شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م03:58 بتوقيت القدس

17% من حالات الزواج لفتيات دون 18 عامًا

ضفيرتان ودُمية.. وطفلةٌ في ثوب عرس

02 ديسمبر 2021 - 14:32

غزة:

تدور دينا (17 عامًا) مثقلةً بتبعات حملها في أرجاء بيت عائلة زوجها الذي تعيش فيه. توزّعُ الفتاة وقتها بين أعمال البيت مع ساعات الصباح الأولى، فتكنُسُ وتطبخُ وتغسل الملابس أيضًا تحت إشراف حماتها (والدة زوجها).

في التفاصيل: تزوّجت دينا (اسم مستعار) وهي طالبة في الصف الثالث الإعدادي، بعد أن تقدم لخطبتها شاب وافق عليه أهلها فورًا –وفق تعبيرها- بسبب ظروف الفقر.

مع ذلك كانت سعيدةً بالخطوبة، تتباهى بدبلتها، وتتبختر فرحًا في حضرة المهنئين، لكن كل ذلك تبدّل "غمًا" بعد الزواج.

"كنتُ صغيرة، ولم أكن أُدرك أن الزواج مسؤولية كبيرة جدًا على فتاة في مثل عمري"، تقول لـ "نوى"، وتكمل سرد حكايتها، إذ بدأت أولى فصول معاناتها بسبب قرب سن زوجها من سنّها، وهذا دفعه إلى محاولة إثبات شخصيته بضربها المستمر.

تضيف: "لم أكن ذلك الوعي الذي أستطيع به وضع حد لتدخلات حماتي في كل صغيرة وكبيرة، ناهيك عن فقداني الاستقلالية نتيجة سكني في بيت العائلة".

مرّت دينا بفتراتٍ عصيبة، فغادرت بيت زوجها إلى بيت أهلها طالبةً الطلاق، "فقد شعرت أن الوضع لن يتغير"، إلا أن تدخّلات عائلية أعادتني إلى بيت زوجي الذي تحسّن نسبيًا، مقارنةً بما كان عليه، "لولا أنني بقيت في بيت العائلة، فزوجي لا يملك مالًا يساعده على تأسيس بيت مستقل لنا وحدنا".

تتابع: "الأصعب أنني حملت سريعًا، وبدأت معاناتي مع آلام الحمل التي لم أتوقعها، شعور دائم بالتعب والغثيان، وإرهاق عند أقلّ مجهود، أشعر أنني أصبحت في الخمسين، لا أدري لماذا تزوجت سريعًا؟".

دينا، واحدة من آلاف الفتيات الفلسطينيات اللواتي التحقن بركب الزواج المبكر. فوفقًا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في آذار/ مارس لعام 2021م، فإن 19.3% من الفتيات تزوجن دون سن 18 عامًا، بواقع 19.9% في قطاع غزة، و19% بالضفة الغربية من إجمالي الفتيات اللواتي تم عقد قرانهن.

ورغم أن هذه النسبة شهدت تراجعًا عن عام 2010 إذ كانت 24%؛ إلا أن التحوّل المجتمعي إزاء هذه الظاهرة  يبدو بطيئًا.

قصة آلاء

"كنت في الثاني الثانوي عندما تقدّم لخطبتي شابٌ مهذّبٌ خلوقٌ فوافق أهلي، يوم رأيته كان وسيمًا فأعجبني، ألقيت بدفاتر المدرسة خلف ظهري وهرولت نحو حلم ارتداء الفستان الأبيض"، تقول آلاء (اسم مستعار) لـ"نوى"، وهي تحاول تهدئة طفلتها الثالثة.

وتضيف الشابة التي بلغت من العمر اليوم (25 عامًا): "بدأتُ أرى الحياة بشكلٍ مختلف بعد هذه التجربة (..) لم يكن الزواج في هذه السن غريبًا بالنسبة لي فقد سبقتني شقيقاتي الثلاث، وفي منطقتنا يغلب على الفتيات الزواج في هذا العمر فوجدت الأمر عاديًا، لم أكن حينها أدرك شيئًا من مسؤوليات الحياة التي حملتها مبكّرًا".

