شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م18:19 بتوقيت القدس

مؤتمر "فلسطينيات" الشبابي الأول

خطاب الكراهية.. منبتُ الأزمة وآليات المواجهة

22 فبراير 2023 - 13:04

غزة:

"قلت للبائع إن هذه الكنزة لا تعجبني، أريد غيرها، أجابني: لم تعجبك وأنتِ عمياء، كيف لو شايفة؟"، كان هذا من أشد المواقف التي روتها الصحافية وردة الشنطي -وهي من ذوات الإعاقة البصرية- صعوبةً، ضمن شهادتها التي قدّمتها في آخر جلسات مؤتمرٍ شبابيٍ عُقد أمس.

المؤتمر الذي نظّمته مؤسسة "فلسطينيات" على مستوى الضفة الغربية وقطاع غزة، حمل عنوان: "الشباب وخطاب الكراهية.. منبتُ الأزمة وآليات المواجهة"، وجاء اختتامًا لمشروع "بيئة حامية من خطاب الكراهية وداعمة لحرية التعبير"، الذي نفذته المؤسسة على مدار ثلاث سنوات، بالشراكة مع المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات، وبتمويلٍ من الاتحاد الأوروبي.

تتابع الشنطي (التي تعمل مذيعة): "تجاوزت نسبة ذوي وذوات الإعاقة 3% في فلسطين، نستطيع فعل الكثير من الأشياء في المجتمع، لكن ما زالت تواجهنا النظرة السلبية، خاصة النساء فهنّ يتعرضن للعنف اللفظي أكثر، وكثيرًا ما يُطلب منهن البقاء في البيت".

وتؤكد الشنطي، التي تستعد حاليًا لمناقشة رسالة الماجستير أن حملات المناصرة وحدها لا تكفي، "فتعديل اتجاهات الجمهور تتطلب الكتابة المستمرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والمزيد من الورش والمؤتمرات والتدريبات الخاصة بالتعامل مع ذوي الإعاقة"، وهو ما اتفق تمامًا مع توصيات المؤتمر التي طالبت بالضغط لتجريم خطاب الكراهية قانونًا، والتوعية والتفريق بينه وبين حرية الرأي والتعبير، وإغراق وسائل التواصل الاجتماعي بالرسائل الإيجابية، ونشر قيم التسامح، ودعم الأفراد والفئات الذين يتعرضون لخطاب الكراهية، وتشجيع صنّاع القرار على اتخاذ إجراءات ضد اللغة والسياسيات التمييزية.

في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أشارت وفاء عبد الرحمن، مديرة "فلسطينيات"، إلى أن خطاب الكراهية، بات منتشرًا على مستوى العالم كله، "لكن هذا لا يعني أنه أصبح، أو سيصبح مقبولًا" تستدرك.

وعن مشروع "بيئة حامية من خطاب الكراهية وداعمة لحرية التعبير"، قالت: "إن بدايته كانت عام 2020م، بالتزامن مع انتشار جائحة كورونا، حيث مورس خطاب الكراهية ضد العديد من الفئات آنذاك، وعلى رأسهم النساء، والعمال في الداخل الفلسطيني المحتل".

ولفتت عبد الرحمن، إلى أن حالة الاستقطاب السياسي، عززت، وما زالت تعزز هذا الخطاب، "رغم الفرق الشاسع بين خطاب الكراهية، وحرية التعبير، والحق في النقد، خاصة للمؤسسات السياسية"، مشيرةً إلى أن مساحة الأفكار من حق الشباب لكن لا بد من وجود حدود عندما يتعدى الفكر على حرية الآخرين أو إنسانيتهم، أو كينوناتهم الفكرية، "ومن هنا أخذت المؤسسة على عاتقها العمل على مناهضة خطاب الكراهية إلى إحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع".

الممثلة عن الاتحاد الأوروبي باسمة العدوي، بدورها، أشادت بنتائج الشراكة في العمل على المشروع، "فموضوع التحريض أخذ مساحة لا بأس بها داخل المجتمع الفلسطيني، وبات يشكل خطرًا، في الوقت الذي بات فيه تأمين حرية التعبير والحماية لحقوق الإنسان، يتطلب التصدي لهذا الخطاب".

