شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م10:07 بتوقيت القدس

محاضر إتلافٍ وضبط..

"المعقمات المغشوشة".. حربٌ "رقابية" بغزة

24 ابريل 2020 - 23:52

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

لم يأتِ قرار الاقتصار على استخدام الماء والصابون في عملية التعقيم الشخصي، منذ بدء أزمة كورونا (كوفيد- 19) مطلع العام الحالي، جزافًا، بالنسبة للسيدة "ردينة".

تلك الثلاثينية، وأسوةً بمعظم المواطنين الذين انكبّوا على شراء المعقمات الطبية، طلبت من زوجها مع بداية الأزمة، شراء معقم ٍ للأيدي، وبالفعل عكفت على استخدامه استجابة لإجراءات السلامة، إلا أنها سرعان ما قررت التوقف عن ذلك بعد أن سمعت بوجود دفعةٍ من المعقمات المغشوشة والضارة، تُباع في قطاع غزة.

ولّد هذا الخبر لدى "ردنية" (الأم لخمسة أطفال)، حالةً من عدم الثقة بمنتجات المطهرات، والمعقمات، وأدوات التنظيف المتوفرة داخل القطاع، "سيما وأن العبوات التي تم ضبطها، تستخدم نفس العبوات الأصلية شكلًا، وملصقاتها أيضًا" تقول.

"غيظٌ شديدٌ اعتراني عندما تأكدت أن هذه المعقمات لم يكن لها أي جدوى في حمايتنا من الفايروس، طوال ذلك الوقت".

وتضيف لـ "نوى": "من باب التعقيم، وحرصًا على صحة أطفالي، اشترى زوجي نوعين من المعقمات، وحين بدأنا باستخدامهما وبعد مراتٍ قليلة شعرنا بأيادينا تتقشف، وأضحى ملمسها جافًا، وتغير لونها نحو الاسمرار، لقد أيقنت ساعتها أن المعقم مغشوش"، مردفةً بِغُل: "جن جنوني حين أصبحت يدا ابنتي (8 سنوات) على هذه الهيئة، ناهيك عن الغيظ الذي شعرت به، حين تأكدت أن هذه المعقمات لم يكن لها أي جدوى في حمايتنا من الفايروس، طوال ذلك الوقت".

يحب أطفال تلك السيدة استخدام المعقمات، تقليدًا لما يرونه ويسمعونه في وسائل الإعلام المختلفة، لكن تجربتها السابقة معها، جعلتها خائفةً جدًا، ورافضةً للفكرة برمتها، مكتفيةً بالصابون والماء والكلور في عمليات التنظيف والتعقيم.

الحال ذاته يعيشه الشاب أحمد نباهين الذي يعاني من حساسية في يديه، والذي أعطاه صديقه معقمًا ليأخذ احتياطاته في مواجهة فايروس كورونا، فاستخدمه، وكله ثقة بأن نوعه جيد ومهم في هذه المرحلة، لكنه ومنذ الاستخدام الأول، تقشفت يداه وتضررت، يقول: "شعرت بصدمة كبيرة، أخذ الاحتياطات كان يشعرني بالأمان إلى حدٍ ما، لكن مع الخوف من أن تكون هذه المنتجات بلا فائدة، بل ربما مضرة بات يحبطني كثيرًا".

الصحة بغزة أحالت في منتصف آذار/ مارس الماضي، أحد مصنعي المواد المطهرة إلى النيابة العامة، بعد بيعه معقمات مخالفة للمواصفات الطبية.

وكانت وزارة الصحة في قطاع غزة، أحالت في منتصف آذار/ مارس الماضي، أحد مصنعي المواد المطهرة إلى النيابة العامة، بعد توزيعه عبوات "قال إنها تستخدم لأغراض التعقيم على التجار"، تبين بعد فحصها في مختبر الصحة العامة التابع للوزارة، أنها مخالفة للمواصفات الطبية،  ولا توجد بها نسبة كحول،

استخدام مواد سامة

مدير مختبر تحليل الأغذية ومراقبة الجودة في جامعة الأزهر د.حسن طموس، يواصل استقبال عينات المطهرات والمعقمات، من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، والشركات المختلفة، ووزارة الاقتصاد  الوطني، وحتى بشكلٍ فردي من أشخاصٍ يودون فحص سلامة عبواتهم وجودتها.

يبيّن لـ "نوى"، أنه مع بدء أزمة كورونا (كوفيد- 19)، وزيادة الإقبال على شراء المعقمات، والمطهرات، ومواد التنظيف، حاول بعض تجار ومصنِّعي تلك المواد، استغلال الفرصة، وتوزيع مواد غير مطابقة لمواصفات السلامة والجودة، موضحًا أنهم (بعض التجار) عكفوا على استخدام مادة الميثانول (نوع من الكحول) القريبة من المادة المطهرة (الإيثانول) المستخدمة في المعقمات، والمنتهية في قطاع غزة، مضيفًا: "الميثانول قريب من الإيثانول من ناحية الرائحة والاشتعال، وهو ما يجعل المواطن غير قادر على التمييز بين المطهرات المغشوشة والأصلية البتة".

وعن ضرر (الميثانول) فـبمجرد أن يمتصه الجلد ويصل إلى الكبد، يتحول إلى مادة سامة جدًا، يمكن أن تؤدي إلى الموت.

وعن ضرر (الميثانول) على المستخدمين، يشير طموس إلى أنها "وبمجرد استخدامها يمتصها الجسم عن طريق الجلد أو الفم أو الرائحة، فإذا ما وصلت إلى الكبد، تحولت إلى مادة سامة جدًا، يمكن أن تؤدي إلى الموت أو فقدان البصر في كثيرٍ من الأحيان"، ملفتًا إلى أن الغش قد يحدث أيضًا في نسبة الكحول التي يجب أن تتوافر في المادة المعقمة بنسبة 70%.

