شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 19 مارس 2024م13:50 بتوقيت القدس

ذكريات وحنين

تفاصيل يوم الأم في الأَسر كما ترويه محرّرات

21 مارس 2023 - 13:42

غزة :

قلادة وخاتم وسوار من الخرز، بعض المواد التي أُعيد تدويرها، شكَّلتها شابات صغيرات، وخبّأنها لأيامٍ في خزانة للأسيرات الفلسطينيات داخل سجون الاحتلال. نيّة المفاجأة واضحة، هي هدايا صنعتها أسيرات شابات لتقديمها للأسيرات الأمهات؛ لتعويضهن الحرمان من الأبناء في يوم الأم الذي يحييه العالم يوم 21 مارس من كل عام.

في يوم الأم، وحين تتجمع الأسيرات وقت الفورة "أي في ساحة السجن"، تتقدم الأسيرات الشابات صوب الأمهات حاملات هذه الهدايا ومعها بعض الحلوى، وبالأحضان والدموع، تعوّض كل منهن حاجتها. الأم تريد شعور الأمومة الذي حرمتها منه قضبان الاحتلال، والشابة تبحث عمن يعوضها ألم فراق الأم.

هكذا تصف الأسيرة المحررة لمى خاطر (47 عامًا) من مدينة رام الله، محاولة الأسيرات إعداد فعاليات يوم الأم وغيرها من الفعاليات رغم الإجراءات العقابية للاحتلال، لإيجاد نوع من المواساة والاحتواء المتبادل بالعطف والاحترام وتخفيف حدّة الافتقاد.

اقرأ/ي أيضًا: أحداث "الدامون".. تفاصيل "القَمعة" كما يرويها مُحرَّرُون

وتشير خاطر إلى أن العلاقة بين الأسيرات الأمهات والأصغر سنًا هي علاقة أمومة، وتعقّب: "كانت لفتة الفتيات سلوانًا لقلوبنا، خاصة أم الشهيد أشرف نعالوة التي وقعت المبادرة بعد فترة وجيزة من تلقيها نبأ استشهاد ابنها وهي وزوجها في الأسر وبيتها مهدد بالهدم، فكانت تضامنًا مع قلبها الجريح".

وأضافت الكاتبة خاطر: "إن شعور الأمومة لا يفارق الأسيرة، بل يهيمن ويشكّل عبئًا نفسيًا عليها". ويأتي يوم الأم محمّلًا بذكريات تفاعل الأبناء وهداياهم وفرحتهم، فيعتصر القلب ألمًا على فراقهم، وهنا يتعمّد الاحتلال اتخاذ إجراءات تعسفية مع هذا اليوم، كإلغاء الزيارات ومنع استخدام الهاتف، والتشويش على الإذاعات؛ لكسر معنويات الأسيرات.

فالأبناء، وسيلة ابتزاز يستخدمها المحقق للضغط على الأسيرات للإدلاء بمعلومات، فالأم قد تضعف أمام بكاء صغارها، كما تروي خاطر التي توضّح :"كان المحقق يحضر صورة طفلي ويشعرني بالذنب أنني أتركه، ويخبرني عن حجم الشوق والفقدان الذي يعيشه صغاري ويعبرون عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، ويهددني بإلحاق الأذى بهم".

اقرأ/ي أيضًا:"لسنا أرقامًا".. وراء كل أسيرة حكاية ألم

وفيما يتعلّق بمرض الفتيات في ظل الحاجة لأمهاتهن، توضح خاطر أن الأسيرة لا تُترك وحدها، بل تتعهدها الأسيرات بالرعاية، ولعلّ هبة القدس شاهدة حين وصلت أسيرات قاصرات جريحات، بعضهن دخلن على مقاعد متحركة، وتعمد الاحتلال إهمالهن، مثل شروق دويات وأمل طقاطقة، وتطوعت الأسيرات برعايتهن، ما وفّر لهن نوعًا من الأمان النفسي.

وتعتقل سلطات الاحتلال الإسرائيلي 29 أسيرة في سجن هشارون، بينهن 15 أسيرة يعانين من مشاكل صحية، بينما تعدّ الأسيرتان شروق دويات وشاتيلا أبو عيادة أعلاهن حكمًا، بواقع 16 عامًا لكل منهن.