وتابعت: "الاتحاد الأوروبي اعترف عام 2015م بأهمية حوكمة الإنترنت، وهو يلتزم من خلال شراكاته مع المجتمع المدني بتعزيز حرية الرأي والتعبير لكافة الأفراد والمؤسسات، وحماية التعددية والمساواة بين الجنسين، وحماية الحق في الحصول على المعلومات".

الجلسة الافتتاحية كذلك، استضافت المدير العام للمركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات، سعيد المقادمة، الذي نبه إلى أن خطاب الكراهية هو جزء من الموروث الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني، "تمامًا مثل باقي دول العالم، لكن الوضع الفلسطيني له خصوصيته المتمثلة بوقوعه تحت الاحتلال، وهذا ما يدعو إلى محاربته بشدة" يقول.

وبالانتقال إلى الجلسة الأولى التي حملت عنوان: "خطاب الكراهية وحرية التعبير"، قدّم الباحثان حكمت المصري ومحمد أبو عاصي من غزة، ورقةً تناولت تعريفات الأمم المتحدة وبعض الدول لخطاب الكراهية، وتحدثت عن تهميش التشريعات الفلسطينية له "بحيث لم تتطرق له بشكل واضح سوى في القانون الأساسي الذي يحظر التمييز بين أفراد المجتمع، ومرسوم رئاسي صدر عام 1998م، الذي يعد التحريض، والتمييز العنصري، وإهانة الأديان، أعمالًا غير مشروعة".

وأشار الباحثان في ملخص حديثيهما إلى أن خطاب الكراهية منتشر في المجتمع الفلسطيني، حيث تعرّض له نحو ثلث المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي، بأشكال مختلفة، مناديين بضرورة رفع الوعي تجاهه بعقد المزيد من الدورات التدريبية، والتثقيف بشأن مخاطر التمييز والتعصب، والإبلاغ عن المنشورات التي تنشر الشائعات والمعلومات الخاطئة، واستضافة ورش عمل بشأن حرية الصحافة المراعية لظروف النزاع؛ لمساعدة الصحافيين على تطوير منظومة أخلاقية، تساعد على تحديد مصادر النزاع، ونقل الأخبار بطريقة عادلة.

الورقة الثانية، التي قدمتها الباحثتان بثينة السفاريني ووعد عصيدة من الضفة الغربية، حملت عنوان: "استهداف الفئات المهمشة في خطاب الكراهية"، تطرقت إلى التأصيل التاريخي والاجتماعي لخطاب الكراهية في المجتمع الفلسطيني، الذي يؤطر صورة المرأة، وينمطّها، ويخصص وظيفتها الحيوية والحياتية بالإنجاب والطبخ والتنظيف، ويميز حتى بين الطويلة والقصيرة، والبيضاء والسمراء، والنحيفة والممتلئة، "والكثير من الأمثال الشعبية تشهد" وفق بثينة.

وساقت لذلك أمثالًا عديدة، على رأسها "إكسر للبنت ضلع بيطلعلها 24، من ماتت وليته من صفاية نيته..الخ"، وعرجت إلى واقع هذا الخطاب ضد المؤسسات النسوية والداعمة لحقوق المرأة، وبعض صاحبات الفكر النسوي، اللاتي تعرضن لهجوم شرس نتيجة مناداتهن بالحقوق العامة، وحقوق المرأة تحديدًا، واتهمن بالعمل لصالح أجندات غربية على خلفية عملهن النسوي.

وأوصت الباحثتان بالعمل على زيادة الوعي المجتمعي بالفرق بين خطاب الكراهية وحرية التعبير، وإعادة صياغة المفهوم المبطن لخطاب الكراهية، وحماية الفئات المهمشة، واتخاذ المقتضى القانوني بحق المخالفين، وإعادة التفكير بالكثير من الموروثات المجتمعية التي تعزز هذا الخطاب، وتهيئة المجتمع لكيفية التعامل مع الفئات الهشة وقت الأزمات، تجنبًا لما حدث إبان جائحة كورونا.

