غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
تمرر ريما (16 عامًا ونصف) يدها على بطنها، وتتحسس جنينها. تدير وجهها الصغير في زوايا الخيمة التي تسكنها وهي تقول: "أعلم أنني صغيرة على الزواج لكن هذا ما حدث، ظروف الحرب أقوى من رغباتنا".
تعيش ريما (اسم مستعار) مع أسرتها في خيمةٍ بأحد مخيمات النزوح بمدينة غزة، بعدما عادت إليها تبكي قسوة تجربة التزويج المبكر، خاصةً في ظروف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المندلعة منذ 7 أكتوبر 2023م، وأجبر خلالها أكثر من مليوني فلسطينية وفلسطيني على النزوح من أماكن سكنهم، والعيش في خيام ومراكز إيواء تفتقر لأدنى درجات الخصوصية.
تقول لـ"نوى": "نزحنا منذ بداية الحرب من بيتنا في غزة إلى مركز إيواء (مدرسة) في المحافظة الوسطى. كنا أنا وأمي وإخوتي في فصل، بينما والدي يقيم في خيمة وسط المدرسة مع زوجته الثانية وباقي أطفاله، وكنت أذهب يوميًا لزيارته وتفقّده".
"ضربني حين رفضت! ريما حصلت في الأول الثانوي على معدّل 98% فلماذا يحرمها حقها في التعليم؟(..) تزوجت رغمًا عنها، وعاشت شهرًا في بيتٍ مستأجر ثم نقلها إلى خيمةِ أهله".
ذات يوم طلب والد ريما منها الحضور لخيمته، وهناك فوجئت بجارتهم، تطلب منها خلع حجابها كي ترى شعرها، فهمت ريما الأمر ورفضت، لكن والدها أصرّ بدعوى أن ابن السيدة شابٌ جيد، وأجبر ريما على الموافقة فورًا.
تتدخل أمها: "ضربني حين رفضت! ريما حصلت في الأول الثانوي على معدّل 98% فلماذا يحرمها حقها في التعليم؟"، وتتابع: "تزوجت رغمًا عنها، وعاشت شهرًا في بيتٍ مستأجر ثم نقلها إلى خيمةِ أهله".
تواصل ريما: "كانت الخيمة مشتركة، وأنا رفضت هذا الوضع، إخوته شبّان وأنا لا أستطيع النوم وهم موجودون بالخيمة (..) حين علم أبي أخذني ورفض إرجاعي إلا حين تم فصل الخيمة من المنتصف ولكنه كان فصلًا مؤقتًا، فحين عدنا إلى غزة كانت بيوتنا مقصوفة، فنزح هو إلى بيت أقاربه وأنا رجعت إلى خيمة أبي".
تشير ريما إلى بطنها الذي يكبر وهي تبدي تخوّفها من تجربة الولادة خاصة في ظل ظروف تفتقر للأمان كما تفتقد لأي شيء من المقومات الغذائية اللازمة لتغذيتها وتغذية الجنين.
وقبل عدّة أشهر، تزوجت الشابة التي سنرمز لها بـ"س" وهي بعمر (16 عامًا)، في أحد مخيمات النزوح، حين تقدّم لخطبتها شابٌ نازحٌ معها في ذات المخيم.
تقول الفتاة التي تقيم مع أهلها في مخيم إيواء بمدينة غزة: "قبل الحرب لم تكن لدّي رغبة في الزواج بمثل هذا العمر، ولكن في المخيم تغيّرت نظرتي، حين تقدّم أهل الشاب لخطبتي وافقت فورًا، وكنت سعيدة بتجربة الزواج في البداية ولكن الحال اختلف بعد ذلك".
منذ اليوم الأول لزفافها في الخيمة، تدخّلت والدة الشاب لتأخذ منها مصاغها كله، وأخبرتها أنها ستحتفظ به عندها خشية سرقته، أما الفتاة فقد عانت من انعدام الخصوصية داخل الخيمة خاصة كونها عروس جديدة. تعقّب: "كانت الحياة قاسية جدًا".
تدخّل والدها في الحديث فأكمل: "أمها هي التي أصرّت على الزواج. أنا لم أكن موافقًا أبدًا"، لتدافع أمها عن نفسها بالقول: "أردنا تغيير أجواء الحرب الحزينة بإدخال الفرحة على قلوبنا".
"تعرّضتُ للضرب أكثر من مرة لدرجة أنني أجهضت، حين عدت إلى غزة لم يكن في بيتهم إلا غرفة واحدة سليمة تنام فيها والدته ووالده، أما أنا فأنام خارج الغرفة".
تكمل الفتاة: "تعرّضتُ للضرب أكثر من مرة لدرجة أنني أجهضت، حين عدت إلى غزة لم يكن في بيتهم إلا غرفة واحدة سليمة تنام فيها والدته ووالده، أما أنا فأنام خارج الغرفة، يوجد في البيت إخوته الذكور وأنا كنت أخجل ولا أشعر بالراحة، ظروف عنف بمجملها دفعتني للقدوم إلى بيت أهلي من أجل طلب الطلاق، كنت صغيرة على الزواج مثلما أنا صغيرة على الطلاق".
وتقول اعتماد وشح منسقة الدعم النفسي في مركز شؤون المرأة: "المركز رصد ارتفاعًا في معدّل التزويج المبكر للفتيات خلال الحرب"، مرجعةً ذلك للعديد من العوامل "أبرزها عدم شعور الناس بالأمان وخوف رب الأسرة على الفتيات خاصة في حال كان عدد أفراد أسرته كبيرًا، فينقل مسؤوليتها للزوج".
"الفتيات يحتجن في مثل هذا السن إلى التغذية والعناية التي يفتقدنها، والوضع يكون أقسى في حال حدوث حمل في ظل عدم وعيها بكيفية رعاية نفسها بشكل جيد".
وتابعت: "العامل الاقتصادي أيضًا أحد الأسباب، خاصةً في ظروف النزوح التي تشهد تعقيدًا للوضع الاقتصادي والاجتماعي، وعدم ذهاب الفتيات إلى المدارس والتوجه إلى طوابير التكيات والمياه والمخابز بدلًا من ذلك".
وتكمل: "ينعكس واقع الحياة سلبًا على الفتيات الصغيرات، كونهن يتركن التعليم ويتزوجن في ظروف معيشية صعبة"، متسائلة: "ما بالكم بفتاة صغيرة تصبح مسؤولة عن بيت وعائلة في ظل عدم وجود مياه ولا خصوصية وعدم توفر الطعام الكافي؟".
وتزيد: "الفتيات يحتجن في مثل هذا السن إلى التغذية والعناية التي يفتقدنها، والوضع يكون أقسى في حال حدوث حمل في ظل عدم وعيها بكيفية رعاية نفسها بشكل جيد".
"نحاول توعية الفتيات بعدم الانجرار وراء روايات يمكن أن ترى التزويج في هذا السن جميلًا، بل على العكس من ذلك، فإنه يسبب انتكاسات أخرى للفتيات الصغيرات".
وتتحدث وشح أن مركز شؤون المرأة عمل على تنفيذ العديد من ورشات التوعية للفتيات؛ حتى اللواتي تزوجن منهن، تم تقديم جلسات لهن حول كيفية حماية أنفسهن، من خلال أخصائيات نفسيات قدمن بشكلٍ دائم الإرشاد والاستشارات النفسية والقانونية، وخدمة تحويل الحالة.
وختمت: "نحاول توعية الفتيات بعدم الانجرار وراء روايات يمكن أن ترى التزويج في هذا السن جميلًا، بل على العكس من ذلك، فإنه يسبب انتكاسات أخرى للفتيات الصغيرات".