شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م04:01 بتوقيت القدس

لمياء وأطفالها الثلاثة استشهدوا وظلّ محمد وحيدًا تحت الركام

07 يونيو 2021 - 13:41

شبكة نوى، فلسطينيات: بيت لاهيا:

الثانية عشر بعد منتصف ليل 16 مايو، أول أيام عيد الفطر المبارك، في بلدة العطاطرة غرب منطقة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، يقع منزل محمد العطار الذي يتشاركه مع عدد من إخوته المقيمين في الطوابق العليا، ليكون نصيبه الطابق الأرضي من البناية.

تحتضن لمياء العطار "26 عامًا" طفلها زين الذي لم يكمل عامه الأول، يلتصق بجانبي جسدها طفليها إسلاك "9 سنوات" وأميرة "6 سنوات"، تتحسس قلب طفلتها أميرة، الذي تزداد ضرباته مع كل انفجار في محيط ليلة أُطلق عليها لاحقًا "الحزام الناري".

اهتز البيت بعنف مع قوة صاروخ دمّر مدخل البناية معطّلًا الخروج منها، فاختبأ الجميع في غرفة ظنوا أنها الأكثر أمنًا.

أوقات عصيبة، عاشها محمد العطّار وزوجته وأطفاله، وشقيقتهم التي لجأت إليهم هربًا من منزلها ظنًا أن منزل ذويها أكثر أمنًا.

يستعيد محمد؛ الذي فقد زوجته لمياء وأطفاله في تلك الليلة، تفاصيل ما جرى: "مع سقوط الصاروخ الأول سادت حالة من الخوف وبدأت ترتفع أصوات الأطفال، لم نعرف كيف نتصرف، ليس بوسعنا الخروج من المنزل".

كانت لمياء تزداد تشبّثًا بأطفالها محاوِلة تهدئتهم دون جدوى، أقل من دقيقتين وكان صاروخ آخر يضرب المنزل ويسقطه فوق رؤوس الجميع - يقول محمد- حلّ السكون وكأن البيت فقد الحياة بالكامل.

يتابع محمد: "تحسست جسدي وأنا تحت الركام، فعرفت أنني ما زلت حيًا، حاولت الخروج برفع الركام الذي كان يغطي جسدي، خرجت مستعيناً بإضاءة الهاتف النقال، ثم ساعدت شقيقتي وأبنائها على الخروج وكانوا كلهم مصابين، ناديت على زوجتي وأطفالي، حاولت البحث عنهم تحت الركام، لكن دون جدوى".

اتصلت بوالد زوجتي الذي يعمل في الدفاع المدني مستغيثًا به، لكن نظراً لكثرة القصف الذي تعرضت له البلدة وعدم توفر سوى سيارة واحدة للدفاع المدني، لم تصل الطواقم إلا بعد ساعة.

ساعة أخرى استغرقتها عملية البحث تم خلالها العثور على زوجته وأطفاله شهداء، كانت لمياء تحتضنهم وكأنها تحميهم حتى لحظة الموت.

بحزن يتابع محمد البحث بين ركام منزله الذي كانت تملؤه الحياة حتى رحل من كانوا يسكنوه، يُخرِج قطعة من ملابس ابنه إسلام، وبعضًا من دفاتره الممزقة، وقميصًا، وكفّة يد صوفية كانت تحميه من البرد، هذا هو سريرهم الذي شهِد ارتقاؤهم، وهنا كانت آخر لحظات حياتهم، وآخر مرة تراهم عيناه فيها.

يتابع مجاهدًا دموعه:" قصفوا المنزل بدون أي تحذير كما يدعي الاحتلال الذي خطف أرواح زوجتي وأطفالي، كل ما أملك في هذه الحياة".

"استيقظت في اليوم التالي بلا زوجة أو أبناء أو حتى عائلة، لم أكن أتمنى من الحياة سوى أن أرى أبنائي سعداء، آمنين، لكن الاحتلال يسرق حياتنا وأحلامنا وأطفالنا ويتركنا أحياء لا أي روح"، يقول أبو إسلام.

اعتاد أبو إسلام مرافقة طفله إسلام يومياً إلى المدرسة التي كان يعمل بها ويدرس بها طفله، حتى أنه تعمّد تسجيل أميرة في مدرسة البنات المجاورة، ليصبح طفليه برفقته ذهابًا وإيابًا، لكن الغصة بافتقادهم ستصاحبه كلما سار في الشارع وحيدًا، كلما دخل الفصل، ورأى مقعد طفله فارغًا.

يطيل النظر بشهادة طفله التي استلمها للتو من المدرسة:" من سيكون رفيقي بعد اليوم وأنا الذي فقدت كل شيء، غصة بالقلب لن تفارقني، وأنا الذي دفنت أطفالي بملابس العيد التي لم يفرحوا بها بعد، لم يحققوا أي من أحلامهم البسيطة، لم يمهلهم الاحتلال لتحقيقها وهو الذي حرمهم من أهم هذه الحقوق بعد أن سلب حياتهم، لتُدفن معهم أمنياتهم".

يتابع: "يبدو أن الله استجاب دعاء لمياء التي كانت تخشى أن يستشهد أحدنا ويشرب الآخر حسرته، فشرِبت أنا حسرتها وحسرة أطفالي معاً".

في المنزل المجاور الذي لا يبعد بضعة أمتار، تجلس والدة لمياء ووالدها الذي لم يتوقف عن العمل لحظة حتى بعد استشهاد ابنته وأحفاده، فالجلوس بالمنزل في هذه الأوضاع لا يجوز كما يردد أبو علي العطار الذي فُجع بابنته التي طالما تمناها أن تكون أكبر أبنائه

تتساءل والدتها:" شو ذنبها هي وأطفالها يقصفوا بيتهم حتى بدون أي تحذير، شو الخطر اللي هددت فيه إسرائيل، شو ذنب الطفل اللي ما أكمل 8 شهور من عمره يُقتل بكل هذه البشاعة تحت الركام"، تطيل الجدّة النظر في صورة صغيرة وحيدة تجمع ابنتها وأحفادها:" لو أعطوني كل الدنيا ما تعوضني بنتي وأحفادي، شو فايدة الحياة بدونهم".

والدها رجل الدفاع المدني الذي فُجع بابنته وأحفاده وبقي ما يزيد عن ساعة يبحث عنهم تحت الركام يراوده الأمل بأنهم على قيد الحياة، يقول:" ناديت عليها كثيراً، صرخت باسمها وأسماء أطفالها، وكنت انتظر إشارة واحدة بأنهم أحياء، لكنني فجعت بأنهم جميعاً شهداء".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير