شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م16:51 بتوقيت القدس

"طلبة الأغوار" والطريق إلى المدرسة.. مستوطنون وألغام!

24 يونيو 2020 - 15:02

الأغوار الشمالية/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تمام السادسة صباحًا، يترك مصعب بني عودة وشقيقته رحمة، خيمة عائلتهما في "خربة الدير" بالأغوار الشمالية، استعداد لرحلة كفاح يخوضانها يوميًا من أجل إتمام تعليمهما، رغم المعاناة والمشقة التي يتكبدانها للوصول إلى مدرستهما.

مصعب ورحمة، اثنان من أصل (168) طفلًا يعيشون في المضارب البدوية بالأغوار، يتلقون تعليمهم في مدارس تابعة لمحافظة "طوباس"، تبعد عن أماكن سكناهم بضعة كيلومترات، ما يضطرهم إلى مواجهة حر الصيف، وبرودة الشتاء، ووعورة الطريق، وخطورتها بسبب الألغام التي تملأ الحقول في المناطق المحيطة بهم.

يسكن مصعب مع عائلته في خربة الدير منذ سبعة أعوام، ويتلقى تعليمه في الصف السابع بمدرسة "عين البيضا" التي تبعد عن مكان سكنه ما يقارب ثلاثة كيلومترات، يقول لـ "نوى": "منذ أن كنت في الصف الأول، أذهب إلى المدرسة وأعود مع والدي بالسيارة، لكن في بعض الأحيان نضطر للوصول إليها أو العودة مشيًا على الأقدام، وتستغرق منا الطريق أكثر من نصف ساعة"، يصمت قليلًا ويتابع بعد تنهيدة: "نصل متعبين مرهقين، وفي الشتاء تكون معاناتنا مضاعفة نتيجة البرد ووعورة الطريق".

أما رحمة، فلا يقوى جسدها على المشي لمسافات طويلة، فتعتمد على السيارة، إضافة إلى ذلك فهي تخشى من المشي بسبب ما تسمعه من أحداث عن تعرض أطفال للدهس على الشارع الرئيسي، أو من انفجار ألغام.

أما رحمة ابنة الثمانية سنوات، فلا يقوى جسدها على تلك المعاناة والمشي لمسافات طويلة، فتعتمد على السيارة، إضافة إلى ذلك فهي تخشى من المشي بسبب ما تسمعه من أحداث عن تعرض أطفال للدهس على الشارع الرئيسي، أو من انفجار ألغام، واستشهاد أطفال بسبب مخلفات جيش الاحتلال.

بعد أن يعود الطفلان من المدرسة إلى خيمتهما، يصارعان الوقت قبل غروب الشمس وانقطاع الكهرباء التي تعتمد على الخلايا الشمسية، ويبدآن بعد تناول الغداء بالدراسة وإنهاء واجباتهما، فإذا داهمهما الوقت وانشغلا بأمورٍ أخرى -خصوصًا مصعب- اضطرا إلى إكمال دراستهما على ضوء القنديل.

يقول والدهما: "إن البنى التحتية في المضارب البدوية معدومة، سلمتنا المحافظة خلايا شمسية، لكنها تعمل حتى الساعة السابعة مساءً فقط، وإذا لم يُنهِ مصعب ورحمة دراستهما، لا يستطيعان أن يكملا دراستهما بالشكل المطلوب على ضوء القنديل الخافت".

يبين عبد ربه لـ"نوى" أن عدم الاستقرار يؤثر على طلبة المدراس، فهو نفسه اضطر خلال حياته للتنقل عشرات المرات بسبب ملاحقتهم وطردهم من قبل جيش الاحتلال، "هذا غير هدم الخيام بحجة عدم الترخيص"، يعقب: "خلال عمليات الهدم، كانت كراسات أبنائي الدراسية تُمزّقُ وتُتلف".

"بعد كل عملية هدم، كانت رحلة والد الطفلين تستغرق أكثر من أربعة أيام، ما بين الوصول إلى مكانٍ آمن، ثم إعادة بناء الخيمة، ثم إنشاء بركسات للأغنام "التي تأخذ غالبًا من الوقت 60 يومًا".

بعد كل عملية هدم، كانت رحلة والد الطفلين تستغرق أكثر من أربعة أيام، ما بين الوصول إلى مكانٍ آمن، ثم إعادة بناء الخيمة، ثم إنشاء بركسات للأغنام "التي تأخذ غالبًا من الوقت 60 يومًا"، مشيرًا إلى أن هذه الحالة الصعبة تسبب إرهاقًا نفسيًا وجسديًا لأبنائه الذين يتلقون تعليمهم في المدارس "ففي الشتاء مثلًا، يصلون الخيمة بعد مغيب الشمس" يزيد.

لعبد ربه عشرة أبناء، منهم مَن اضطر لوقف دراسته بسبب الترحال المستمر، وتوجه إلى مساعدة أبيه في رعي الأغنام "رغم عدم موافقته على ذلك"، قائلًا: "اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال ما زالت مستمرة، ففي المناطق المجاورة مثل عين الساكوت تتكرر التدريبات العسكرية، ويتعمد جيش الاحتلال إلقاء مخلفاته في الحقول، هذا إضافة إلى حقل زراعي يسيطر عليه مستوطن قريب منا"، مردفًا: "في الليل يتعمد الحارس الإسرائيلي تشغيل مكبرات الصوت، ومداهمة خيامنا برفقة جيش الاحتلال في وقت متأخر".

من أبرز المشاكل التي يواجهها سكان المضارب البدوية بشكل عام، هو عدم توفر المواصلات لنقل الطلبة إلى المدارس، "إذ وفرت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية حافلات لنقل الطلبة، لكن الحافلة التي كانت تصل خربة الدير لم تعد تصلهم رغم المناشدات العديدة" يكمل.

ووفقًا لعبد ربه، فإن "الأطفال في المضارب البدوية لا يتلقون تعليمهم في رياض الأطفال، وهذه مشكلة، تُفاقم مشاكل الطلبة لدى التحاقهم بالمدارس، حتى أن المعلمين يتعاملون معهم كما يتعلمون مع بقية الطلبة، رغم مطالبة أهاليهم بإعادة تأسيسهم"، "لكن لا حياة لمن تنادي" يتمتم بأسف.

معاناة وإرادة

تضم منطقة الأغوار الشمالية خمس مدارس مواقعها: كردلة، وبردلة، وعين البيضا، ويدرسُ فيها ما يقارب 750 طالبًا وطالبة من نفس تلك القرى، و168 طالبًا وطالبة من 23 تجمعًا بدويًا، وهؤلاء يتم نقلهم في حافلات تخصصها وزارة التربية والتعليم لهم.

يقول سائد قبها مدير التربية والتعليم في "طوباس" المشرفة على الأغوار لـ"نوى": "من التحديات التي تواجه طلبة الأغوار، قرب المناطق التي يسكنونها من التدريبات العسكرية، إذ يتم ترحيلهم لأيام، ما يحرمهم من الوصول إلى مدارسهم، إضافة إلى أن جيش الاحتلال يغلق حاجز "تياسير" شرق المحافظة، ما يؤدي إلى عرقلة وصول ما يقارب 130 موظفًا من الوصول لأماكن عملهم في المدارس".

ومن المخاطر التي يواجهها سكان المضارب البدوية، كما يوضح قبها، "ما يتركه جيش الاحتلال من ألغام وأجسام مشبوهة، وهناك حالات عدة لأطفال استشهدوا بسبب انفجارات الألغام، ناهيكم عن خطورة قطع الشارع الرئيسي "المسمى بخط 90"، إذ كانت هناك العديد من الحوادث المرورية التي أودت بحياة أطفالنا".

"تم توفير أربعة باصات لنقل الطلبة من المضارب البدوية، تنطلق الساعة الخامسة صباحًا، لتستطيع الوصول في موعد بدء اليوم الدراسي، ما يضطر الطلبة للاستيقاظ مبكرًا وانتظار الباص.

وأضاف: "تم توفير أربعة باصات لنقل الطلبة من المضارب البدوية، تنطلق الساعة الخامسة صباحًا، لتستطيع الوصول في موعد بدء اليوم الدراسي، ما يضطر الطلبة للاستيقاظ مبكرًا وانتظار الباص، وهذا يعرضهم لخطر الاعتداءات المختلفة، بالإضافة إلى ظروف الطقس لا سيما في فصل الشتاء البارد".

ولا تستطيع هذه الحافلات دخول المناطق الوعرة، بل تصل فقط إلى أقرب منطقة من تلك التجمعات. ففي منطقة الحديدية على سبيل المثال، التي تبعد عن الشارع كيلو مترين، يضطر الطلبة إلى المشي تلك المسافة حتى يصلوا إلى وسيلة نقلهم للمدرسة.

ظروف رياض الأطفال "الصعبة"

وفي المضارب البدوية -حسب قبها- عدد كبير من الأطفال ما دون سن التعليم، محرومون من الالتحاق برياض الأطفال، إذ أنهم ووفق القانون الإسرائيلي يُمنع نقلهم مع طلبة المدارس، "بل بوسائل نقل خاصة بهم، وهذا ما لا يمكن أن يوفره أهاليهم نظرًا للضائقة المالية والظروف الاقتصادية الصعبة".

يتابع: "في عين البيضا هناك صفا تمهيدي اثنان، يستوعبان 70 طفلًا، وكذلك الأمر في بردلة، حيث يدرس ما يقارب 10 أطفال في رياض الأطفال في كردلة"، ملفتًا إلى سعي مديرية التعليم إلى إقامة رياض أطفال بين الخيام، في المضارب البدوية، لكن الاحتلال في كل مرة كان يهدمها، فينسف الجهود كلها مرةً واحدة".

كاريكاتـــــير