شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 17 سبتمبر 2025م13:35 بتوقيت القدس

متلازمة تسبب الشلل وعلاجاتها غير متوفرة

"غيلان باريه".. وجعٌ أثقلَ أجنحة الطفولة بغزة!

18 اعسطس 2025 - 13:49

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تجلس والدة الطفلة لارا البطران إلى جوار سريرها في العناية المركزة، تتحسس جبينها البارد والأنابيب تحيط بجسدها النحيل، فيما جهاز التنفس الصناعي يواصل عمله بلا كلل. كانت لارا، ابنة الثمانية أعوام، تركض وتضحك كأي طفلة حتى صباح السادس عشر من يونيو 2025م، حين حاولت أمها إيقاظها ففوجئت بأنها لا تتحرك، جسدها مثقل بالشلل، قد تبولت على نفسها والزبد يخرج من فمها. حملتها مسرعة إلى مستشفى الرنتيسي غربي غزة، لتدخل غرفة العناية المركزة منذ تلك اللحظة وحتى اليوم.

في سريرها الأبيض تتلوى لارا بألم، غير قادرة على التنفس دون الجهاز. تحاول الممرضة تعديل وسادتها. تتحدث الأم بمرارة: "علمت مؤخرًا أن ما بها هو غيلان باريه".

لم يكن وقع ما حدث أقل قسوة على الأم التي حاولت طوال الحرب أن تحمي أبناءها الخمسة. فقد اختارت مع زوجها البقاء في بيتهم غربي المدينة وعدم النزوح جنوبًا، ليتقاسما معًا ويلات المجاعة. لكن الزوج استشهد في الثامن والعشرين من آذار/ مارس 2024م، حين سقطت عليه مظلة مساعدات أثناء محاولته تأمين الطعام لأسرته، تاركًا زوجته تواجه وحدها أعباء الحياة والأمومة.

في سريرها الأبيض تتلوى لارا بألم، غير قادرة على التنفس دون الجهاز، والممرضة تحاول تعديل وسادتها. تتحدث الأم بمرارة: "لم يعرفوا مما تعاني ابنتي فورًا، وعلمت مؤخرًا أن ما بها هو متلازمة غيلان باريه".

تمسح دموعها وتضيف: "كل ما تعانيه لارا بسبب الحرب، فقد كان وزنها 23 كيلوغرامًا وأصبح 12 فقط". تشرح وهي تنظر في الفراغ: "لا نتناول الطعام بشكل جيد. بعد استشهاد زوجي صرت المعيلة الوحيدة لأطفالي بلا دخل، نشرب ماءً غير نقي لعدم قدرتي على شراء الصالح للشرب، وسيارات المياه لا تمر في منطقتنا. كل ذلك، مع المجاعة والمرض، هو ما أوصل ابنتي إلى هذا الحال".

لم يتوقف الألم عند لارا وحدها، فالأم تعيل أيضًا طفلة أخرى مصابة بالشلل الدماغي، وأمام جسدين هزيلين تقف بلا حول ولا قوة. تخبرنا أن لارا بحاجة إلى غذاء متوازن كي تتحسن حالتها، لكن "هذا غير ممكن".

لارا ليست إلا واحدة من مئة حالة أعلن عنها الأطباء في غزة، مصابين بمتلازمة غيلان باريه، بينهم ستون من الكبار وأربعون طفلًا. يوضح الدكتور محمد حجو، رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى الرنتيسي، أن المرض شلل ارتخائي حاد ينجم عن مهاجمة المناعة الذاتية للأعصاب الطرفية، وغالبًا ما تسبقه التهابات فيروسية أو بكتيرية. لكن، في غزة، لا توجد مختبرات متقدمة لتحديد نوع البكتيريا المسببة بدقة.

ويشرح الطبيب أن المرض يبدأ بضعف وصعوبة في المشي وتنميل في الأطراف السفلية، ثم يصعد تدريجيًا نحو العلوية ليصل إلى عضلات الجهاز التنفسي، فيصيبها بالشلل، وهنا تبرز الخطورة القصوى التي تضع المريض على أجهزة التنفس الصناعي. ويعزو حجو الانتشار إلى تردي الوضع البيئي والصحي، وتلوث مياه الشرب، وسوء التغذية، وهي عوامل أضعفت مناعة السكان وتسببت بهذا الوباء الصامت.

"النسبة العالمية لظهور هذه المتلازمة لا تتجاوز حالة أو حالتين لكل مئة ألف نسمة، لكن العدد المكتشف في غزة كبير نسبيًا".

النسبة العالمية لظهور هذه المتلازمة لا تتجاوز حالة أو حالتين لكل مئة ألف نسمة، لكن العدد المكتشف في غزة كبير نسبيًا، كما يشير حجو.

ومع ذلك، لا تتوفر العلاجات اللازمة، فدواء "بلازما فريزس" الذي يغسل الأجسام المضادة من البلازما غير موجود، وعلاج "AVAJ" مفقود كذلك. يقول الطبيب بحسرة: "ناشدنا منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الدولية لتوفير الأدوية، لكن لم نجد الاستجابة المطلوبة".

بين أنين الطفلة وجهاز التنفس، تتبدى صورة غزة المثقلة بالمجاعة والتلوث والأمراض، فيما تقف أم لارا مثقلة بجروحها الخاصة، تحرس ابنتها بجفنٍ لا يغمض، وتردد أن كل ما أصاب طفلتها ليس إلا "وجهًا آخر من وجوه الحرب".

كاريكاتـــــير