شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م09:29 بتوقيت القدس

نحسد الأرامل

زوجات المفقودين.. يأس الانتظار وأمل العودة

24 ابريل 2023 - 09:34

خانيونس:

"منذ اختفت أخبار زوجي قبل تسع سنوات، فقدت الإحساس بالأمن، لا أعرف مصيره، أهو حيّ أم ميت، وما يزيد وضعي سوءًا أنني لا أستطيع الحصول على أي أوراق أتدبر بها شؤوني".

بهذه الكلمات تحدثت المواطنة الفلسطينية أسماء أبو دقة، واصفة حالها بعد أن فقدت زوجها ساري أبو دقة، أثناء محاولته الهجرة من قطاع غزة بحثًا عن حياة أفضل.

في تفاصيل حكاية أسماء، فقد لجأ زوجها للهجرة بشكل غير شرعي من قطاع غزة عام 2014م بسبب ظروف الفقر والحصار، عبر مركب خرج من ميناء الإسكندرية بمصر في سبتمبر من العام ذاته، إلا أن المركب الذي كان يقل أكثر من 400 إنسانًا غالبيتهم من قطاع غزة، اختفت أخباره تمامًا، ومنذ ذلك الحين تعجز أسماء عن الحصول على أي أوراق تستطيع من خلالها تدبير شؤون حياتها، فلا هي مطلقة ولا أرملة، فحالة الزوج ما زالت "غير معروفة".

تقول أسماء (33 عامًا): "لست مطلقة ولا أرملة، حالتي الاجتماعية غير معروفة منذ تسع سنوات، أعيش أوضاعًا صعبة ووضعي المادي سيء لعدم وجود معيل لي، حالتي النفسية تدهورت وأعاني من القلق المستمر".

تتابع أسماء بحرقة وهي تضغط على أسنانها: "فقدان زوجي أفقدني الإحساس بالحياة، في نفس الوقت لا أستطيع إعلان وفاته من الناحية الرسمية، هناك اعتبارات أسرية واجتماعية تحول دون ذلك، وما زال لديّ أمل أن يكون على قيد الحياة طالما لم أشاهد جثته".

تتلقى أسماء راتبًا شهريًا من وزارة التنمية الاجتماعية تحت مسمى "موظف مفقود"، بعد أن تم إيقاف راتب زوجها الذي كان يتلقاه من الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة، بسبب الهجرة "غير الشرعية"، تكمل: "عائلتي هي المسؤولة عن توفير جزء من احتياجاتي اليومية، التي تغطي نفقات أبنائي الثلاثة".

تتابع: "توفي والد زوجي، رغم أن وضعه المادي جيد، لكن لم نستطع الحصول على الميراث بسبب عدم اكتمال الأوراق الرسمية التي تفيد بوفاة زوجي. كل شيء محجوز عليه كذلك لم أحصل على مستحقات زوجي من وظيفته، فهي أيضًا محجوز عليها".

ولا يختلف حال نجلاء (34 عامًا) زوجة سليمان أبو دقة عن حال أسماء، فهي فقدت زوجها في الحادث نفسه، وحين حاولت عائلة نجلاء التوجّه للمحكمة للحصول على أوراق تثبت وفاته، "كانت الإجراءات طويلة جدًا ومرهقة جسديًا ونفسيًا وماديًا، لذلك لم نكمل إجراءات القضية، وأوقفنا المتابعة مع المحامي" تقول.

وتعقب: "لا أجد أي تغيير سيحدث لي عندما أصحب مطلقة أو أرملة، كلاهما سينكره المجتمع، وكلاهما وصمة صعبة عليّ، لذلك فضّلت البقاء على حالي المعلّق"، وتختم حديثها وقد شدّت على يدها: "نحن متزوجات في الهوية فقط، بينما يعاملنا المجتمع على أننا أرامل، وهذا واقع صعب، فنحن لم نحصل حتى على حقوق هذا المسمى".

صابرين المغنّي هي الأخرى فقدت زوجها زياد راضي في حادث آخر، فهو أحد مفقودي مركب الهجرة غير الشرعي في 27 مارس 2019م، الذي اختفت أخبار مركبه منذ ذلك الحين، لكن الشابة ما زالت تؤمن أن زوجها على قيد الحياة، كونها لم تشاهد جثته.

تقول صابرين لـ"نوى": "العادات والتقاليد في مجتمعنا تعدُّ محاولة حصولي على حريتي بالطلاق عبر المحكمة أو التفكير بالزواج من آخر وصمة عار، فالمجتمع الذي تحكمه العادات والتقاليد ينكر هذا الفعل، ولا أفكر في الحصول على أي لقب ولو في الهوية فقط".

حتى فكرة التوجه لمحكمة للحصول على شهادة وفاة ترفضها صابرين، عادةً ذلك أيضًا وصمة عار، حيث سيتحدث المجتمع عنها وعن تخليها عن زوجها، وأضافت: "كلمة أرملة تعني أنني أقريت بوفاة زوجي رغم عدم وجود جثة أو مكان دفن حتى، وبذلك سأفتح المجال للنظر لي من قبل الجميع بنظرات غير جيدة وكذلك لأطفالي".

جلّ ما تتمناه صابرين أن يكون هناك برامج دعم نفسي مخصص لعائلات ضحايا المهاجرين المفقودين، بهدف مساعدتهم على تخطّي الأزمات النفسية التي يعانون منها، وبشكل خاص للزوجات اللواتي لديهن أطفال، فمعاناتهن مضاعفة.

وتختم: "أي مسمى أحصل عليه سيكون صعبًا على أولادي، لذلك أفضّل الاستمرار على وضعي الذي لا أتقبّله لأحافظ على نفسية الأولاد ولو بشكل مؤقت على حساب نفسي، ولأتخلص من وصم المجتمع لي".

السفير الفلسطيني أحمد الديك، المستشار السياسي لوزير الخارجية وشؤون المغتربين، يقول لـ"نوى": "من الصعب إصدار أي شهادة وفاة قبل التأكد من وجود جثة وتعرف أهلها عليها"، وأضاف: "لم يتقدّم أحد بطلب الحصول على شهادة وفاة من قبل أهالي المفقودين لوزارة الخارجية".

وأوضح الديك أن الوزارة لا تصدر شهادات وفاة للمفقودين إلا وفق الشروط السابقة، مستدركًا: "يمكن لذوي الفقيد التوجه للمحكمة لإصدار شهادة وفاة للمفقودين، الذين لم يتم إيحاد جثث لهم بعد تعيين محامٍ خاصٍ لهم".

وعن عدد المفقودين المسجلين قال السفير الديك: "لا يوجد عدد محدد، بل متفاوت حسب ظهور الفقيد أو جثته، ولكن تقريبًا هناك ما يقارب 10 أفراد مسجلين ضمن المفقودين".

ورفض السفير الديك أن يرد على سؤال عن عدم احتساب مفقودي حادثة غرق السفينة المصرية في سبتمبر/ أيلول عام 2014م، والذين يقارب عددهم ٢٥٠ فردًا تقريبًا، حيث تم إصدار شهادات وفاة لنحو 10 منهم من قبل المحاكم في قطاع غزة.

ولا توجد بيانات رسمية حول أعداد المهاجرين من قطاع غزة، إلا أن إحصائيات الهيئة العامة للمعبر توضح أن 74 ألفًا تمكنوا من السفر خارج القطاع عام 2022م، عاد منهم 57 ألفًا، وبقي 17 ألفًا خارجه، قد لا يكونوا مهاجرين.

كاريكاتـــــير