحب القدس انتماءٌ فطري بالنسبة لنا، ولهذا لم أستطع الابتعاد".

لسنواتٍ طويلة ظلت عائشة تزرع في أبنائها، ومن ثم أحفادها، هذا العشق للقدس بكل ما فيها، بمقدّساتها وحواريها القديمة وأزقتها وحجارتها، وترسم في ذاكرتهم الشابة معالم الحارة التي ولدت بها، وأصبحت أثرًا من بعد عين، جراء جريمة إبادة إسرائيلية للتاريخ.

"الصهيوينية هزمتنا بالمال والإعلام، ونحن كعرب لا ينقصنا المال، بل ينقصنا الإعلام الذي يواكب المساعي الإسرائيلية لتزييف الواقع والتاريخ".

وعلى الرغم من تقدمها في العمر إلا أن عائشة تواكب التطور في مناحي الحياة كافة، وأبدت فهمًا كبيرًا بقيمة الصحافة في معركة الوعي، وقالت إن "الحركة الصهيوينية هزمتنا بالمال والإعلام، ونحن كعرب ومسلمين لا ينقصنا المال، ولكن ينقصنا الإعلام الجيد الذي يواكب الافتراءات الإسرائيلية والمساعي المستمرة لتزييف الواقع والتاريخ".

وترى أهميةً في توظيف كل وسيلة ممكنة للدفاع عن المدينة المقدسة، وكشف الجرائم المروعة التي ارتكبتها وترتكبها "إسرائيل"، من أجل سلخ هوية المدينة وتهويدها، "وهذا ما يبرر أهمية مخاطبة الأجيال الشابة بالوسائل الحديثة التي تفهمها".

ويسمح التطبيق الجديد المعروف باسم حي المغاربة بالقدس (Jerusalem Maghrebi Quarter) ، المتاح عبر الهواتف النقالة وأجهزة الحواسيب اللوحية، بالتجوال في حارة المغاربة وشوارعها وبين معالمها، حيث يوثق حارة المغاربة في القدس القديمة قبل جريمة احتلالها وهدمها.

ويستعرض التطبيق حارة "باب المغاربة" بشوارعها ومنازلها وأزقتها التي تم توثيقها واستحداثها قبل هدم الحارة، وتسنّى ذلك عبر تقنية الأبعاد الثلاثية، التي تمكن المتصفحين من التجوال في الحارة التي كانت قائمة وملاصقة لساحة البراق قبل نكسة حزيران 1967م.

تعود حضارة وتاريخ الحارة إلى ألف سنة، حيث أقيمت من قبل مجموعاتٍ من الحجيج والمقاتلين الذين قدموا من المغرب العربي وشمالي أفريقيا.

وتعود حضارة حارة المغاربة وتاريخها إلى ألف سنة، حيث أقيمت هذه الحارة العربية من قبل مجموعاتٍ من الحجيج والمقاتلين الذين قدموا من المغرب العربي وشمالي أفريقيا، ممن شاركوا في الفتوحات الإسلامية واستقروا بالقدس.

وكانت عائشة شابة في العشرين من عمرها عندما عمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في 10 و11 يونيو/حزيران 1967م، وبعد 4 أيام على احتلال القدس، إلى هدم الحارة بالكامل، وإخفاء آثارها ومعالمها عن وجه الأرض، وأجبرت سكان الحارة البالغ تعدادهم آنذاك ألف نسمة على مغادرتها قسرًا، ومن ثم قامت بهدم منازلهم وتدميرها، لتوسيع ساحة البراق (حائط المبكى) لليهود، وتوطين المستوطنين.

وفي كتابه حول حارة المغاربة ونشأتها، يكشف الباحث الفرنسي "فنسن لامير" المتخصص في الكشف عن المواد الأرشيفية المتعلقة بحضارة مدينة القدس وتاريخها، كواليس المخطط الإسرائيلي لهدمها، وقد دأب هذا الباحث الذي يترأس منظمة فتح القدس  (open jerusalem)، التي تعمل على الكشف عن المواد الأرشيفية المتعلقة بالقدس، من خلال كتابه: "في ظل حائط المبكى"، على ابتكار وتطوير مشروع التطبيق الهادف إلى استعادة ملامح وأجواء حارة المغاربة قبل هدمها.