في الجلسة الثانية التي حملت عنوان "الشباب في مواجهة خطاب الكراهية"، توصّل الباحثان "محمد أبو دون وظريفة أبو قورة"، في ورقتهما البحثية الموسومة بـ"الشباب.. صناع خطاب الكراهية أم ضحاياه؟"، إلى أن خطاب الكراهية يتخذ عدة أشكال، أبرزها نشر واختلاق الأكاذيب وبث الشائعات، وتلفيق واختلاق صور ومقاطع فيديو، وتأليفها، ونشرها، بهدف مهاجمة الخصم السياسي، ليتوصل الاثنان إلى أن "الشباب في هذه الحالة، صناع خطاب الكراهية وضحاياه في ذات الوقت".

 وكان تجريم خطاب الكراهية بنص قانوني واضح، التوصية الرئيسة التي توصل إليها الباحثان، "مع أهمية التوعية بخطورة خطاب الكراهية على المجتمع عمومًا، وعلى الشباب بوجه الخصوص، وانعكاساته على النسيج المجتمعي، عبر ورش العمل، والدورات التدريبية المختلفة، وغير ذلك".

وفي ورقة عمل للباحثَين مازن الزرو ومحمد أبو رضوان حول "الفضاء الإلكتروني ودوره في انتشار خطاب الكراهية"، نوقشت العوامل التي تتسبب في انتشار هذا الخطاب، ومن بينها غياب الشفافية والمناخات الديمقراطية وأطر الحوار بين أفراد المجتمع، وانتشار خطاب الكراهية المبني على النوع الاجتماعي، خاصةً ضد النساء اللواتي أصبحن أقل تواجدًا على المنصات الإلكترونية.

وأوصى الباحثان بتعزيز الوعي والحماية الرقمية للمرأة، وتجريم وحظر الكراهية التي تشكل تحريضًا على التمييز العنصري والعداوة والعنف، وأن تعتمد الحكومات استراتيجية شاملة، تشمل تدابير وقائية وعقابية لمكافحة التحريض السياسي والأيديولوجي.

شهادةٌ صحفية أُخرى عُرضت خلال المؤتمر، كان لها صداها. إسراء داوود، وهي صحافية من ذوات الإعاقة البصرية برام الله، تحدثت عن ما تواجهه من تنمر في الشارع، والأماكن العامة، وتقول: "قضايا ذوي الإعاقة، من أهم ما يطرحه برنامجي. في الحقيقة ليس سهلًا أن أتحدث عن نفسي في هذا المضمار، لكن عليَّ أن أتحدّث لعل رسالتي تصل، وأتمكن من تغيير أو تحسين حياة أحدهم".

تشرح: "في طفولتي تعرضت للتنمر في المدرسة، وانصبت في أذني الكثير من التعليقات المؤذية، حيث قلت لعائلتي: لن أكمل التعليم، لكن عائلتي دعمتني، وقررتُ المواصلة".

في الجامعة كذلك، تعرضت إسراء للتنمر، بل إن أحد الأساتذة كان يراها وهي تطبع الكتب الجامعية بخط يدها، فيستهزئ بها، أو يلقي بكلمات محبطة على مسامعها. "لكنني قررت أن لا يوقفني شيء" تستدرك.

وحتى عندما تخرجت، وتقدمت لوظائف الحكومة، وصلتها العديد من الرسائل التي تصفها بـ"غير اللائق"، لكنها تجاوزت كل ذلك بمزيدٍ من التحدي والبحث، فعملت مذيعة، وجعلت من منبرها صوتًا لذوي الإعاقة.

تختم: "إن كنتُ قد تجاوزتُ الأزمة، ومررتُ فوق جثث عبارات الكراهية التي كنتُ أسمعها، فلربما غيري لم يستطع. هناك كثيرين، ليس فقط من ذوي الإعاقة، بل حتى من الأشخاص العاديين ضعيفي الإرادة والقدرة، لم يتمكنوا من إكمال الطريق على وقع كلمة قيلت لتثبيطهم، فماتت طموحاتهم، وتقوقعوا خلف جدران العجز"، مناديةً: "من هنا علينا أن نقف جميعًا بصفٍ واحد، ضد خطاب الكراهية".

صور للمؤتمر من غزة

صور للمؤتمر من رام الله

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير