شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م20:09 بتوقيت القدس

قصة سيدة مكافحة..

حفرت "نادية" صخر الحياة فشرِبَت "زمزم" التجربة

26 مارس 2023 - 10:55

رفح:

"حياتي لم تكن يومًا قطعة سكر، إنها مجبولة منذ زمن بمعاناة الزواج والطلاق المبكرين"، بنبرةٍ تقطُرُ أسى، بدأت نادية شقفة (38 عامًا) بسرد قصّتها لـ"نوى".

امرأةٌ عاشت ظروف القهر بمعناها الحرفي، عندما طُلّقت صغيرةً، وحُرمت من طفلها على مرأى المجتمع، لتتزوج بعدها وتنجب ثلاثة أطفال، فتصير معيلتهم الوحيدة بعد وفاة والدهم. "حفرتُ الصخر، وما زلت من أجل المواصلة. تعبتُ ولكنني على يقين بأن فرجًا كبيرًا ينتظرني" تقول.

تسكن السيدة نادية في قرية خربة العدس، شرقي مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، وهي كما الكثيرات في تلك المنطقة، تزوجت بعمر (16 عامًا)، وأنجبت بسبب صغر سنها وزواج الأقارب طفلًا من ذوي الإعاقة، وطُلِّقت لهذا السبب، ثم سرعان ما زُوِّجت ثانيةً بعمر (19 عامًا) لأربعيني، تزوّج قبلها ثلاث مرات.

تخبرنا نادية: "زوجي رحمه الله كان لديه عدة أبناء من زوجةٍ سابقة. أنجبت منه طفلتي الأولى بعد عدة سنوات، وبعد أن كبُرت قليلًا أنجبتُ توأمًا ذكرًا وأثنى وهما اليوم بعمر (12). عانيتُ كثيرًا من الحرمان ولولا أنني ذات جلَد لما بقيتُ بخير حتى هذا اليوم".

كان زوج نادية يعمل مزارعًا ويربى ماشية، وهي كانت تساعده في كل صغيرٍة وكبيرة، وعلى مدار سنوات اكتسبت خبرةً في هذا المجال، وحين تعرّض زوجها عام 2015م لحادث سير، وأصابته الشلل، صار لزامًا عليها أخذ مكانه كمعيلٍ رئيسٍ للأسرة، والبدء من الصفر.

تضيف: "كانت أول مشكلة واجهتني هي عدم قدرتي على التعامل مع الناس كوني لا أخرج من البيت، احتجتُ وأنا في هذه الظرف إلى البحث عن فرصةٍ أعيش من خلالها، وأعيل زوجي وأبنائي الثلاثة".

وبعد عامٍ كاملٍ من المعاناة، سمِعَت نادية أن مركز البرامج النسائية -رفح، يمكنه تمويل مشروعات نسوية للرياديات، فلم تتردد في تقديم فكرتها وهي تربية المواشي، مستفيدة من تجربة سنوات ساعدت خلالها زوجها، وبالفعل تمت الموافقة على المشروع، لكنها تلقّت جواب الموافقة في اليوم الخامس لوفاة زوجها.

تضيف: "أخبرتُهم أنني سأتأخّر للبدء بالمشروع، وبالفعل منحوني شهرًا لأتجاوز حالتي النفسية الصعبة، ثم بدأتُ في تربية المواشي، وبمساعدة أخي اشتريتُ كل شيء، ووفرت الفواتير لجلب المواشي والأعلاف، وكل ما هو مطلوب".

سرعان ما كسرت نادية حاجز الرهبة في التعامل مع الناس، وبدأت تلمس نجاح مشروعها ببيع الأغنام والخراف، لكن عدوانًا إسرائيليًا جديدًا شُن على غزة، ردم أحلامها، ودمّر كل شيء.

تزيد: "كلما شنّ الاحتلال عدوانًا على قطاع غزة نكون نحن أول ضحاياه، هذه المرة القصف دمّر المزرعة وماتت الماشية".

لم يبقَ لدى نادية سوى رأسين من الماشية فقط، وكان عليها تجاوز الأزمة سريعًا من أجل استثمار الرأسين، وصنع مزرعة جديدة. بدأَت من الصفر، لكنها استمرت هذه المرة أيضًا.

تتابع: "لم أتوقف عند هذا الحد، قدمتُ لمشروعٍ زراعي دون أن يكون لديّ أرض، كيف؟"، تجيب نادية بثقة: "وماذا يفعل سطح منزلي الصغير؟".

60 مترًا هي مساحة سطح منزل نادية، الذي قررت استثماره في زراعة مزروعات موسمية صحية وسليمة خالية من المواد التي تسبب الأمراض، فهي تعتمد بالكامل على السماد المصنّع منزليًا، بعد أن حصلت على دورة متخصصة بهذا الشأن.

توضح: "مثلًا قشر البيض والباذنجان والبطاطا وغيره، أضعُهُ وأغلق عليه لمدة، فيتحول إلى سماد طبيعي، كذلك علب السردين التي نتسلمها أصنع منها سمادًا بذات الطريقة، وأسقي منه هذه النباتات، التي أصبحت مهمة لمرضى السرطان وهم من يطلبونها مني عادة، فهي رخيصة بالنسبة لي ولهم، وصديقة للبيئة، وصحية، كونهم يخشون على أنفسهم من المنتجات التي يُستخدم فيها السماد الكيماوي".

وختمت: "منذ عام 2020م، وأنا أمارس هذه الزراعة التي لاقت نجاحًا وما زلت أتحدى الحياة، وأربي أبنائي الثلاثة، وأهتم بصحتهم. أنا لا أريد لهم أن يجربوا ما جربته أنا، أعلمهم الاعتماد على أنفسهم ليكونوا عصاميين فلا تهزمهم الحياة، وأن يخططوا لمستقبلهم بشكل سليم".

تتطوع حاليًا السيدة نادية لدى إحدى الجمعيات، وتمارس نشاطًا نسويًا تتمنى من خلاله النجاح في تحقيق حياة أفضل لكل النساء، وعلى صعيدها الشخصي ما زالت تحلم بذلك اليوم الذي تفسح فيه الحياة مجالًا لها، لترى أبناءها حققوا ما لم تحققه.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير