تسعة رجال وإمرأة يركعون في مقطع فيديو بثته وسائل الإعلام لبحارة أمريكيين على متن زورقين ضلا طريقهما لمسافة كيلو مترين في المياه الإقليمية الإيرانية، وقام باحتجازهم الحرس الثوري الإيراني لانتهاكهم مياه بلادهم، مشهد لم يعتاده “العرب” كثيراً في قواميسهم إلا من رحم ربي، وربما قاعدة “الذل والهوان” العربي تقول أن تسعة رجال والمرأة هؤلاء يجب أن يكونوا “عرباً” حتى يكتمل المشهد، هنا الصورة كانت مختلفة تماماً، هنا بحارة أمريكا يعانون الإذلال ولو في قالب إعلامي تعمدت إيران عرضه، هنا أمريكا العظمى تعتذر للجمهورية الإسلامية عن هذا الانتهاك على لسان أحد بحارتها الذي أكد أنهم لم يتعمدوا دخول المياه الإيرانية، بل إن الأعطال الملاحية من دفعتهم لذلك الأمر، هنا أمريكا باختصار “ركعت” لإيران.
وحتى لا يقول البعض أننا بالغنا في التعبير عن إعجابنا بالركوع الأمريكي، وزير دفاع أمريكا أشتون كارتر ذاته عبر عن سعادة بلاده بإفراج إيران عن البحارة، وعودتهم سالمين، لكنه مستاء، وشدد على أنه لا يفضل رؤية مواطني بلاده، وهم محتجزون على يد جيش أجنبي، الرجل مستاء إذاً، ولنا الحق كل الحق في التعبير عن حماستنا لهذا المشهد، فهو لا يتكرر في العادة بالدول العربية التي “تفتح” أراضيها وكل ما تملك إرضاء للعظيم الأمريكي، الذي لم تتوان إيران الإسلامية في إذلاله أمام العالم أجمع.
أمام هذه السطوة والحنكة والشجاعة الإيرانية، يفتقر العالم العربي إلى مشروع يوحده، وبوصلة تجمعه، نحن بحاجة إلى التعقل، وإعادة حساب مجريات الأمور، علينا أن نبحث فينا عمن يقودنا إلى بر الأمان، ذاك الذي يقدم المصلحة العربية والإسلامية على مصالحه، إيران ترفع العقوبات بإرادتها الصلبة، وكفاءة مفاوضيها، ونفسهم الطويل على مر السنين، إيران اليوم نووية، قوة اقتصادية، وغداً دولنا النفطية فقيرة كفانا مكابرة، كفانا عناداً، نحن اليوم في ذيل الأمم، إن كنا نشعر بالامتعاض والخوف من المشروع الإيراني “الصفوي” كما يقال في المنطقة، فلنعمل سوياً على مشروع عربي، يكون له ذات الحضور، يساند في التصدي “للعدو” الإسرائيلي، ويقف في المرصاد لأطماع “الشيطان الإيراني” في حال تعديه على سيادتنا ومقدراتنا، للمرة الألف نحن لا ندافع عن إيران بقدر ما نشعر بالغيرة منها، ومن تقدمها على كافة الأصعدة جراء تخلفنا، وحزمنا وعصفنا، سيأتي يوم صدقوني، ونحزم أمتعتنا، وكما يقال في لهجتنا الفلسطينية “هات قطبها” أي اوجد لها حلاً حينها؟!
منافع “أفخاذ النساء”.. فأي مدافع؟!
نسيت الفنانة اللبنانية مايا دياب فيما يبدو ارتداء البنطال على القطعة العلوية التي ارتدتها خلال إطلالتها الغنائية في برنامج “ديو المشاهير”، والذي يعرض على شاشتي “إم بي سي” السعودية، و “إم تي في” اللبنانية، وفي المقابل تناست بعض الأقلام العربية انتقاد الشاشة التي استضافتها، بل إن البعض اعتبر فستان دياب تألقاً نحو العالمية، حيث بدت وكأنها نجمة استعراضية، وفي حالتها يحق لها ما لا يحق لغيرها، وفي النهاية صفق الجمهور، يعني تحقيق النظرية المعتادة “الجمهور عايز كده”!
مستغرب ذاك الذي يصيبه كل أنواع الامتعاض والغضب الذي عرفته البشرية حينما يتابع شاشتي قناة المقاومة البرتقالية “الميادين”، والصفراء “المنار”، ويصرخ متألماً من شدة ألم الفتنة التي تروجان لها، والحقائق المشوهة التي تبثانها، بينما ينام مطمئن البال، مرتاح الضمير، ولا يحرك قلمه ساكناً حينما يرى أفخاذ مايا “البرتقالية” أيضاً لكن على شاشة العرب “كل العرب”؛ قناة “إم بي سي”، وهي تلك التي كانت وما زالت تؤكد مراراً وتكراراً أنها قناة العائلة التي تدخل كل البيوت دون استئذان.
