غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
تتجول السيدة رانيا المصري في سوق مدينة غزة بحثًا عن تاجرٍ يقبل بيعها كيلو من الدقيق بالمئة شيكل التي بحوزتها. الجميع يرفضون بحجة أن الورقة التي بين يديها تالفة، أو كما كانوا يرددون على مسامعها: "بتمشيس".
باستياء تقول رانيا: "المشكلة ليست في عدم وجود سيولة نقدية في قطاع غزة وحسب. سحب المال يتطلب التنازل عن 45% عمولة للتاجر الذي يمنحنا السيولة، لندخل بعدها في دوامة أزمة العملة المهترئة التي لا يقبلها الباعة، إضافة إلى الغلاء الفاحش في الأسعار".
وتضيف: "شراء كيلو من الأرز يكلف 60 شيكلًا نقدًا، ومحاولة الحصول عليه عبر التطبيق البنكي سيجعل التكلفة 100 شيكل".
رانيا هي واحدة من مئات آلاف المواطنين/ات في قطاع غزة، ممن يعانون مشكلة مركّبة مع المال بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فالاحتلال منذ بدء الحرب لم يسمح بدخول السيولة ما تسبب بأزمة لدى المواطنين والتجار على حدٍ سواء، وانبثقت عن هذه الأزمة مشكلة العملة المهترئة التي يرفض الباعة التعامل بها، وعمولة التطبيق البنكي المطلوبة للحصول على السيولة.
مثل رانيا تمامًا يعاني الشاب عبد الرحمن صيام من مشكلة مع السيولة المالية، فهو يعمل بائعًا لمساحيق التجميل على بسطة في حي الرمال وسط مدينة غزة، ويقرّ بأن هذه الأزمة تؤثر سلبًا على البائع والمشتري سويًا.
يقول لـ"نوى": "عندما تشتري من عندي زبونة أقدم لها أورقًا من فئة العشرين شيكل فترفضها بحجة أن التجار لا يقبلونها، هذه مشكلة لا داعي لها فالورقة النقدية ما دام رقمها التسلسلي واضح الأصل أن تكون سليمة، لكن مشكلة العملة المهترئة أثرت علينا وعلى الزبائن معًا، وكثيرًا ما اضطررت لعدم البيع بسبب عدم وجود فكّة".
ويؤكد عبد الرحمن أن السيولة أيضًا مشكلة إضافية، فحين يريد شراء أي شيء لعائلته عليه أن يتنازل عن نسبة 45% للحصول على سيولة، والشراء عبر التطبيق البنكي سيرفع سعر السلعة المرتفعة أصلًا، مشيرًا إلى أن منشأ الأزمة يبدأ من تاجر أو بائع يرفض التعامل بعملة معينة فيقلده الجميع.
بدوره يقول إسلام السيد، الذي يعمل في محل صرافة بمدينة غزة: "إن الأزمة انعكست أيضًا على أصحاب محلات الصرافة، الذين باتوا يواجهون صعوبة في إقناع الناس بقبول العملة الموجودة في السوق، ولكن الأزمة باتت عميقة".
"منذ عامين وهذه الأوراق يتم تداولها بين الناس فأصبحت مهترئة، لا يقبلها أحد، لكن الأصل أن العملة ما دامت أرقامها موجودة فهي سليمة".
وأضاف شارحًا: "منذ عامين وهذه الأوراق يتم تداولها بين الناس فأصبحت مهترئة، لا يقبلها أحد، لكن الأصل أن العملة ما دامت أرقامها موجودة فهي سليمة. سابقًا ظهرت مشكلة العشرة شواقل ولم تعد موجودة في السوق، والآن مشكلة العشرين التي لا يقبلها الناس".
وتابع: "لا أعرف من المتسبب بالمشكلة، لكن لا يوجد مال في السوق غير هذا، فمن أين يأتي الصرافون بالمال وقد أصبحوا بسبب هذه الأزمة بالكاد يستطيعون الإنفاق على ذواتهم؟"، مردفًا بقهر: "بنشتغل عشان قوت يومنا، لكن الوضع صعب جدًا علينا. أصبحت تجارة العملة رخيصة بسبب الأزمة".
بدروه يوضح المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر أن أساس التعامل مع أي عملة هو الثقة، بمعنى أن المواطنين يثقون في أن هذه الفئات لها مرجعية، وحال فقدوا الثقة بها تصبح بلا قيمة، وهذا ما يجري بسبب الحرب.
"هناك خطة إسرائيلية منذ بداية الحرب؛ لتجفيف السيولة المالية من قطاع غزة، وزيادة الضغط على المواطنين ضمن حرب اقتصادية بالتوازي مع الحرب العسكرية".
وشرح أبو قمر أن المشكلة الأساسية تكمن في وجود خطة إسرائيلية منذ بداية الحرب؛ لتجفيف السيولة المالية من قطاع غزة، وزيادة الضغط على المواطنين ضمن حرب اقتصادية بالتوازي مع الحرب العسكرية، تمثلت في إخراج كميات كبيرة من السيولة من خلال التنسيقات التي حدثت في بداية الحرب للمسافرين، مع منع إدخال أي كميات من السيولة، ما يتعارض مع بروتوكول باريس الاقتصادي، الموقع بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي عام 1994م.
إضافة لذلك، فقد انتشرت السوق السوداء وتم تحييد القطاع المصرفي بالكامل، "فسلطة النقد لا تقوم بالمهام المنوطة بها، سواء مخيرة أو مجبرة. هي التزمت الصمت، وهذه نقطة فارقة منذ بداية الحرب".
ويتابع: "البنوك أغلقت، واًصبح التجار يتحكمون في القطاع المصرفي عبر السوق السوداء، بالتالي فإن خمسة أو سبعة تجار معروفين، هم من يقولون إذا كانت هذه الأوراق مقبولة أو لا".
"الحركة التجارية سيئة، وتحييد عمل سلطة النقد والبنوك والمصارف له تأثيرات سلبية لا تقل عن مشكلات الفقر والبطالة، ويأتي هذا ضمن المؤشرات السلبية للاقتصاد ككل".
ويوضح أبو قمر أن مشكلة السيولة أظهرت مشكلة التكييش، "فإن الحصول على السيولة يكلف عمولة تصل إلى 45%، بالتالي على مستوى الاقتصاد الجزئي (اقتصاد المواطن) لم يعد المواطن قادرًا على تسيير أمور حياته، ولم يعد هناك عدالة اقتصادية، فهذه النسبة تستنزف جيوب المواطنين إلى جانب الغلاء".
وزاد بقوله: "ظهرت لدينا أيضًا مشكلة الشيكل الخامل، بمعنى أن هناك عملة مكدسة في جيوب المواطنين لا يستطيعون صرفها كونها (بتمشيش)".
أما على مستوى الاقتصاد الكلي كما يوضح أبو قمر، فالمشكلة تتمثل في أن الحركة التجارية سيئة، وتحييد عمل سلطة النقد والبنوك والمصارف له تأثيرات سلبية لا تقل عن مشكلات الفقر والبطالة، ويأتي هذا ضمن المؤشرات السلبية للاقتصاد ككل.
وختم: "لم يعد لدينا اقتصاد رسمي ومن يتحكم في القطاع المصرفي هم تجار، والتقديرات حاليًا تقول إن لدينا نقص في السيولة بمعدل 40%، وهذا حله الوحيد أن تقوم سلطة النقد بالضغط على الاحتلال لإدخال سيولة مالية عملًا بالاتفاقيات الموقعة، وإخراج العملة المهترئة".