شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 30 ابريل 2024م05:56 بتوقيت القدس

غزّيون تخنقهم الذكرى.. رمضانهم "لا زينة ولا لمّة"!

31 مارس 2024 - 21:28

شبكة نوى، فلسطينيات: غزة – نوى / فلسطينيات

انتصف شهر رمضان المبارك، ولم تشعر سها الأطرش بحلاوة طقوسه. هذه النازحة من مدينة غزة إلى مدينة رفح في أقصى جنوبي قطاع غزة، افتقدت كل عاداتها الرمضانية التي رافقتها منذ أن وعيت معنى الصيام.

تقول: "رمضان هذا العام غير مسبوق. لقد اختلطت علينا الأيام، ولم نعد نحصي أيام الحرب، فكلها متشابهة من حيث جرائم الإبادة والقتل والتدمير".

وتضيف السيدة (35 عامًا) بقهر: "ونحن في خضم الموت، وقد عصفت بنا المصائب من كل حدب، جاء رمضان، وانقضى منه أسبوعان لم نشعر خلالهما بالأجواء والطقوس الرمضانية المعتادة"، متسائلةً: "كيف لنا أن نقرأ القرآن ونتدبره نهارًا بينما الخوف يتملكنا من "غربان الموت" التي تحلق فوق رؤوسنا على مدار الساعة؟ وأين مائدة الإفطار والحصار يخنقنا والأسعار تفتك بنا؟ وأين صلاة التراويح وقد دمرت المساجد؟ وأسئلة كثيرة جدًا تتحدث عن افتقادنا شهر الصيام وأيامه ولياليه".

تقيم سها في منزلٍ لأقاربها بمدينة رفح منذ شهور طويلة، عندما أُجبرت كما مئات آلاف الفلسطينيين في النصف الشمالي من قطاع غزة على النزوح جنوبًا هربًا من حمم الصواريخ والقذائف. تقول: "اشتقت لبيتي.. في مثل هذه الأيام من كل عام أزينه بزينة شهر رمضان ابتهاجًا بقدوم شهر الخير، فأين نحن من بيوتنا الآن؟ لقد خسرت بيتي وذكرياتي، وحتى مستقبل أيامنا القادمة مجهول، والحرب المجنونة لا يبدو أنها ستتوقف قريبًا".

سها "كائن اجتماعي" كما تصف نفسها، وتتذكر "لمة العيلة والأصحاب" على موائد الإفطار والسهرات الرمضانية، التي غابت تمامًا عن الغزيين في هذا العام الدموي، حيث لم يتبق في غزة منازل أو أماكن للسهر والترفيه، فقد دمرت قوات الاحتلال غالبية المنازل السكنية والمطاعم والمقاهي وأماكن الترفيه في مدينة غزة.

وفرقت الحرب بين سها وعائلتها وأصحابها، وبسبب النزوح الإجباري تقيم هي في مدينة رفح، التي يتوعدها الاحتلال بالاجتياح وعملية عسكرية واسعة. تقول: "أنا هنا في رفح، وباقي أهلي وأصحابي متفرقين في باقي مناطق جنوب القطاع. لم نلتق منذ فترة طويلة، والبعض منهم سافر وغادر غزة بحثًا عن الأمان.. حتى الاتصالات بيننا قليلة بسبب التعقيدات ورداءة الاتصالات والإنترنت".

تدعو سها في كافة صلواتها "أن تنتهي الحرب ويتوقف شلال الدم"، وأن تعود إلى حياتها السابقة، وتقول: "لا أريد إلا النجاة. ليت الحرب تتوقف قبل أن نفقد حياتنا أو نفجع بموت المزيد من الأهل والأحباب".

لكن سها تبدو غير واثقة من قدرتها وغالبية الغزيين على استعادة حياتهم السابقة بسهولة، وقد تركت هذه الحرب آثارها المؤلمة على أجسادهم وأجساد أحبتهم، وعلى منازلهم وشوارعهم وممتلكاتهم، تعقب: "حياتنا كانت بسيطة لكننا تأكدنا من جمالها في هذه الحرب، كم منا يشتاق لصلاة التراويح في المسجد، والمشي على كورنيش البحر، والسهر في ليالي رمضان مع الأهل والأحبة والأصدقاء؟ لقد اغتالت الحرب كل أجواء رمضان".