يعقب: "بعض العينات وجدنا الكحول فيها بنسبة أقل من 60%، وهي بذلك لا جدوى منها في قتل البكتيريا والفيروسات".

غير مطابقة للمواصفات

مختبر الصحة العامة الحاصل على شهادة "الآيزو" كواحد من أفضل المختبرات في قطاع غزة،  تم تزويده مؤخرًا بجهازٍ جديد لفحص نسبة الكحول، وذلك بسبب الضغط الكبير في عدد عينات المعقمات والمطهرات، الخاضعة للفحص.

تحدثت "نوى" إلى مدير الرقابة الدوائية في دائرة الصيدلة، التابعة لوزارة الصحة بغزة، أيمن كردية، الذي أكد أن الرقابة تفعل ما في وسعها من أجل  منع وصول منتجات من المعقمات والمطهرات غير المطابقة لمواصفات الجودة إلى الأسواق ومن ثم إلى أيدي المواطنين، موضحًا أن ذلك يتم عبر الرقابة المكثفة على مراكز البيع، والصيدليات، والأسواق، وضبط المنتجات غير المطابقة، وإيقافها ومنع بيعها.

غش المعقمات: إما أن تكون فيها نسبة الكحول أقل، أو لا يكون فيها من الأصل مادة فعالة، أو أن يتم إضافة مادة أخرى غير الإيثانول، وهذه أخطرها.

ويضيف: "عند الحديث عن المعقمات  المغشوشة، نتكلم في ثلاث سياقات، إما أن تكون فيها نسبة الكحول أقل من النسبة المعتمدة، أو لا يكون فيها من الأصل مادة فعالة، أو أن يتم إضافة مادة أخرى غير الإيثانول (الكحول)، وهذه أخطر ما يتعلق بالغش، كما حدث في إضافة الميثانول  في بعض المنتجات".

ويزيد: "وجدنا عبوات جل للشعر، تباع على أنها معقم، أي بدون أي فعالية، وذلك بسب عدم وضع الكحول فيها، وهناك من استخدم الميثانول بسبب شح  الايثانول، لكن كل هذا تم ضبطه وسحب كل ما تم إنتاجه منه".

ويوضح كردية، أنه سرعان ما تم الاشتراط على كل العاملين في مجال صناعة المعقمات، عدم توزيع المنتجات في الأسواق قبل فحصها لتأكيد جودتها، والحصول على التصريح المطلوب لتداولها في الأسواق.

ويكمل: "كذلك هناك رقابة على المعقمات المستوردة من مصر أو الضفة الغربية، من قبل الرقابة الدوائية،  إذ لا تعطى إذنًا بالدخول إلى أسواق القطاع، إلا بعد فحصها، بالتزامن مع الرقابة على ما يتم تصنيعه محليًا"، مبينًا أن "الرقابة الدوائية" بدائرة الصيدلة، تمارس دورها بالتوعية المكثفة، فيما يتعلق باستخدام المطهرات، والتأكد من جودتها.

يعقّب كردية: "ندعو المواطنين لشراء تلك المنتجات من المصادر الموثوقة كالصيدليات، حتى لا يتعرضوا للغش، وهناك قائمة منشورة لدي وزارة الصحة بالمعقمات الصالحة للاستخدام، والمطابقة للمواصفات".

ملفات في النيابة العامة

في الأسبوع الماضي، لم يُفاجأ مفتشو وزارة الاقتصاد الوطني بغزة من وجود علب الجل المعقم في أحد الأسواق، "غير المطابقة لمعايير الجودة، والخالية تمامًا من مادة الكحول"، فعجلوا إلى مصادرتها وإتلاف نحو ألف عبوة بعد إخضاعها للفحوصات المطلوبة.

يخبر مدير عام الإعلام بوزارة الاقتصاد الوطني بغزة، أيمن أبو ليلة "نوى"، أن الحدث السابق ذكره، يأتي ضمن الصراع المتواصل ما بين التجار والوزارة، "إذ يحاول العديد منهم استغلال الأزمات والطوارئ، لتمرير وترويج البضائع الفاسدة، وغير المطابقة لمواصفات الجودة والسلامة.

من تثبت عليه محاولات غش وتلاعب في الجودة أو السعر، يتم تحرير محاضر ضبط له، ثم تحويله إلى النيابة العامة، من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه.

ويضيف: "مع بداية تداعيات أزمة كورونا انتشرت، بعض النوعيات من المعقمات غير المطابقة للمواصفات في الأسواق، فتابعنا التجاوزات بشكل حازم، واستطعنا بالتعاون مع وزارة الصحة ومباحث التموين، الحد من هذه المواد المغشوشة"، ملفتًا إلى أن الوزارة، ومن خلال طواقم حماية المستهلك، وطواقم المراقبة والتفتيش المنتشرة في قطاع غزة على مدار الساعة، تحرص على التأكد من سلامة المطهرات المُباعة،  "ومن تثبت عليه محاولات غش وتلاعب في الجودة أو السعر، يتم تحرير محاضر ضبط له، ثم تحويله –إذا تمادى- إلى النيابة العامة، من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه".

ويقر أبو ليلة أنه تم تحرير الكثير من محاضر الضبط والإتلاف بحق المخالفين، وتحويل بعضها للنيابة العامة، متابعًا: "مع انتشار فرق الوزارة، الأمور تراجعت بشكل كبير، لكن برغم جهودنا فلن يكون هناك سيطرة كاملة بنسبة 100%، لذا ندعو المواطنين إلى أن ينتبهوا إلى المنتجات التي يشترونها ويتثبتوا منها قدر المستطاع حرصًا على سلامتهم".

كاريكاتـــــير