غزة:
"نادر صدقة، هو حالة استثنائية بين الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فهو يهودي سامري من مدينة نابلس، وهذا جعل إدارة سجون الاحتلال تتعامل معه بعدائية أكثر من باقي الأسرى الفلسطينيين".
هكذا بدأ الأسير الفلسطيني المحرر عصمت منصور حديثه عن صديقه الأسير الفلسطيني نادر صدقة، الذي تعرّف عليه في سجن نفحة الصحراوي، حيث يعتقل الاحتلال آلاف الفلسطينيين، ينتمي منصور للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وينتمي صدقة للجبهة الشعبية لتحرير، وكلاهما تنظيمان يساريان، وهذا ما جعل العلاقة بين الرفيقين تتوطد، علاوة على كونهما تشاركا لسنوات ذات الغرفة في المعتقل.
يقول منصور :"نادر هو المعتقل السامري الوحيد، ومشهور في السجن باسم نادر السامري، والطائفة اليهودية السامرية هم قلّة في فلسطين، هو متّهم بالعمل مع الجبهة الشعبية، وحكمت عليه محكمة الاحتلال بالسجن 6 مؤبدات، تم اعتقال أحد أقاربه لفترة ليست طويلة، ومن ثم أفرج عنه وبقي هو الوحيد".
ولد نادر صدقة عام 1977 بمدينة نابلس، وعاش على قمة جبل جرزيم كباقي أفراد الطائفة السامرية الفلسطينية الذين لا يتجاوز عددهم الألف نسمة، انضم منذ نعومة أظافره لمقاومة الاحتلال في الانتفاضة الأولى عام 1987، درس التاريخ والآثار في جامعة النجاح ونشط في الإطار الطلابي للجبهة الشعبية، ولما اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000 التحق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كمقاومٍ ضد الاحتلال الإسرائيلي.
تمت مطاردة نادر ومجموعة من رفاقه لعامين، استشهد خلالهما من استشهد، وعاش معاناة البعد عن العائلة، حتى اعتقله الاحتلال خلال عملية عسكرية في مخيم العين بمدينة نابلس، بتاريخ 17/8/2004، واجه التحقيق القاسي في مركز تحقيق "بيتاح تكفا"، وليحكم لاحقًا بالسجن 6 مؤبدات.
ويتحدث منصور عن صديقه صدقة :" درس التاريخ والآثار، يقرأ في مجاله بنهم وعمق ويفكر كمؤرّخ، هو فنان يحب الرسم ويمارسه، يقرأ بنهم، فهو مثقف جدًا، ولديه ثقافة واسعة جدًا خاصة بالتاريخ، لا يترك مجالًا في السجن إلا ويعطي فيه دروس ومحاضرات وخاصة للأسرى الجدد، يتحدث عن تاريخ فلسطين ومركزية القضية الفلسطينية".
ويروي منصور كما غيره من الأسرى الذي تعاملوا مع صدقة سلوكه الطيب ونفسيته المرحة، فهو شديد المزاح رغم أنه من أصحاب الأحكام العالية، لكن يؤمن بحق شعبنا الفلسطيني في النضال وفي الحرية والانعتاق من الاحتلال، له موقف مميز ومتقدّم من موضوع التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي فهو يرفضه بالمطلق.
يحظى نادر بعلاقة طيبة مع الأسرى الفلسطينيين من مختلف الفصائل الفلسطينية، حتى مع من يختلفون معه فكريًا، فهو كما يصفه منصور "منفتح جدًا فكريًا ويتقبل الاختلاف بروح طيبة"، كما أنه شارك مع الأسرى في كل الإضرابات التي خاضوها في مواجهة السجّان، ومكّنه إتقانه للغة العبرية من تمثيل الأسرى أمام السجانين، من أجل الحصول على حقوقهم المطلبية المشروعة داخل السجون.
أما نشاطه الثقافي فكان حاضرًا على الدوام، فإن سعة ثقافته، وعمق أفكاره جعلت منه محاضرًا ويدير العديد من الحلقات الفكرية والجلسات الثقافية، خاصة كونه قارئ في كل المجالات، ولا تمنعه الأيدلوجيا من القراءة في اتجاهات مغايرة.
ويؤكد صديقه منصور إن نادر على الرغم من محكوميته العالية فإنه يتطلّع إلى اليوم الذي يكسر فيه قضبان السجن ويغادره برفقة باقي الأسرى والأسيرات، وهو يثق بأن الحرية آتية لا محالة، كان يحدوه الأمل أن يتم الإفراج عنه في صفقة وفاء الأحرار عام 2011 كونه من أصحاب المحكوميات العالية، ولكن لم يتم ذلك، وهو ما زال يأمل بأن تشمله صفقات التبادل ذات يوم.
يشار إلى أن عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي نحو 5700 أسير وأسيرة، بينهم 250 طفلة وطفل، إضافة إلى 36 طفلًا مقدسيًا رهن الحبس المنزلي و 5 أطفال قاصرين في مراكز إيواء، كما بلغ عدد الأسيرات 47 أسيرة، و 500 معتقل/ة إداري/ة ، بينما هناك 700 من الأسرى المرضى بينهم 30 مصاب بالسرطان، وقد شهد العام الجاري 2019 استشهاد الأسيرين بسام السايح وفارس بارود.
نادر (يمين الصورة) مع زميليه في السجن
نادر مع زملائه من أصحاب الأحكام العالية