شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م14:11 بتوقيت القدس

مواطنون يرونها ملاذًا وآخرون: مستحيل

تصاريح عمل للنساء بـ"الداخل".. جدلية "الفكرة" ومساحة التطبيق

24 اعسطس 2022 - 14:25

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

في غرفتها، وتحت سقف "الزينقو" المهترئ، تجلس الثلاثينية رباب يوسف على بطانيةٍ قديمة، تهدهد لابنها بصوتٍ هادئٍ لعله يغفو بعد ساعاتٍ طويلة قضاها باكيًا من الحساسية التي اجتاحت جسده بسبب الحر، في ليلةٍ انقطعت فيها الكهرباء.

تعيشُ رباب (وهي خريجة علوم سياسية) أبنائها الستة في بيتها الصغير القديم، بينما يعيلهم زوجها بعملٍ متقطع بالكاد يحصل منه شهريًا على مبلغ 500 شيقل، "لا تكفي لاحتياجات الأسرة من مأكل ومشرب وعلاج وملبس".

انعدام الفرص، وضيق الحال، جعلا السيدة تفكر مليًا في العمل ولو "داخل الخط الأخضر" (الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م)، بعدما أذيعت أخبار تفيد بمناقشة دولة الاحتلال منح تصاريح عمل للنساء من غزة، "بل لعلها فرصة جيدة لإنقاذ عائلتي من العوز هنا" تقول.

وكان إعلام الاحتلال، تحدّث في الرابع عشر من آب/ أغسطس الحالي، عن دراسة فكرة منح نساء من قطاع غزة، تصاريح عمل داخل الأراضي المحتلة عام 48م، ضمن حصة غزة البالغة حاليًا 14 ألف تصريح، ما أثار جدلًا كبيرًا، بين المواطنين والمواطنات.

وبين متحمسٍ للفكرة ورافضٍ لها، تضيف رباب: "الفرص هنا معدومة، ولا خيار أمام من هي مثلي. لو حدث وأُصدرت التصاريح سيكون الخوف موجودًا لكن لا أحد ينكر أنها فرصة جيدة في ظل الأفق المسدود داخل غزة المحاصرة".

وتعقب: "جدتي كانت تعمل داخل أراضينا المحتلة وربّت أولادها جميعًا دون أن تحتاج أحدًا، وجميعهم متعلمين، من يدري؟ ربما سيعيد الزمن نفسه معي لو حصلت على تصريح للعمل هناك".

على النقيض تمامًا بدت خريجة التربية الرياضية عبير موسى، عندما رفضت قطعًا الفكرة. "هذا تطبيع، وإن كان داخل أراضينا، لكن التعامل سيكون مع محتل، وهذا مرفوض تمامًا" تقول بانفعال.

وتتساءل الشابة: "كيف ستستوعبين أن يكون مديرك إسرائيليًا، و"إسرائيل" هي التي تقتل أطفالنا؟ وهي سبب الأزمات النفسية، والفقر الذي نعيشه في القطاع؟".

تضيف: "في غزة يمكن أن يكون هناك بدائل للعمل. قضينا سنوات طويلة من أعمارنا نعمل حتى وإن كان بشكل منقطع، لكن باب الاحتلال ليس هو الحل"، محذرةً من المخاطر "الأمنية" على حد تعبيرها، التي يمكن أن تحيط بالفتاة في حال حُسم الأمر، ومُنحت التصاريح للنساء من غزة.

على خطٍ موازٍ يقول أبو محمد الذي تحفّظ على اسم عائلته: "لو بدي أموت من الجوع ما ببعت زوجتي تشتغل عند الاحتلال". يصمتُ قليلًا ويكمل: "القصة مبدأ. كيف أعمل عند محتلي في أرضي وأرض جدودي".

يعمل أبو محمد مستخدمًا في إحدى الشركات الخاصة، وبالكاد يحصل على 700 شيقل في الشهر، ويتأخر راتبه أحيانًا لشهرين، لكنه يؤكد: "من سابع المستحيلات أخلي زوجتي تشتغل مع الاحتلال".

فيما وعلى عكسه تمامًا، "وفي ظل الأفق المسدود بغزة" لا يرى مصطفى عبد الله مانعًا من استثمار الفرصة. يقول لـ "نوى": "أختي الأولى على دفعتها منذ سبع سنوات وحتى اليوم لم تجد فرصة عمل، وزوجتي أيضًا خريجة منذ 3 أعوام، وحتى اليوم تترك سيرتها الذاتية أينما أعلنوا عن طلب موظفات -وعالفاضي- الوضع في غزة صعب للغاية، والأفق مظلم".

من منظوره الخاص، يفكر مصطفى بأن شخصية الشابة كفيلة بجعلها قادرة على العمل في أي مكان، ومع أي شخص، مردفًا: "أنا مع، وبشدة. هذه الفرصة ربما ستحقق طموح الكثير من النساء اللواتي أوقفهن الحصار حتى عن الحلم".

وكان إياد نصر مسؤول هيئة الشؤون المدنية في قطاع غزة، أعلن سابقًا أنه بدءًا تاريخ 1/8/2022م، سيتم إصدار تصاريح العمل في غزة تحت مسمى "عامل"، بدلًا من مسمى "احتياجات اقتصادية"، "وهذا سيساعد العمال على الحصول على كافة حقوقهم".

وتعقيبًا على حالة السجال في الشارع الفلسطيني، حول قضية تصاريح النساء، أكد رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين سامي العمصي، خلال ورشة عمل عُقدت مؤخرًا، أن قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لعام 2000م، كفل للمرأة الفلسطينية الحقّ في العمل، سواءً داخل أو خارج الأراضي الفلسطينية، "لكن ضمن شروط وضوابط أبرزها حفظ كرامتها وتوفّر المناخ المناسب".

وأشار خلال حديثه إلى تجارب سابقة لسيدات من قطاع غزة، عملن في الداخل المحتل والضفة الغربية في الثمانينات، ومطلع التسعينات، ملفتًا إلى أن المرأة الفلسطينية لا يمكنها العمل في قطاع الإنشاءات والزراعة الذي يطرحه الاحتلال بنسبة 95% أمام العمال الفلسطينيين.

وعقّب بالقول: "ولهذا إذا لم تتحسن شروط الاحتلال بهذا الخصوص، سيكون الأمر مجرد فقاعة إعلامية يسعى الاحتلال من خلالها إلى تجميل صورته، خاصةً بعد المجازر التي ارتكبها في عدوانه الأخير".

من جانبه أشار المحلل والكاتب الاقتصادي حامد جاد، إلى أنه حتى الآن لم يتم تأكيد الخبر ولا حتى نفيه، قائلًا لـ"نوى": "لو فرضنا أنه تم، فهذا ليس بجديد، وهو أمر معمول به سابقًا من قبل الانتفاضة الأولى، حيث كانت النساء الفلسطينيات يعملن بالداخل، ويعلن أسرهن جنبًا إلى جنب مع أزواجهن".

وأضاف: "هذا الأمر لا يعيب المرأة، ولا يُنقص من قيمتها داخل المجتمع الفلسطيني، بل يعزز مكانتها كمنتجة بشكل أكبر، كونها تتحمل المسؤولية بجانب الرجل لإدارة شؤون أسرتها".

وعن تداعيات القرار من ناحية اقتصادية على القطاع خاصة في ظل ارتفاع نسب البطالة في صفوف النساء الفلسطينيات، أوضح حامد أن تحسنًا طفيفًا قد يطرأ على حالة الأسر الفلسطينية بغزة، "والسبب عدم وجود إحصائية معينة لعدد التصاريح التي سيسمح الاحتلال بإصدارها من القطاع في حال تم ذلك".

كاريكاتـــــير