"خرجنا من السجن ولم يخرج منا، الأسر أصعب تجربة يعيشها الإنسان. هو مرحلة يعلق فيها المرء بين الحياة والموت في منطقة رمادية خانقة"، هكذا لخّصت الأسيرة المحررة سوزان العويوي (45 عامًا) تجربة الأسر واستدامة آثاره النفسية، رغم عودتها لحضن أبنائها الثلاثة في الخليل.

تتابع: "الأسيرات يعشن ظروفًا استثنائية في يوم الأم، ورغم الروتين اليومي القاتل، لكن تتضاعف مشاعر الأمهات حسرة، ويجرحهن الحنين وألم افتقاد الأبناء"، مضيفة: "إدارة القسم تقمع زنازين الأسيرات بالصراخ عليهن، ونهرهن، وأمرهن بالصمت، كلما أوجدن مجالًا للفرح، أو ارتفع صوتهن بالنشيد".

وترى المحررة دينا أحمد السعيد زوجة شهيد الخليل نشأت الكرمي، أن آثار غياب الأم عن الأبناء طويلة المدى، يصعب علاج التشتت والحيرة بفعله، فالعائلة خارج السجن تظهر الامتنان للأم بهدية، بينما داخل الأسر تحتاج وجودهم علّها تُخمد صوت الفقد، فلا يوجد ما يخفف الألم كحضن الأم، وكلامها، والنظر إلى وجهها، وهنا تستحضر كل أم أسيرة ابنتها في معاملتها مع الفتيات بكامل التعاضد والتكافل.

اقرأ/ي أيضًا:أسيرات فلسطينيات.. ثلاث قصص مفتوحة على الألم!

وعن بشاعة خطوات السجّان التي يقصدها في يوم الأم، تقول: "ما زلت أذكر ابنتي "حور" وهي تستعد لمقابلتي، بعد قطفها وردة برية مزهرة من خارج سور السجن، وفي قلبها فرحة الإهداء المفاجئ، وما أن لبثت تتحضر للقائي، حتى وقف السجّان بوحشيته الضخمة ليعلن إلغاء الزيارة، ويمنعها من تسليم الوردة لي، وأنا لم آمل سوى لمس يدها الصغيرة وتقبيلها، علّها تعالج بتر الروح الذي أصابني بغيابها".

أثر الاعتقال يظهر عميقًا على الأمهات والأطفال كما توضح السعيد، فاعتقالها جاء في مرحلة تحاول تشكيل مفهوم التضحية لدى أبنائها، وخريطة الوطن، وألوان الإرادة الفلسطينية. الاعتقال عصف بكل المفاهيم، وأغرق طفلتها في تشتت نفسي، فعانت من الفقد المركّب، وحاصرتها الحيرة في عمرٍ صغير، بينما استغل المحقق بكاء طفلتها؛ للضغط عليها من أجل انتزاع الاعترافات.

ورغم حالة التنكيد على الأسيرات والتشويش، لكن تحرص الأسيرات على نسج أجواء من البهجة والفرح، باستخدام الإمكانيات البسيطة المتاحة من ورق وخرز، وصنع هدايا بسيطة لها أثر نفسي عظيم، حسب ما تؤكد السعيد.

وترى أن الحرية أعلى قيمة يبحث عنها الإنسان، والسجن قيد يشمل كل تفاصيل الحياة، ويسلب الإنسان عمره وخصوصيته، بدءًا من مراحل الاعتقال الأولى مرورًا بكل مراحل التنكيل، مؤكدة ضرورة استمرار الحديث عن معاناة الأسرى والأسيرات.

وفيما يتعلق بمطالب الأسيرات، فقد أجمعت المحررات على الحرية كأسمى تطلّع للأسرى كافة، وضرورة تحسين تفاصيل الحياة داخل الأقسام على المدى القريب، لا سيما المأكل، ووسائل الاتصال، وساعات الفورة، إضافة إلى ضرورة إدخال الكتب والأشغال اليدوية؛ للتخفيف من وطأة الأسر، ودعت إلى مضاعفة الأنشطة التضامنية الميدانية، مع الحرص على ديمومتها لتعريف الناس بقضايا الأسرى والأسيرات، إلى جانب ضرورة التفقد الدوري لذوي الأسرى لرفع معنوياتهم.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير