شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024م02:57 بتوقيت القدس

تأجير لليلة واحدة..

غزة.. فستان العروس بقيمة "راتب"!

16 يوليو 2023 - 14:37

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

بخطى ثقيلة تتنقل أم رأفت (56 عامًا) بين محلات بدل الزفاف لاختيار فستانٍ يناسب عروس ابنها، فارتفاع تكلفة استئجاره من أجل ليلةٍ واحدة كاد أن يصيبها بالجنون.

تقول لدى خروجها من أحد المحال لـ"نوى": "الأسعار نار.. ثمن تأجير بدلة الزفاف لليلة واحدة يتراوح بين 1200 و4000 شيقل، هذا جنوني فعلًا".

قاطعتها خطيبة نجلها "فاتن" (22 عامًا) وقالت ممازحةً: "تعيشي وتجيبي لبناتك، أنا مستعدة آخذ أي بدلة تختاريها بدون اعتراض بسبب التكلفة الباهظة".

وأوضحت فاتن أنها لا تهتم كثيرًا بتصميم بدلة الزفاف، ولا تطلب بأن تكون فاخرة وغير مستخدمة من قبل، لأن ذلك يزيد من تكلفتها المالية، مضيفةً: "رغم أنها ليلة العمر، إلا أنني أفضل عدم استئجار بدلة مقطوعة الأوصاف وذات تكلفة عالية، لأنني أعتقد أن ذلك شكل من أشكال التبذير المبالغ فيه".

تستذكر أم رأفت حفل زفافها قبل نحو أربعة عقود، عندما كانت تبلغ من العمر (16 عامًا) وتقول: "الحياة تغيرت، كانت الأعراس في الماضي مختلفة تمامًا، لأن الحياة كانت أسهل وأبسط. كانت العروس تفصل 7 فساتين زفاف خاصة بها بألوان مختلفة، وترتديها جميعًا على التوالي في ليلة العرس، ثم تحتفظ بها طوال حياتها".

وأضافت: "لكن اليوم، لا يوجد قدرة شرائية لاستئجار بدلة زفاف واحدة"، متساءلةً بسخط: "ما الذي جرى في هذه الدنيا؟".

وأحدث ارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، تغييرات عديدة على العادات والتقاليد المرتبطة بحفلات الزفاف الفلسطينية على مر العقود الماضية، إذ اندثرت عادة شراء العروس 7 فساتين زفاف بألوان مختلفة، لتُعتمد عادة استئجار بدلة واحدة فقط، تُعاد لمحل التأجير بعد انتهاء الحفل.

كما ساهمت الأوضاع الاقتصادية المتدنية بتوجه الكثير من العائلات مؤخرًا، لإلغاء مراسم احتفالية عديدة ترتبط بحفلات الزفاف المتعارف عليها في فلسطين؛ لعدم القدرة على تغطيتها ماديًا، مثل دعوة الأقارب والجيران والأصدقاء لتناول طعام الغداء، والاكتفاء بدعوة المقربين جدًا فقط، وإلغاء استئجار الفدعوس والاكتفاء بالأغاني المخزنة على الأقراص الإلكترونية، فيما طفت مؤخرًا ظاهرة توجه العرسان الذكور لاستئجار بدل زفافهم لليلة واحدة أيضًا، بدلًا من شرائها وذلك لأسعارها المرتفعة.

كاد فستان أن يتسبب في فسخ خطوبة مرام وأحمد، عندما أصرت هي على فستان عرسٍ لا يملك هو القدرة على استئجاره.

وكاد فستان العروس أن يتسبب في فسخ خطوبة مرام وأحمد، بسبب رغبة الفتاة في أن تحصل على فستان زفاف يشغل حديث صديقاتها لأيامٍ عديدة، إلا أن خطيبها أحمد لم يكن يملك القدرة الشرائية اللازمة.

قال أحمد الذي يعمل مهندسًا في إحدى الوزارات الحكومية لموقع "نوى": "لقد مرت فترة خطوبتي بصعوبة. كانت خطيبتي تريد إحياء ليلة زفاف لم تحدث من قبل، وكنت أنا مهتم بالخروج من هذه المناسبات والاحتفالات بتكاليف متوازنة ودون أي ديون، فليس من المنطق أن أذهب نحو الاستدانة من الناس لأجل المظاهر".