لست من دعاة الإفراط في الانفتاح أو الانغلاق، لكن كشاب لم أتزوج بعد، أستطيع بكل ثقة أن أشعر بالاطمئنان على أبنائي في المستقبل حينما أتركهم مثلاً يتابعون مسلسلاً على شاشة “المنار” الذي طالب “أحدهم” بحجب بثها من الوجود، دون الحاجة إلى وجودي، وإن كانت القناة عموماً ليست ترفيهية، والفتنة “الصفوية” التي يقال أن “الميادين” تروج لها قد تكون موجودة في شكل أو بآخر، لكن هنالك “ديناصورات” إعلامية تأكل الأخضر واليابس في غابة الإعلام، تستطيع أولاً محاربة ما تشاء من صفوية وغيرها، وتدحض مزاعمها، لكنها ثانياً تشغل عقول الشباب بفتنة أشد إيلاماً، وفتكاً بما تبقى من أفكار جيل الأمة الصاعد، ولنا في التاريخ العبر، فحينما سقطت العاصمة الفرنسية باريس العام 1940 على أيدي القوات النازية، ذهب أدولف هتلر إلى مرقد نابليون بونابرت وقال أعتذر لأنني هزمت بلادك، لكن بينما كان شعبك منشغلاً بقياس أفخاذ النساء، كان شعبي منشغلاً بقياس فوهات البنادق والمدافع!
“كفاية دلع″!
تداول الشعب السعودي الشقيق، ومن خلفهم مقدمو البرامج المحلية الكوميدية الساخرة على موقع “اليوتيوب”، والتي تحظى بمتابعة الملايين، مقطع فيديو قصير ظهر فيه رجل الأعمال السعودي صبحي بترجي، والذي قال فيه “بندلع لنا 50 سنة، يكفي الحكومة بتدلعنا 40 أو 50 سنة، يكفي دلع يا جماعة الخير، إرحمونا”.
حديث بترجي جاء في سياق مطالبته سكان المملكة بالتقشف مع صدور الميزانية الجديدة للحكومة، والتي جاءت مع ارتفاع أسعار البنزين والكهرباء، مما دفع بالكثير، وعلى رأسهم برامج “يوتيوبية” أشهرها برنامح “لا يكثر”، و “نص الجبهة” للسخرية منه، وتوجيه اللوم والانتقاد له، والقول بأنه يطالب الشعب بالتقشف، وهو يجلس على كنبة ثمينة، وفي قصره الباذخ معززاً مكرماً مرفهاً، وذلك من خلال مشاهد كوميدية أعادت تمثيل مقطعه بطريقة تهكمية، وتغريدات “تويترية” غاضبة، أظهرت مدى السخط الشعبي على فيديو رجل الأعمال المذكور!
تساءلنا في مقال سابق عن قدرة تحمل السعودي الشقيق لتبعات اقتصاص صور الرفاهية، ونزع “دسم” الدلع صاحب السنوات “الخمسين” الذي تحدث عنه بترجي من جيوبهم، وقيل في حينها رداً على مقالنا “الحاقد” كم وصفه بعض قراء “مملكة التمور” الأعزاء، أنهم سيحتملون في سبيل بلادهم، حتى لو وصل الأمر بهم للعودة إلى تناول الخبز الحاف، خدمة لقادة السعودية، وعواصفهم، وحزمهم، لكن يبدو أن الأشقاء استقبلوا الدعوة إلى التقشف بالامتعاض في أول تجربة عملية، بغض النظر عن رفاهية الداعي لها، فهو أي بترجي يتشابه إلى حد كبير مع رفاهية حكومتهم العتيدة التي رفعت الأسعار، ودعتهم إلى الصبر، والتعاون معها، للخروج من هذه الأيام التقشفية الصعبة، والتي ستطول وتزداد قساوتها في قادم الأيام على ما يبدو، برأيي “كفاية دلع″ قالتها الحكومة السعودية على طريقتها لشعبها، وبترجي كان اختبارا لحقيقة مشاعر الشعب، وكبش فداء فاضحا لتفريغ امتعاضه، وبما أنكم في الحلقة الأخيرة من مسلسل “الدلع″، كفاكم الله دبلجة مسلسل “الوجع″!
كاتب وصحافي فلسطيني
























