شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025م11:00 بتوقيت القدس

النسوة يتباهين بـ"النَّقلة" والذهب

الأضحى بجباليا مختلف.. "رُمّانية" وحلوى في المقابر!

29 يونيو 2023 - 10:01
أمنية منصور

جباليا: 

يمر الصباح على بلدة جباليا شمالي قطاع غزة في أول أيام العيد بهيًا. تستيقظ الحاجة أم محمد مسعود على صوت أذان الفجر، فتعصب رأسها بعد أداء الصلاة، وتبدأ بتقطيع رطل من البصل اشترته بالأمس. تهرس حبّات الثوم والفلفل الأخضر الحار، وعين الجرادة، ثم تعصر الرمان الذي جهّزته خصيصًا من الموسم السابق في المجمّدة، ثم تنتظر دخول الرجال (أبناءها) مع لحم الأضحية لتتم طبق العيد المعهود في بلدتها "الرمانية".

في جباليا، عيد اللحم يحب الرمانية، على عكس حاله في مدن القطاع الأخرى، حيث تُعتمد السمّاقية أكلةً في معظم البيوت، كونها تطبخ مع اللحم الوفير ومرقه.

تطبخ الرمانية في مدينة جباليا على اللحم، وبدون عدس وباذنجان مقلي كما يفعل سكان مدن القطاع الأخرى، لتكون للعيد نكهته المختلفة، بفرحة أهلها، وطقوسهم الخاصة.

تقول أم محمد (65 عامًا) لـ"نوى": "الرمانية أساس وجبة الغداء في العيد، وبعضنا استحدث السماقية مثل باقي أهالي القطاع بعد الارتباط بالنسب واختلاط العائلات هنا".

تُخرج الجدة لنحو 20 طفلًا من الخزانة الخشبية العتيقة، تنكة زيت زيتون، رُفعت خصيصًا في موسم الحصاد لرمانية عيد الأضحى، وتبدأ بتفريغها في زجاجات صغيرة لاستخدامها أثناء الطبخ، وتغطية وجهها به بعد أن تبرد للتناول الفوري، ثم تفتح مرطبانات المخلل "المكبوس" التي أعدّتها قبل شهر لأجل هذا الغرض بالتحديد.

تضيف: "قبل أيام طويلة أبدأ بالإعداد لعيد الأضى، مخللات الخيار والزهرة واللفت والزيتون، والفلفل الأحمر، بكميات كبيرة، لأضمن أن كل من زارني اشتهى وأكل فشكر".

في غرفتها، تعلق أم محمد كباقي كبيرات السن في مدينة جباليا وسكانها الأصليين ثوب العيد الأسود الذي طرزته بيديها، "وثوبنا في جباليا معروف ومحدد، أسود اللون، ومطرز باللونين النبيتي والأخضر فقط، ونقلاته مستمدة من الأرض: أزهار وأوراق أشجار وأغصان وعروق".

ولهذه القضية حكاية، تتابع أم محمد ضاحكةً: "كانت السيدة في جباليا تجهز ملبوس العيد قبل فترة طويلة، وبيديها، وتختار النقلة وتطرزها، وتخفيها عن عيون باقي نساء المدينة والجارات خشية أن يأخذنها فيكُن متشابهات" مردفةً بالقول: "ثياب العيد لا تطرز كثياب العمل. هي أبهر وأكثر دقة، وأجمل.

تستمر في الضحك وتعقب بعامية لطيفة: "يا ويلها اللي تلبس مثل الثانية في العيد، ممكن تغيّر ثوبها بواحد قديم، ولا تلبس مثل سلفتها مثلًا".

تُعرف نساء جباليا بحبهن للذهب، والعيد أهله. ترتدي النسوة هناك -وفق أم محمد- بتباهي كل ما يملكنه من ذهب أصفر، "وتمشي الواحدة تشخلل بذهبها على مسمع الجميع. كلما امتلكت ذهبًا أكثر كلما أثبتت العز الذي تعيش به في كنف أهلها أو زوجها" تقول، بل كانت بعض النساء يرتدين أحزمةً من الذهب تلف خصورهن.

توفي زوج "أم محمد" قبل 7 سنوات، ومنذ ذلك الحين تُعد -ككل من فقد قريبًا أو حبيبًا- الحلويات المختلفة لغرض توزيعها في المقبرة أول أيام العيد. عن ذلك تشرح: "من عاداتنا أن نزور قبر الميت عصر اليوم الأول من عيد الأضحى. نجهز الحلويات المختلفة قبل ذلك بأيام، كعك أو معمول، أو حتى الخبز الأصفر المحلى، أو الغريبة لنوزعها على زوار المقبرة من الأطفال والكبار والفقراء على وجه التحديد الذين يأتون لأجل هذا الغرض تحديدًا (..) نتعامل مع الأمر على أنه صدقة عن روح الميت، لعل دعاء الناس يصل إليه في السماء".

تضع الجدة الحلويات في عبوات كبيرة، وتحملها برفقة بناتها وأبنائها الذين يشاركونها الزيارة، وهناك تقرأ الفاتحة على روح زوجها، وتطلب منهم الدعاء له، ليمر بعدها العيد بضحكات الصغار، وفرحتهم بالعيدية البسيطة، والشكر الذي ترسله الأخوات والبنات لآبائهن وإخوتهن مع كل كيس لحمٍ يسند ثلاجة العائلة إلى ما بعد العيد لوقت.

كاريكاتـــــير