شبكة نوى، فلسطينيات: نفس الصورة. بنفس التفاصيل، ونفس البشاعة، ولكن في زمانٍ مختلف! نفس الصرخات، والدمعات. الأنفاس المتسارعة هربًا من الموت، وصور النزوح.. ركام البيوت المقصوفة، والشوارع التي تبدو وكأنما أصابها زلزال. نفس المشهد كان على بعد عقدين من الزمان في نفس المخيم.. بطل حكايات الصمود: جنين.
في منزلٍ داخل المخيم، وفي غرفةٍ توسّم فيها أهله "الأمان"، احتُجز ما يزيد على أربعين شخصًا: أطفالٌ ونساءٌ ومرضى، بينما عشرات الجيبات العسكرية تتمركز على الباب! "لا وحشية أكبر من هذه". على الأسطح القريبة يعتلي القناصة الجدران، ويمعنون النظر: إن أي حركة تعني "الموت" لا محالة.
الشوارع مدمرة بالكامل. لا يمكن لسيارةٍ أن تمر، حتى لو لإسعاف مصاب! لا شيء يتحرك في الخارج سوى سلاسل المدرعات، وخطى الجنود، ولا صوت إلا لأجهزة الاتصال تنطق بالعبرية، ولكلاب الاحتلال تنبح بحثًا عن مقاومين. لا ماء، ولا كهرباء.. تقريبًا لا حياة.
ما سبق، كان شهادةً نقلتها الشابة سجى بواقنة، التي ودعت والدها شهيدًا قبل ما يقارب ستة أشهر، في اقتحامٍ سابق لقوات الاحتلال داخل المخيم.
تواجه سجى اليوم مع أسرتها وباقي السكان، عدوانًا شرسًا من قِبَل قوات الاحتلال، التي تستهدف منازل المواطنين المدنيين بقذائفها الصاروخية الجوية والأرضية، وتروي ما حدث: "استيقظنا فجر الأمس، تحديدًا في الساعة الواحدة و13 دقيقة، على صوت قصف استهدف عددًا من المنازل. لم نكن نعرف ما الذي يحدث ولم تكن هناك أي مؤشرات لانفجار الأوضاع في المخيم".
وتزيد: "بعد فترةٍ من الوقت، بدا الأمر أشبه بحربٍ أُعلنت على المخيم، بعد ان استهدفت طائرات الاحتلال عدة منازل، وهو أمر لم نعتد عليه، وفي وقت لاحق استُهدفت العديد من المنازل بما يقارب 30 غارة. كان منزلنا أحدها، فاضطررنا للخروج إلى منزل جيراننا الملاصق".
تضيف: "نحن محتجزين في المنزل منذ فجر أمس وقد دمرت المجنزرات الاحتلالية البنية التحتية بالكامل، فلا ماء ولا كهرباء، وحتى الانترنت لم يعد متوفر، ناهيك الاحتياجات الأخرى التي لا نعرف كيف يمكننا أن نوفرها، ولا نعرف ما هو القادم وما الذي ينتظرنا هنا في حال استمرار العدوان".
وتصف بواقنة حالة الأطفال والنساء بقولها: "حالة من الرعب والخوف سيطرت على الأطفال، في ظل استمرار إطلاق النيران بشكل عشوائي، واستهداف للمنازل الآمنة. قوات الاحتلال تستهدف حتى براميل المياه على أسطح المنازل، ناهيكم عن الغارات المتكررة من حينٍ لآخر".
في منزل بواقنة، حوصر عدد من أفراد الطواقم الصحفية التي كانت تؤدي عملها في تغطية الأحداث، إذ تعرضت لإطلاق النيران المتعمد من قبل قوات الاحتلال، لمنعهم من نقل رسائلهم الإخبارية.
شوارع المخيم لم تعد صالحة للسير فيها، وهو ما يعرقل وصول سيارات الإسعاف، والطواقم الطبية، وهو ما يعني أن الأوضاع الإنسانية تزداد سوءًا داخل المخيم. البيوت بالمعظم طالتها نيران التدمير، وسيطرت آليات الاحتلال على مداخلها ومخارجها، في حين تدوّي أصوات الطائرات في الجو منذرةً بموتٍ جديدٍ قادم. "بينما نحن هنا.. لن نخرج من المخيم، وليس لنا سوى الدعاء" تختم بواقنة.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي، اقتحم قبيل فجر أمس الاثنين، مدينة جنين ومخيمها، شمالي الضفة الغربية، في إطار عمليةٍ عسكريةٍ واسعة، وُصفت بالأكبر منذ الانتفاضة الثانية، رافقها قصفٌ جوي أوقع 10 شهداء حسب ما أعلنت وزارة الصحة حتى موعد نشر هذا التقرير، وأكثر من 100 جريحٍ، بينهم العشرات في حال الخطر.