وأوضح أن بدل الزفاف الخاصة بالعرائس باهظة الثمن، في ظل ظروف حياتية صعبة للغاية، مشيرًا إلى أن تكلفة تأجير أرخص فستان زفاف لليلة واحدة، يكفي لسد جوع عائلة بأكملها في شهر كامل "وهنا تظهر المفارقات التي يجب أن نتوقف عندها".

محمود اليازجي وهو صاحب محلٍ لتأجير فساتين الزفاف شمالي مدينة غزة، يوضح أن ارتفاع تكاليف تأجير فساتين الزفاف يعود إلى ارتفاع تكلفة صناعتها واستيرادها، وقال: "معظم فساتين الزفاف مستوردة من تركيا، فهذا البلد يبدع في تصميم الأزياء التي تتماشى مع أذواق النساء المسلمات".

تكلفة شراء بدلة الزفاف تتراوح بين 1000 و2000 دولار، "وهذا لمتوسطة المشغولية"، في حين يصل سعر  أخرى لأكثر من 3000 .

اليازجي الذي سبق وأن زار تركيا أكثر من مرة لاستيراد بدل الزفاف، أفاد أن تكلفة شراء بدلة الزفاف تتراوح بين 1000 و2000 دولار "وهذا لمتوسطة المشغولية، في حين يصل سعر فساتين زفاف أخرى إلى 3000 دولار وأكثر"، مشيرًا إلى أن الفارق يكمن في القماش المستخدم والزينة التي تجمّل الفساتين المباعة.

ويقول اليازجي إنه شهد شخصياً عشرات الخلافات بين أم العريس وزوجة الابن، أو بين والدة العريس ووادلة العروس، وحتى بين العريس والعروس نفسيهما، حول الفستان، "لاختلاف الذوق، أو الخلاف على السعر"، مشيرًا إلى أنه أحيانًا يقبل العريس بما اختارته العروس، وفي أحيانٍ أخرى يفرض العريس وأهله موقفهم على العروس وأهلها.

وأوضح أن الطقوس القديمة المتعلقة بفساتين الزفاف السبعة لم تعد موجودةً في مجتمعنا الفلسطيني بسبب ارتفاع تكلفة التفصيل، مشيرًا إلى أن الحداثة طغت على مظاهر التراث القديم، وبات التوجه نحو استئجار فستان زفاف واحد، لليلة واحدة فقط.

الخبير في التراث الفلسطيني والتاريخ، ناصر اليافاوي، يقول: "إن قصة تبديل العروس الفلسطينية فستان زفافها 7 مرات خلال حفل الزفاف، تعود إلى تقديس الرقم 7 في تراثنا الفلسطيني أو الإسلامي بشكل عام".

وأضاف اليافاوي لـ"نوى": "من أجل حصول المرأة على البَرَكَة كان يجب عليها أن تمارس الطقوس السبع، بمعنى أنها كانت تغير ثوب زفافها 7 مرات، وتضع يدها في الحنة 7 مرات، وتغتسل 7 مرات، لذلك ارتبط الرقم 7 بالتراث العربي".

وبيّن أن العروس الفلسطينية كانت تلبس الثوب المطرز، فكانت نساء البادية أو القرية يجهزن الثوب المطرز للعروس، وكان هناك ثوبان فقط هو ثوب الزفاف وثوب المعيشة ويتم تطريزهما كل واحد حسب تراث البلدة أو القرية التي يعيش فيها.

وأوضح اليافاوي أن طبيعة أثواب القرى الساحلية مثل المجدل وحمامة تكون خفيفة جدًا من حيث التطريز عليها، وذلك بسبب انشغال المرأة في تلك القرى في أعمال غزل النسيج والفلاحة.

أما في منطقة البادية الفلسطينية فكان الثوب البدوي في بئر السبع أكثر تعقيدًا، بمعنى أنه كان يُنقش بأشكال أكثر تعقيدًا "لأن المرأة البدوية أقل انشغالًا من المرأة التي تعمل مع زوجها في الفلاحة" -بحسب الخبير في التراث الفلسطيني والتاريخ.

وعدَّ أن التخلي عن هذا التراث القديم يرجع إلى التدهور الاقتصادي، "وانتقال التقاليد الغربية إلى المجتمعات العربية، بشكل ألغى معالم التراث الفلسطيني العريق" على حد تعبيره.

صــــــــــورة
كاريكاتـــــير