شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م21:19 بتوقيت القدس

نتيجة سياسة الإهمال الطبي..

آخر الأنفاس في "الدامون".. الأسيرة "سعدية" شهيدة

03 يوليو 2022 - 13:37

رام الله:

حضرَت إلى المحكمة قبل أسبوعين على كرسيٍ متحرك. بدا التعب على وجهها جليًا نتيجة تراجع وضعها الصحي، إلا أن ذلك لم يشفع لامرأةٍ قاربت السبعين كي يُفرَجَ عنها، فاستمر اعتقالها وأُهمِل علاجها حتى لفظت آخر أنفاسها أمس.

أكبر الأسيرات الفلسطينيات، سعدية فرج الله، وهي من بلدة "إذنا" بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، استُشهدت البارحة إثر تدهور وضعها الصحي كنتيجةٍ طبيعية لظروف الاعتقال الصعبة داخل سجن "الدامون"، الذي ترزح فيه تحت نير الاعتقال نحو 32 أسيرة أخرى.

نادي الأسير الذي أعلن استشهاد الأسيرة فرج الله (68 عامًا)، أشار إلى حادثة اعتقالها في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2021م قرب الحرم الإبراهيمي الشريف، حيث تعرضت إلى الضرب والتعذيب على أيدي الجنود هناك، وهو الأمر الذي أكده شقيقها تيسير فرج الله الذي بدا مصدومًا خلال استقباله المعزّين.

يقول الرجل في تصريحاتٍ لتلفزيون فلسطين: "تلقينا خبر وفاتها باتصال من نادي الأسير. كنا متخوّفين من هذه اللحظة، فما دامت أختي في سجون الاحتلال فمن الطبيعي أن تموت". يصمتُ قليلًا قبل أن يتابع بقهر: "كل أسرانا هناك يمكن أن يكونوا شهداءً في أية لحظة. نحن لم نشاهدها منذ اعتقالها، ولم نتحدث إليها، فقط تصلنا أخبارها عبر المحامي".

ويتحدث الرجل بنبرة ألم عن شقيقته التي قضت حياتها معيلة لأبنائها الثمانية، فيقول: "مكافحة تحملت كامل المسؤولية عن أبنائها، عملت بجدٍّ خاصةً ونحن نعيش ظروفًا اقتصاديةً صعبة"، مؤكدًا أن شقيقته كانت ذاهبة لزيارة ابنتيها المتزوجتين عند الحرم الإبراهيمي لحظة اعتقالها.

ويضيف: "جنود الاحتلال عندما اعتقلوها ضربوها وعذبوها، لقد خضعت لتحقيقٍ قاسٍ ونقلت إلى العزل الانفرادي"، مشيرًا إلى أنها لم تكن تعاني أبدًا من أية أمراض سوى من تعبٍ عادي بسبب السن.

ويستدرك: "لكنها في السجن أصيبت بالضغط والسكر، وأهمل الاحتلال علاجها حتى ماتت"، مطالبًا بتشريح الجثمان، والوقوف على سبب وفاتها الذي اتهم الاحتلال مباشرة بالتسبب فيه.

أما الناطق باسم نادي الأسير أمجد النجار فقال: "إن الأسيرة لم تكن تعاني مسبقًا من أي مشاكل صحية، وعانت من هذه الأمراض نتيجة ظروف السجن القاسية، فالدامون لا تتوفر فيه مقومات الحياة الصحية ولا الطبية، ولدى عرضها على المحكمة قبل أسبوعين، دخلت القاعة على كرسي متحرك، وطلب محاميها إجراء فحوصات طبية لها، وطلب عرضها على طبيب مختص".

وأضاف: "الاحتلال لم يكترث بل أعادها الجنود إلى السجن بالبوسطة بكل ظروفها القاسية، ما أدى إلى تفاقم وضعها الصحي. الاحتلال يتعمد قتل الأسرى من خلال عدم تقديم العلاج لهم، كما يحدث الآن مع الأسيرة إسراء الجعابيص التي يحرمها العلاج منذ وقتٍ طويل".

وما زالت نحو 600 حالة مرضية -وفق النجار- في سجون الاحتلال بحاجةٍ إلى رعاية طبية شاملة، من بينهم أسرى مصابون بالسرطان مثل ناصر أبو حميد، ومعتصم رداد، وناهض الأقرع وغيرهم.

ويجزم النجار أن الاحتلال لن يسلم جثمانها، وسيحتجزه مثلما يحتجز جثامين 9 من الأسرى الذين ارتقوا وهم أسرى، وآخرهم الأسير داوود الزبيدي، ذلك لإبقائهم ورقة ضغط على المقاومة الفلسطينية في حال أُجريت أي صفقة تبادل.

وكانت الأسيرة المحررة ربا العاصي تحدثت خلال أمسيةٍ رمضانية مع "فضا" (فلسطينيات ضد العنف) عن معاناة الأسيرات من الإهمال الطبي، فهي أصيبت بفايروس كورونا، ولم تتلق الرعاية الطبية اللازمة، بل لم توفر إدارات السجون احتياجات الوقاية، كما تشتكي الأسيرات دومًا -والقول لربا- من عدم وجود طبيب أمراض نساء، رغم المطالبة المستمرة بذلك، بسبب المشاكل الصحية التي يعانين منها.

وأضافت ربا: "يتحججون بأن لا موازنة لطبيب نساء. أعرف أسيرة عانت سبعة أشهر حتى تمكّنت من رؤية طبيب، وأخرى قاصر اعتُقلت مصابة، وعانت من مشاكل في الهرمونات، وهي أيضًا انتظرت لأشهر".

الأقسى من ذلك -تبعًا لربا- أن الانتقال لعيادة سجن الرملة هي رحلة عذاب مدتها نهار كامل، "بلا رعاية ولا غذاء ولا مرحاض".

ولأن الألم بالألم يُذكر، فالأسير المحرر إياد الجرجاوي "36 عامًا" ابن مدينة خانيونس، أفرج عنه في يوليو 2020 بعد قضائه 9 سنوات داخل سجون الاحتلال، أصيب خلالها بورمٍ في الدماغ بسبب ظروف الاعتقال.

تحدث الجرجاوي الذي ما زال يتلقى العلاج عن الإهمال الطبي بوصفه سياسة إسرائيلية متّبعة بشكل ممنهج ضد الأسرى الفلسطينيين عمومًا، "فالاحتلال كان يماطل في العلاج، وخاصة للأسرى من أصحاب المحكوميات العالية مثل كمال أبو وعر، الذي خضع لعدة جلسات علاج بالكيماوي، وبعد الضجة الإعلامية حول وضعه الصحي ادعى الاحتلال أنه شُفي، وتم السيطرة على السرطان، وهذا لم يكن صحيحًا، وحينها كان الورم قد امتد إلى الرئة" يزيد.

وكذلك يماطل الاحتلال في إجراء الفحوصات الطبية للأسرى، "فمثلًا من يحتاج إلى صورة أشعة عليه الانتظار لفترة طويلة كي يجريها، وحتى العلاج عادةً يتوقف عند المسكنات، وهذا يُفاقم أوضاعهم الصحية، فهم لا يعرفون طبيعة المياه ولا الطعام الذي يتناولونه داخل السجون، ولا تأثير أجهزة التفتيش عليهم" يردف.

ويقول الأسير المحرر إبراهيم البيطار لـ"نوى": "الاحتلال يُمارس الإهمال الطبي بشكل واضح ضد الأسرى، فحين يذهب الأسير إلى عيادة السجن يُهملون تشخيصه رغم أنهم يعرفون على الأغلب مرضه، ويتركونه حتى يستفحل به المرض".

ويزيد: "مثلًا حين يحتاج الأسير لفحص في المعدة، يتاخّر التشخيص حتى يتحول المرض البسيط إلى مزمن، وقد يصل الأمر إلى سنة كاملة يكون المرض خلالها أنهكه"، مشيرًا إلى أن هدف السجان في هذه الحالة فقط "إبقاء الأسير على قيد الحياة، وليس علاجه.. هم لا تهمهم صحته، المهم أن يبقى حيًا ويعاني فقط".

كاريكاتـــــير