شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 17 سبتمبر 2025م13:38 بتوقيت القدس

لوحاتٌ توثق وجع الحضور والغياب وطول الأمل..

معرضٌ فنّي.. "العنقاءٌ" تنهض من بين ركام غزة!

10 يوليو 2025 - 14:01
جانب من معرض "العنقاء" الفني بمدينة غزة
جانب من معرض "العنقاء" الفني بمدينة غزة

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

من بين ركام الحرب تولد آلاف الحكايا. في غزّة: فَقد، ومجاعة، ونزوح، ودمار، وأحبّة غابوا وتركوا في القلب جرحًا، ومجاعة لم ترحم المدينة ولا أعزّة أهلها. لكن وسط هذا السواد، كانت هناك رِيَشٌ ترسم وتلّون الرماد، وأرواح اختارت الفن وسيلة للنجاة.

في مقهى صغير بمدينة غزة، أقيم معرض فني بعنوان "العنقاء"، جمع أعمال فنانين وفنانات فقدوا مراسمهم خلال الحرب، فاختاروا الألوان الداكنة لتجسيد معاناة النزوح والجوع والموت، وكانت لوحاتهم مقاومة من نوعٍ مختلف.

"أتنفس رمادًا"، هكذا أسمت الفنانة التشكيلية هيفاء أبو جراد إحدى لوحتيها، مشيرة إليها وهي تسرد ما جسّدته من نزوح وحرمان. تقول: "صورتُ فيها ملابس مهترئة وكتابًا لطلبة بات مصدرًا لنار الطعام بعد أن فقدوا حقهم في التعليم".

أما لوحتها الثانية "في يدي ربيع"، فبرغم الألوان القاتمة التي تعبّر عن ركام المدينة، تظهر امرأة وهي تحتضن وردة وسماء، كما لو أن الحياة ما زالت تنبض.

منذ نزوحها من بيتها في بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة، مطلع الحرب، في أكتوبر 2023م، حملت هيفاء لوحاتها القليلة علّها تظل قادرة على الرسم والشعور بالحياة. لكن عندما عادت إلى بيتها في يناير 2025م، وجدته مدمرًا، ومرسمها ولوحاتها تحت الأنقاض. تقول: "روحي دُفنت تحت الركام".

انضمت هيفاء لاحقًا إلى مبادرة لدعم الفنانين، لكنها لم تجد وقتًا كافيًا لإنجاز لوحات جديدة، فنقلت أعمالها إلى خيمة. ظروف الخيمة لا تصلح للرسم، لكنها تحاول. تعبر عن حزنها لفقدان 25 لوحة كانت تمثل أرشيفها الفني، أقربها إلى قلبها لوحة لامرأة فلسطينية بثوب مطرز تحمل غصن زيتون. تقول: "كانت لوحاتي مليئة بالفرح والألوان الزاهية. لم أتخيل يومًا أن أرسم الركام والأنقاض، أو أن أستخدم ألوانًا لم ألمسها من قبل. كل ما أتمناه أن يعمّ السلام على فلسطين".

إلى جانبها، وقفت الفنانة التشكيلية لجين العاوور (23 عامًا) أمام لوحتها "نبتة رفضت أن تموت"، لخصت فيها تجربة النزوح المتكرر بين غزة والجنوب، وصولًا إلى مدرسة نازحة فيها بعد تدمير مرسمها.

 تقول: "لوحتي الثانية اسمها (مائدة من وهم)، عبّرتُ فيها عن معاناتي مع المجاعة التي ضربت غزة، وعن طريقة إسقاط المساعدات التي تسببت في مقتل البعض".

"كنت أحب الطبيعة والحيوانات الأليفة، أرسمها بألوان مبهجة. كان لدي طقوس حالمة، أما الآن فكل شيء صاخب في المدرسة التي أعيش فيها مع مئات النازحين"

لجين فقدت ست لوحات كانت في مرسمها. تقول: "كنت أحب الطبيعة والحيوانات الأليفة، أرسمها بألوان مبهجة. كان لدي طقوس حالمة، أما الآن فكل شيء صاخب في المدرسة التي أعيش فيها مع مئات النازحين". ما ترجوه ببساطة هو أن تتوقف الحرب، وتعود للرسم، وأن يراها العالم هي وزملاؤها من خلال معارض فنية خارج غزة.

الفنان نصر الله البسوس (22 عامًا) اختار أن يبقى في شمالي غزة رغم دعوات الاحتلال للنزوح، لكنه اضطر للنزوح مرارًا داخل المدينة ذاتها.

يقول: "أسكن في حي الشجاعية شرقي غزة. عايشت الكثير من الأحداث المؤلمة، وهذا شكّل أسلوبي الجديد في الرسم".

في لوحته "ما بقي مني"، رسم مسنًّا يضع يده على جبينه، وفي الخلفية تظهر بقايا مدينة تحترق من نافذة داكنة. يقول نصر الله: "دخلت الحرب شابًا، والآن أشعر أني عجوز أنهكه الجوع والخوف وفقدان الأمل. صحيح أن جسدي شاب، لكن روحي هرمت، وقلبي كذلك".

خسر نصر الله بيته ومرسمه، ولم يتمكن من استعادة سوى بعض لوحاته خلال الهدنة. لا يعرف اليوم شيئًا عن منزله في الشجاعية. ويضيف: "كان لدي غرفة كاملة بأدوات الرسم، أوراق وأقلام، أنا الآن نازح أعيش على الذكريات".

يسترجع نصر الله لحظات نجاة محفوفة بالموت: حين فرّ مع أسرته من القصف وشاهد صديقه مدفونًا تحت الركام ولم يتمكن من إنقاذه، فاستشهد، ومرة أخرى حين سقطت قذيفة على غرفة نام فيها مع خمسة من أقاربه، فقُتل ابن عمته أمام عينيه، ومرة ثالثة حين خرج مع أصدقائه إلى الشجاعية، فتعرضوا للقصف. يقول: "خرجنا تسعة، عدنا ثلاثة. كيف أعيش بعد كل هذا؟".

حين سُئل عن رسالته للعالم، تردّد وهزّ رأسه وقال: "سؤال محيّر، ماذا أقول للعالم؟ أريدهم فقط أن يشاهدوا ما يحدث في غزة. أمنيتي أن أعود إلى ما قبل 7 أكتوبر، كنت أحب رسم الحياة والخضرة، الآن قلبي هرم".

أما الفنان مهند السايس، منظم المبادرة التي جاءت بدعم من منحة صندوق الثقافة الفلسطيني التابع لوزارة الثقافة في رام الله، فقال إن "المشروع وفّر أدوات وخامات للفنانين الذين فقدوا مراسمهم. اللوحات المعروضة تناولت موضوعات عن الحرب، والأمل، وما بعدها، وجسدت مشاهد عن المرأة والطفل والجوع، وحتى عن الحمار الذي بات وسيلة التنقل الوحيدة لفترة ليست قصيرة".

"أبرز المعوقات فكانت ندرة المواد الخام اللازمة للرسم، وصعوبة شرائها بسبب أزمة السيولة وارتفاع العمولة، بالإضافة إلى النزوح المتكرر".

وأوضح السايس أن المبادرة شملت ورش عمل استمرت شهرًا ونصف، ثلاث ساعات في اليوم، ثلاث مرات أسبوعيًا، شملت لقاءات مع فنانين من داخل القطاع وخارجه. أما أبرز المعوقات فكانت ندرة المواد الخام اللازمة للرسم، وصعوبة شرائها بسبب أزمة السيولة وارتفاع العمولة، بالإضافة إلى النزوح المتكرر الذي أثّر على استمرارية الفنانين، لكنهم جميعًا واصلوا رغم كل شيء.

كاريكاتـــــير