شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 17 سبتمبر 2025م13:34 بتوقيت القدس

بين مكب نفايات وحاوية.. كرامة عائلةٍ أهدَرَتها "خيمة"!

26 اعسطس 2025 - 15:19

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

قرب جدار حاوية نفايات ضخمة وسور من الزينكو الصدئ، تفترش عائلة يوسف وسوسن حمودة التراب بعدما أجبرهم الاحتلال الإسرائيلي على النزوح من بيتهم في جباليا شمالي قطاع غزة إلى حي الشيخ رضوان غرب المدينة.

الحكاية بدأت منذ الأيام الأولى للحرب في أكتوبر 2023م، حين حمل الزوجان طفلتهما المصابة بالشلل الدماغي، وانتقلا إلى خيمة في مستشفى شهداء الأقصى، وسط القطاع، بعد أن فقد يوسف عمله لدى أحد موزعي الغاز، وصارا يعيشان على المعونات والتكيات.

تقول سوسن (23 عامًا) وهي تشير إلى طفلتها الأولى: "لا علاج ولا غذاء، كانت تتناول دواء (كيبرا) لكن منذ شهور انقطع، فأصبحت تعاني من الصرع بشكل متكرر، تصرخ فجأة ثم تصمت وحدها، هي لا تتكلم حتى الآن وحالتها تدهورت جدًا".

بين يديها طفلتها الثانية البالغة ستة شهور، نائمة على سرير أطفال قديم وقد امتلأ وجهها بالبقع، تضيف بصوت مثقل: "رضيعتي أيضًا لا أستطيع إطعامها".

رحلة النزوح الطويلة لم تمنح سوسن استقرارًا، بل زادت آلامها. أثناء الحرب حملت بطفلتها الثانية وعانت من سوء التغذية حتى وصل دمها إلى (8)، تقول: "كنت أشعر بالدوار طوال الوقت وأعجز عن الوقوف، لم أجد دواء ولا متابعة".

ومع دخول هدنة يناير 2025، عادت إلى ركام بيتها ونصبت بعض الشوادر، وهناك وضعت طفلتها الثانية بعملية قيصرية في 17 فبراير 2025م. بعد الولادة بثلاث ساعات فقط غادرت المستشفى لعدم توفر الإمكانات والضغط الكبير، لجأت إلى بيت أمها ثلاثة أسابيع، ثم عادت إلى الركام أسبوعًا واحدًا قبل أن تستأنف "إسرائيل" حربها في مارس.

"وجدنا المكان مكتظًا بالنازحين، ولم يكن أمامنا سوى أن نتخذ من الحاوية جدارًا، ومن الزينكو جدارًا آخر، وفرشنا الأرض بين النفايات وبقايا مياه الصرف الصحي".

مع استئناف القصف، أجبرت العائلة على النزوح مجددًا نحو الشيخ رضوان، وهو الأقرب لبيتها المدمر. يقول يوسف: "ليس لدينا أي مال لنقل أغراضنا، حملنا فرشة وبطانية وبعض الأشياء ومشينا، وجدنا المكان مكتظًا بالنازحين، ولم يكن أمامنا سوى أن نتخذ من الحاوية جدارًا، ومن الزينكو جدارًا آخر، وفرشنا الأرض بين النفايات وبقايا مياه الصرف الصحي". هناك تكدست العائلة، يطردون الذباب والحشرات طوال الوقت، ويضعون قطعة قماش على أنوفهم هربًا من رائحة القمامة الخانقة.

الرضيعة لا تزال تعاني من سوء التغذية، لم تتمكن من الجلوس بعد، وسوسن تقول: "أستلم علبة حليب كل أسبوع أو عشرة أيام من المدرسة القريبة، وأحاول إرضاعها لكنني أعاني من سوء تغذية أيضًا فلا تستفيد مني".

يبدأ يومها بإعداد الحليب أو بعض الخبز الذي يحصلون عليه من الجيران أو من كيلو دقيق توزع كمساعدة كل ثلاثة أيام، ثم تنتظر حتى منتصف النهار حين يحين موعد التكية لتجلب طبقًا من الطعام للأسرة، إذ صار اعتمادهم بالكامل على ما تقدمه.

يوسف، الذي فقد عمله منذ بداية الحرب، يشرح عجزه: "طفلتي تعاني من سوء التغذية ولا أستطيع جلب طعام لها، ولا حتى الدواء المقطوع لطفلتي الأولى. الحفاضات لم أعد أستطيع شراءها، فنستخدم الأقمشة بدلًا منها. لا نملك خيمة ونعيش بين القاذورات".

سوسن بدورها ترفع يديها لتري البقع التي انتشرت عليهما، بينما يشير يوسف إلى وجه الرضيعة الممتلئ بالحبوب قائلاً: "مش عارفين نعالجها".

ومع كل هذا، يبقى السؤال المؤرق: ماذا سيحل بهم حين يأتي الشتاء؟ يعيشون بلا ستر يحميهم من الشمس أو المطر، يضطرون لاستخدام مرحاض المدرسة القريبة، ويكتفون بما تمنحه لهم يد المساعدة. يقول يوسف: "أحيانًا تدبر لي أمي مبلغًا صغيرًا، نعيش على ما توفره التكية والخبز من الدقيق، هذا كل ما لدينا".

يختم يوسف حديثه بحسرة واضحة: "كل ما أطلبه هو خيمة تحمينا، وعلاج لابنتي، وحليب للرضيعة. لم أعد قادرًا على رعاية أسرتي في هذه الظروف، واقع النزوح أفقدنا الكثير من الكرامة وجعلنا عاجزين عن تلبية احتياجاتنا الأساسية".

كاريكاتـــــير