غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
ينفض الشاب موسى حمودة (33 عامًا) يديه، ليزيح غبار ليلةٍ ثقيلة قضاها في مغامرةٍ حامية من أجل كيسِ طحين، عاد به مصابًا بالجروح والندبات!
يتحسس الشاب جرحه وهو يرسم ابتسامةً باهتة ويقول: "لم يتركوا لي وسيلةً من أجل إطعام أسرتي سوى اللحاق بشاحنات الدقيق التي تدخل قطاع غزة دون أن تصل للمخازن، وأخذ حقي بنفسي".
مع اشتداد المجاعة في قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي منذ استئناف الحرب الإسرائيلية في مارس/ آذار 2025م، ومنع الاحتلال دخول المساعدات، أصبح البحث عن كيس الطحين عبئًا يوميًا، حتى أن سعر كيس الدقيق (25 كيلو) وصل إلى 3000 شيكل قبل أن ينخفض تدريجيًا، فلجأ الناس لشراء الدقيق بالكيلو بمبالغ كبيرة.
كان موسى يعمل سائقًا، وفقد عمله بسبب غلاء أسعار السولار والبدائل، ثم أنشأ بسطة تدر يوميًا ما بين 20 و30 شيكلًا، وهو مبلغٌ لا يكفي لشراء أي شيء في ظل الغلاء الفاحش.
مؤخرًا، باشر الاحتلال بالسماح بدخول بعض الشاحنات المحمّلة بالدقيق، دون أن يسمح لها بالوصول إلى المخازن، بل أن تقف في نقاط محددة، ليحصل الناس على الدقيق بطريقة عشوائية ضمن ما سموه (التوزيع الذاتي)، الأمر الذي جعلهم يواجهون في سبيلها خطر الاحتلال والعصابات.
يقول موسى: "سمعت عن شبان يذهبون وسط الخطر لتوفير الدقيق لعائلاتهم، رفضتُ الأمر في البداية، لكن اشتداد الحاجة دفعتني للذهاب مع أصدقائي إلى موقع "زيكيم" شمال غربي مدينة غزة، رغم خطورته لقربه من الاحتلال، واستطعت حمل كيس دقيق".
انتزع موسى الكيس عائدًا إلى عائلته، ومع انتشار اللصوص الذين يسطون على حاملي الدقيق، اضطر لسلوك طرقٍ وعرة مدمّرة، ما تسبب بإصابته بجروح في أقدامه ويديه.
وإن كان موسى محظوظًا بالحصول على كيسٍ يكفيه وعائلته سؤال الناس، فإن ما حدث مع الشاب أشرف أحمد كان مختلفًا، فكل محاولاته للحصول على الدقيق باءت بالفشل.
"فقدتُ عملي بسبب الحرب، وحين تدخل شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة لا يسمح الاحتلال بوصولها إلى المخازن، ولم يتبقّ أمامنا سوى التوجه صوب الشاحنات".
يقول أشرف (40 عامًا): "فقدتُ عملي بسبب الحرب، وحين تدخل شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة لا يسمح الاحتلال بوصولها إلى المخازن، ولم يتبقّ أمامنا سوى التوجه صوب الشاحنات التي تدخل المدينة من جهة شارع نتساريم المحاذي للبحر، وفيه كل الخطر".
عانى أشرف وشقيقيه أثناء محاولتهم الحصول على أكياس دقيق لعائلاتهم، فقد تعرضوا لخطر إطلاق النار من طائرات "كواد كابتر" عدة مرات، ونجوا من الموت أكثر من مرة خاصة حين انفجرت إحدى الطائرات قرب المنطقة التي تواجدوا فيها، ومعهم مجموعات من الشبان.
"لم يعد أمامنا خيارات لإطعام عائلاتنا سوى ذلك. نحن هنا نواجه خطر الموت وإن حملنا أكياس الطحين ربما لا ننجو من اللصوص الذين يتسلحون بأسلحة مختلفة".
يقول أشرف: "لم يعد أمامنا خيارات لإطعام عائلاتنا سوى ذلك. نحن هنا نواجه خطر الموت وإن حملنا أكياس الطحين ربما لا ننجو من اللصوص الذين يتسلحون بأسلحة مختلفة، ما بين السلاح الناري والسلاح الأبيض، ولكن عليّ تحمّل المخاطرة من أجل عائلتي".
