شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 19 ابريل 2024م06:22 بتوقيت القدس

صابرين ومحمود.. حين عرف الموت "أهله"

03 مارس 2023 - 19:10

قطاع غزة:

لم تمت في "الحرب"، لكنها ماتت في طريقها للهرب منها! هناك عندما اختارت صابرين السفر إلى عريسها في بلجيكا. لم تجد طريقاً آخر غير قوارب الهجرة، إلى جانب عشرات الحالمين بحياة أفضل. تزينت بقميص أبيض ظناً أنها ستصل عروس، وصلت بالأبيض نعم، لكن بالكفن!

صابرين أبو جزر، شابة فلسطينية في العشرينات من عمرها، سافرت من غزة إلى تركيا وانطلقت مع غيرها من المهاجرين عبر مراكب "الموت" إلى أوروبا وغرقت أمام سواحل اليونان، قبل أن تلتقي زوجها الذي كان ينتظر قدومها.

في الحقيقة، يبدو العالم خارج قطاع غزة غريباً بكل تفاصيله، بدءاً من لحظة الخروج من بوابة معبر رفح البري، فالشوارع رحبة واسعة، وكأنه كوكب آخر لا يعرف معنى للحصار. لا يعرف معنى لكلمة الاحتلال، ولا طائراته ولا ذخائره ولا موته. نحن الصائرون إلى الموت بصدر رحب، تعد نجاتنا صدفة هنا!

تحلم العرائس كصابرين بالثوب الأبيض، بليلة الحناء والعرس أن يمروا دون قصف ودون دم. فقط باللون الأبيض وألون الحياة المبهجة، وأكثر ما يفعلنه مراقبة الأخبار! عيونهم تنظر إلى تفاصيل العرس لكنها حذرة خشية أن يمر خبر عن احتمال تصعيد هنا أو هناك فتتحوّل الأفراح إلى جنازات. 

خطفت صابرين قلبها وهربت إلى خارج البلاد لتعيش بأمان بعيداً عن تفاصيل العيش المرعبة تحت الاحتلال، المهم أنها عروس وستعيش اللحظة! تأملت نقش الحنة الذي رسم على يديها وفكرت كيف سيجاملها عريسها عندما يراه! كيف ستكون لحظة اللقاء، فهي التي ارتدت له الأبيض وتوقعت أن يستقبلها بالورد!

"اللهم اسقنا من حلم الأيام وروداً" كان دعاءها الذي كتبته على صفحتها الشخصية في "فيسبوك"، ترى ماذا فكرت عندما سقاها البحر من ماءه البارد حتى لطم أنفاسها؟ صرخت أمها وسقط أبيها من فرط الحزن حين تلقى صدمة غرقها. 

حلمت برش الورد عليها وهي بثوبها الأبيض، كادت تكون أحلى عروس تمسك بيد عريسها بعد كل هذه المعاناة، لكن الموت يعرف أصحابه حقاً، فنحن أهله، رح نرش جثمانك يمّه – علقت أمها عند انهيارها -.

في أيّ مكان يذهب إليه الفلسطيني تلاحقه لعنة الاحتلال، ممنوع عليه الحلم حتى. في أي قطعة من العالم ينقلب الفرح إلى مأتم. وصابرين ليست وحدها من أعلن وفاتها غرقاً بقوارب الهجرة، بل معها فلسطيني آخر اسمه محمود أبو طير. 

محمود، أحد أبناء غزة أيضاً، سافر قبل عامين عندما انكسرت آماله بالنجاة من الفقر والحصار والبطالة والموت الذي يسير ليقبض أرواح الناجين من العدوان الإسرائيلي في كل آن. 

أعلن خبر موته، وكأنه على علم بالزمان والمكان. فعلاً "نحن أهل الموت ونعرف طريقه جيداً"، وقع هذه المرة في مكان كان مفتوح المساحة للدعاء، ربما كانت دموعه تنير وجهه الشاحب، ربما استسلم لأنه يعرف نهايته وأعلنها مسبقاً قبل سنوات على صفحته الشخصية في "فيسبوك": 

"أخبروا البحر بعد موتي بأنني لم أكن أشعر بالعطش ليرويني بمائه حتى الموت، أنا فقط رجل أهلكه التعب ورسم خرائطه بوجهي على هيئة تجاعيد، عانيت طوال حياتي من الفقر، أعمل طوال اليوم براتب لا يزيد عن ثمن علبة سجائر لأجعل أطفالي يعيشون حياة كريمة أسوة بأطفال العالم، فأردت أن أهاجر كما يهاجر جميع فقراء العالم، توجهت إليك لتخرجني من طريق الظلم والموت إلى طريق العدل والحياة، لكنك أيضاً لم تشعر بمعاناتي! لقد فهمتني بشكل خاطئ، أنا لم أكن أشعر بالعطش.. أنا فقط، كنت جائعاً".

امتلأت فلسطين بالمآسي، فاضت قلوب أبناءها وبناتها بالحزن والآلام، يحملون الموت على أكتافهم ويسيرون فيه وكأنه واجب وطني هم أوفياء له، فهل تدركهم الحياة يوماً؟ يسأل أحدهم. 

كاريكاتـــــير