وتتساءل راوية عوض، النازحة مع أسرتها من بلدة عبسان الكبيرة شرقي مدينة خان يونس بنبرة قهر: "ذكرياتي وما أفتقد في رمضان؟ إنها غصة كبيرة في القلب، ها أنا اليوم أعيش أجواء الصيام في خيمة صغيرة على مقربة من الحدود المصرية في حي السلام بمدينة رفح. ما يدل على رمضان في قطاع غزة هو صيام أهله فقط، ونحن أصلًا في حالة صيامٍ من قبله بسبب الفقر والجوع والعزلة والحصار".

"قبل الحرب كنا في نعمة وأمان داخل منازلنا، ورغم البطالة والفقر وقلة الرزق، إلا أننا لم نكن نسمع عن أحد في غزة لا يجد قوت يومه، أما اليوم فمشاهد المجاعة تدمي القلوب"، بحسب راوية وهي معلمة حكومية اعتادت على مساعدة زوجها العاطل عن العمل في تدبير شؤون أسرتهما.

وتعيش راوية قلقًا من اليوم الذي ستتوقف فيه الحرب وقد خسرت شقتها السكنية ولم يعد لها مأوى. تقول: "ما في حدا بغزة ما ناله نصيب من هذه الحرب الشرسة، أنا خسرت بيتي وفي غيري خسر حياته أو أسرته وكل ممتلكاته".

ولرمضان في حياة راوية ذكريات كثيرة ذهبت مع دمار منزلها، وتوضح أنها في سنوات سابقة كانت تعيش طقوسًا رمضانية خاصة، "فقد كانت لدي زاوية خاصة للصلاة وقراءة القرآن. خسرنا البيت كله جراء غارة جوية إسرائيلية، وجاءنا رمضان ونحن نعيش في خيمة نفتقد فيها للخصوصية التي تحتاجها المرأة في كل وقت وحين، فما بالك خلال هذا الشهر الكريم؟".

ولا تشعر الأم الثلاثينية التي تكنى بأم محمد مع أسرتها بأجواء رمضان التي اعتادت عليها من إعداد مائدة الإفطار بما يحبون من أصناف الطعام التي تساعدهم وتشجعهم على الصيام، وكذلك الاستيقاظ فجرًا لتناول طعام السحور، والتسابق في قراءة القرآن وختمه.

وتقول: "نعيش واحدًا من أصعب الرمضانات وأكثرها حزنًا في حياتنا. جاءنا رمضان هذا العام ونحن في خضم حرب دموية ومدمرة، وحصار وعزلة حادة، وغلاء أسعار فاحش وغير مسبوق، وغالبية الناس ليس بمقدورهم توفير "لقمة العيش"، ويفطرون ويتسحرون على القليل من الطعام.

"وهنا في هذه الخيمة الصغيرة لا تتوفر المساحة للنوم والراحة، ولا يتوفر الهدوء من أجل الصلاة وقراءة القرآن" تزيد، متابعةً: "وفي كل لحظة أتذكر حياتي السابقة، وأيام رمضان المليئة بالحب والدفء والطقوس الجميلة، وصوت صلاة التراويح تصدح بها مآذن المساجد. الآن أين مساجدنا وأين رمضان الذي نعرفه؟ متى نستعيد حياتنا السابقة؟".

وتخبرنا رواية أنها تقوم بالليل خلسةً لتسرق بعض لحظات الهدوء والناس نيام، "أبحث عن أجواء رمضان التي اعتدتها، وأحاول استعادة بعض ما دفنته الغارة تحت أنقاض منزلي المدمر".

تتوضأ السيدة وتصلي بضع ركعات ممزوجة بكثير من البكاء والدعاء لله بأن تتوقف هذه الحرب الشرسة، وأن تعود وكل النازحين إلى حياتهم الطبيعية بلا خوف أو قلق أو تشرد ونزوح.

كاريكاتـــــير