أما السيدة وصال حامد (36 عامًا) فقد اكتفت بوضع يدها على خدها، وهي تجلس في بيتها تنظر إلى أطفالها الأربعة، وقد عجزت بأي شكلٍ عن أن تكون ضمن من نافسوا في الحصول على كيس طحين، ضمن الآلية التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي.
تقول السيدة: "سافر زوجي قبل الحرب في رحلة علاج مع والدته، وبقيت هنا وحدي وقد عجز عن العودة. أحاول تدبير شؤون أبنائي بصعوبة، فقد نفد الدقيق الذي كان بحوزتنا، وليس لدي قدرة مالية على شرائه بالأسعار العالية المتوفرة. ما بين أسبوع وآخر أحاول توفير كيلو دقيق ولكن ليس طول الأسبوع".
وتكمل: "الآلية التي تدخل بها المساعدات لا يمكنني الاستفادة منها، ربما لو كان زوجي موجودًا لاتخذ القرار بالذهاب كما غيره. لا أدري، ولكن أنا لا أستطيع، ولا يمكن المغامرة بأي من أبنائي الذكور.. البقاء بالجوع أهون عليّ من ذلك، ولكن يعزّ عليّ أنني غير قادرة على أخذ حقي".
"الظروف التي أحاطنا بها برنامج الغذاء العالمي وما نشاهده على الأرض، وضعنا أمام خيارات صعبة، إما دخول المساعدات بهذه الطريقة أو رفض دخولها".
بدوره، يقول مدير شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا: "إن آلية التوزيع الذاتي جاءت نتيجة لمنع الاحتلال الإسرائيلي لعملية التوزيع من خلال مراكز التوزيع، ويفترض أن تكون مؤقتة ولأيام قليلة؛ ليحصل الناس على الدقيق مباشرة، لكن لهذه الطريقة تداعيات خطيرة على الوضع الإنساني".
ورفضت شبكة المنظمات هذه الطريقة، "لكن الظروف التي أحاطنا بها برنامج الغذاء العالمي وما نشاهده على الأرض، وضعنا أمام خيارات صعبة، إما دخول المساعدات بهذه الطريقة أو رفض دخولها، وللأسف لها مخاطر كثيرة"، يقول الشوا.
وشرح: "إن من يصل تلك المناطق هم فئات محددة، وهناك فئات من كبار السن والنساء وذوي الإعاقة لا يستطيعون"، مشيرًا إلى سيطرة العصابات على تلك المناطق، وخطر أن تقوم بالسيطرة على المساعدات والاتجار بها والسيطرة على الأسعار في السوق.
"الاحتلال يريد تخريب منظومة العمل الإنساني.. لا بد أن يتم التوزيع من خلال مراكز تضمن سلامة المواطن وكرامته وعدالة التوزيع، ومشاركة كل الأطراف في هذه العملية".
وأضاف: "يرافق ذلك كله، خطر إشكاليات القتل والإصابة والمشاكل المجتمعية، وخطر إطلاق الاحتلال النار على منتظري المساعدات الذين فقدنا منهم عشرات الشهداء والإصابات".
وتابع الشوا: "الاحتلال يريد تخريب منظومة العمل الإنساني"، مشددًا على ضرورة أن يتم التوزيع من خلال مراكز توزيع تضمن سلامة المواطن وكرامته وعدالة التوزيع ومشاركة كل الأطراف في هذه العملية، برنامج الغذاء العالمي، وأونروا، والمنظمات الأهلية الفلسطينية، "وأن يكون التوزيع في مراكز مختلفة في قطاع غزة، بالإضافة إلى استخدام قاعدة البيانات الخاصة بالأونروا كونها الأكثر شمولية لكل القطاعات".
وتابع: "عند ذلك نعلن للجمهور آلية التوزيع كي يطمئن الجميع ولا يخاطروا، فالاحتلال يريد تعميق الأزمة الإنسانية وإدامتها والسيطرة على المساعدات، بطريقة التوزيع وإثارة الفوضى".
وأكد ضرورة مشاركة الجميع في وقف هذه الآلية، والعمل باتجاه توفير المساعدات بكميات كبيرة، فما يدخل حتى الآن كميات قليلة، بالتالي يجب الضغط على الاحتلال لفتح المعبر وإدخال المساعدات.