كانت آلاء سعيدة بفستان الزفاف الأبيض وما حمله الضيوف من هدايا، بل وإنها أصبحت تعيش في شقة وحدها، ما منحها شعورًا بالاستقلالية، لكن سرعان ما تبدّلت حياتها عندما بدأت تدرك حجم المسؤوليات التي لا طاقة لها بها.

"الأصعب عندما واجهت مشكلة الحمل في طفلي الأول، كان صعبًا علي تجربة آلام الحمل وما يرافقه من دوار مستمر وغثيان، ناهيكم عن ثقل الجنين" تتابع.

وتستدرك بقولها: "بدأتُ أسأل نفسي: لماذا تسرعت؟ كان أصعب المواقف حين جربت آلام الولادة، وكان عليّ أن أتحمّلها بكل قسوتها، ثم أن أتحمل مسؤولية طفل لا أعرف كيف أتصرف معه (..) كثيرًا ما دخلت في حالة بكاء وانهيار عصبي".

بعد تجربتها تجزم آلاء أنها تسرعت كثيرًا، ولم تكن واعية بما يكفي لكل هذه المسؤوليات، وتؤكد أنها لن تكرر ذات التجربة مع طفلتها، "فأنا نفسي كثيرًا ما أحن للعب الفتيات، ولطالما حزنتُ على نفسي حين كنتُ أعلم أن صديقاتي تخرجن الآن من الجامعات، فبات لكل واحدةٍ منهن حياتها التي تختلف ولا شك عن حياتي".

مركز شؤون المرأة في قطاع غزة تنبه للظاهرة التي نفّذ في مواجهتها مشروعًا للحد من تزويج الصغيرات، تخلله خلال الفترة الماضية العديد من ورشات التوعية في المدارس، ومع أولياء الأمور، بالإضافة إلى حملة إلكترونية.

منسقة المشروع اعتماد وشح، قالت لـ"نوى": "إن ظاهرة التزويج المبكّر للفتيات، ما زالت تنتشر بشكل مقلق، إذ رصد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني هذا العام 17% من حالات الزواج لفتيات دون 18 عامًا، ورغم انخفاض النسبة عن عام 2010م إذ كانت 24% من إجمالي الزيجات، إلا أنها تبقى ظاهرة مقلقة والتحسن بخصوصها غير مُرضٍ".

أخطر ما في موضوع التزويج المبكر هو الطلاق المبكر لنسبة ليست قليلة من هؤلاء الصغيرات، إضافة إلى الانعكاسات الصحية والاجتماعية السلبية على الفتيات كما تشير وشح. فرغم أن 95% من النساء يرفضن الظاهرة، إلا أن ثمة عوامل تدفع نحو الاستمرار فيها، أبرزها –والحديث لوشح- هي أن القانون ما زال يسمح بذلك.

وحتى في الضفة الغربية التي تم فيها رفع سن الزواج إلى 18 عامًا، ظلّ هناك استثناءات تُمنح للقاضي، فتعطيه هامشًا كبيرًا لتزويج الصغيرات، إضافةً إلى الانقسام السياسي، وانعكاسه على عدم توحيد القوانين، ناهيك عن الحاجة إلى تطوير القوانين الموجودة.

وبخصوص المشروع الذي ينفذه المركز، فهو سيعمل قريبًا –حسب وشح- على توزيع "بروشورات" للتوعية من خطورة هذه الظاهرة على الفتيات وضرورة مواجهتها، بالإضافة إلى استضافة قضاة شرعيين ودعوتهم إلى الحدّ من هذه الظاهرة، ومواصلة حملات التوعية والحملات الإلكترونية، والمطالبة بضرورة توحيد جهود المؤسسات لمواجهة الظاهرة، ورفع الوعي بخطورتها.

كاريكاتـــــير