ولإنجاز هذا التطبيق، الذي وجد اهتمامًا على نطاقٍ واسعٍ في وسائل الإعلام الإسرائيلية، استعان الباحث الفرنسي بعشرات الصور والمشاهد والخرائط لحارة المغاربة، المحفوظة في الأرشيف العثماني في مدينة اسطنبول التركية، وكذلك في الأرشيف الإسرائيلي ومحفوظات جمعيات ومؤسسات إسلامية ومسيحية بالقدس.

من خلال التطبيق سيكون بإمكان المتصفحين العودة إلى دواليب تاريخ الحارة، والتجوال بها افتراضيًا، والتنقل بين أزقتها قبل هدمها.

ومن خلال هذا التطبيق سيكون بإمكان المتصفحين العودة إلى دواليب تاريخ حارة المغاربة، والتجوال بها افتراضيًا، والتنقل بين أزقتها قبل هدمها.

وعن هذه الحارة المقدسية المهدمة، نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية عن مؤلف الكتاب وصاحب فكرة التطبيق قوله: إن "الحديث يدور عن أشهر المواقع في العالم، حيث لا يعرف الناس ما حل بها، وما كان هناك، يجب كسر جدران الصمت والكتمان التي أحيطت بالمكان".

ويقول الباحث الفرنسي: "كم كنا محظوظين، فالحديث يدور عن أكثر المواقع في العالم الموثق. هناك كثير من الصور، لكن المشكلة التي واجهتنا أن 90% منها التُقطت من الزاوية نفسها. التحدي الأبرز كان في إيجاد صورٍ متنوعة ومتعددة، وثّقت والتقطت من زوايا مختلفة، بغية استحداث واستعادة الحارة قبل هدمها".

وأُنشِئ التطبيق بالتعاون مع الوكالة الإيطالية للأبحاث ثلاثية الأبعاد، ومركز أبحاث العلوم الإنسانية الرقمية في جامعة "مودينا وريجيو إميليا"، ويعود إلى حياة حارة المغاربة في ذروة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حيث كانت تضم قرابة 80 مبنى سكنيًا، ومساجد، ومدارس، وساحات، وشوارع.

وحسب الباحث الفرنسي، فإن لاجئي حارة المغاربة تعرفوا من خلال التطبيق على الأماكن، وأضاف: "لقد عرضتُ الصور على كبار السن وحفزت ذاكرتهم، أحدهم قال: نعم هذا منزلي، وآخر أخبرنا أن هذا هو المكان الذي لعب فيه طفلًا مع أصدقائه.. لقد فعلنا ذلك لاستعادة الذاكرة".

تعقب عائشة: "من المهم وجود مثل هذه التطبيقات؛ لتحفيز ذاكرة ذلك الجيل، وتعريف الأحفاد بما حلَّ بآبائهم وأجدادهم، كي يبقى الحق حيًا في نفوسهم". وصمتت لوهلة قبل أن تكمل: "يجب أن تبقى ذاكرتنا الفردية والجمعية منتعشة ومتقدة، فلا قيمة لنا بلا ذاكرة وطنية".

وفي المستقبل، يخطط الباحثون لإضافة شهادات للاجئي حارة المغاربة إلى التطبيق أيضًا، ومعلومات أثرية عن الحفريات التي أُجريت في ساحة البراق، ومنطقة الحائط الغربي للمسجد الأقصى الملاصق للحارة المهدّمة. هنا تبدي عائشة استعدادها للتعاون مع أي جهة هدفها إحقاق الحق، وإثبات ما حل بالحارة، وكافة أحياء المدينة المقدسة العريقة من جرائم هدم وتهويد.

كاريكاتـــــير