شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م00:11 بتوقيت القدس

"في بيتي مُدمن".. وما خفيَ أعظَم!

29 يناير 2023 - 15:17

شبكة نوى، فلسطينيات: الحكاية بدأت عندما مدّت "ربا" يدها صباحًا -عن غير قصدٍ- تحت الوسادة، لتخرُج وقد التقطت شريط دواء.

السيدة العشرينية كانت على يقينٍ بأن زوجها سليمٌ جسمانيًا منذ تزوّجا قبل خمس سنوات، وأن هذا الدواء ليس للصداع ولا للأنفلونزا، ولا لأي مرضٍ عارض، "اللهم إلا أن نفسيته تأزمت منذ عدة أشهر بسبب مشكلاتٍ في العمل حسب ما يقول، فصار عصبيًا يضرب ويشتم دون وعي".

حملت طفلها ذو الأعوام الثلاثة، وذهبت إلى الصيدلية في الأسفل لتُباغتها الصفعة: "هذا شريط مخدّر"!

ابتلعت غصّتها وغادرت تجرُّ وراءَها أذيال خيبتها، "فهذا الشريط يبدو تفسيرًا منطقيًا لكل ما يحدث منذ وقت: هجوميته الكبيرة، وتعنيفه المستمر، وحتى حالة الاسترخاء الغريبة التي تصيبه ليلًا".

"يبدو أنه نسي رفع الشريط يومها. الله أراد أن أعرف الحقيقة" تقول لـ"نوى".

واجهَتهُ يومها، لكنه باغتها بصفعاتٍ سريعة، ولكَماتٍ على البطن والوجه، وقسمٍ معظّم بالطلاق، وحرمانها من ابنها في حال أخبرت أحدًا.

استمر الحال عامًا حتى لم تعد تحتمل. حال زوجها تدهور في عمله، وبات مهددًا بالفصل، بينما راتبه -المقطوع أصلًا- يضيع على "مزاجه". صار لديه خلل واضحٌ في التفكير، وتطرفٌ في المزاج والعصبية، واضطرابات في النوم، وإهمال للمظهر العام، وتفضيلٌ للعزلة. وهي.. مسكينةٌ تنظر إلى عيني طفلها بلا حولٍ ولا قوة، تتفادى المجابهة "كرامةً لبقائه في حضنها"، لكن ذلك لم يكفِه!

تضيف: "باع مصاغي الذهبي دون علمي، وهنا بدأتُ أعترض. أخبرته بأنه حرُّ بماله وإن لم يطعمنا، وليصرفه على السم إن أراد، لكن عليه أن يرد حقوقي ومقتنياتي على الفور". عن نفسها كانت تتوقع الرد، ومن ناحيته فلم يخيّب ظنها أبدًا.

نُقلت "ربا" إلى المشفى في حالةٍ صعبة، كدماتٌ وكسور في اليدين، وخدوشٌ على الوجه والرقبة، وحسب ما طلب والدها، فقد أخبرت الأطباء بأنها وقعت عن الدرج في بيت صديقتها "تجنبًا للفضيحة"، ولأن "شاءت أو أبت، فمرجعها لبيت زوجها" حسب تعبيره، "أما التغيير فمعه معه يصير"!

وبالفعل، عادت معه برفقة "وعودٍ بالتغيير" لم تتحقق، رغم مرور ثلاث سنواتٍ على الحدَث.

"ربا" ليست الوحيدة التي تقف اليوم في مفترقٍ لا تُحسد عليه: لا هي قادرة على الترك، ولا على البقاء. لا الزوجٌ سند، ولا الأهل حضن! "والخياران أحلاهما مر"، وهذا ما يقود إلى التساؤل عن الحل؟

تقول آيات أبو جياب الأخصائية النفسية في مؤسسة عايشة لحماية المرأة والطفل، أن الأسرة هي الحاضنة وهي مصدر الأمان والثقة والدعم النفسي والاجتماعي للفرد، وحينما يقع الأب وهو مصدر الأمان والسند والداعم الأقوى للزوجة والأبناء في بؤرة الإدمان، تصبح الأسرة في دائرة الخطر، سيما وأن هذا الأب  المدمن، يصبح بحاجة ملحة لتوفير الجرعة، مزاجه متقلب، يستخدم العنف تجاه الزوجة وبالتالي  هنا نحن أمام أمرين، إما أن تكتمل دائرة العنف من الزوجة الهشة للأطفال، ومنهم للأقران، أو أن تنعكس حالة العنف الممارس بحق الزوجة على سلوكيات هؤلاء الأبناء وتتسبب بمشاكل اجتماعية ونفسية لدى الأبناء".

وبالإشارة لهذا الموضوع تحديداً، تشير أبو جياب أن المؤسسة وخلال عملها مع الجانحين من الأطفال لاحظت أن عدد منهم هم أبناء لمدمنين، ما يعني أن وجود الأب المدمن قد يؤدي لجنوح الأطفال نحو الانحراف، وقد يصل الحال بهم للإدمان".

وفي ذات الإطار ومن خلال المتابعات تقول:" في بعض الأوقات يلجأ الأزواج لمحاولة إجبار زوجته على تناول ذات العقاقير المخدرة، بحجج مختلفة قد تكون أحدها أن هذه العقاقير تمنحهم السعادة والمتعة".

وهنا والحديث لأبو جياب:" قد تكون الزوجة واعية لكل هذه التفاصيل ولا ترضخ لهذه المحاولات، حتى لو تعرضت للعنف من قبل الزوج".

تلفت أبو جياب أن المدمن في بداية الإدمان يعتقد أن هذه العقاقير مصدر للسعادة، أو المتعة ويحاول إقناع زوجته بذلك، خاصة أن بعض العقاقير، تعمل على إطالة العلاقة الحميمية، ويشعر بسعادة وهمية، دون أن يدرك أن هذه الحبوب ما هي إلا تدمير للعقل، والجسم.

وتشدد أبو جياب أن الإنسان في حالة الإدمان يكون خارج دائرة المنطق والعقل، ولا يجب بالمطلق أن تتجاوب أي زوجة لمحاولات زوجها إيقاعها في براثن الإدمان بأي مبرر كان، وألا تخضع أو تلتزم الصمت، لأن هذا الشخص حتى وإن لم يكن مؤذياً،

وفي توصيف أبو جياب لحالة الزوجة عند اكتشاف إدمان الزوج تقول:" تتعرض الزوجة لحالة من الصدمة وقد تصبح في حيرة من أمرها خاصة لو كانت على غير دراية بكيفية وطرق المساعدة في مثل هذه الحالة".

تشير أبو جياب إلى أن ردود أفعال السيدات قد تكون سلبية، لأنها لا تملك المعرفة بوجود مؤسسات مختصة يمكنها أن تقدم المساعدة والدعم، وآخريات قد يمنعهن الخوف من الوصمة، وأحيانا لا تستطيع الوصول، ومن هنا تنبع أهمية الخط المجاني الساخن الذي يمكن من خلاله إرشاد السيدة لكيفية التصرف وفق الحالة.

وهنا ترى أبو جياب المؤسسات المختصة، يجب أن تواصل برامجها التوعوية للنساء بآليات طلب المساعدة، ومنها الاتصال على الخط المجاني، أو التوجه لأكثر الأشخاص قرباً وطلب المساعدة، أو التوجه بشكل مباشر لإحدى المؤسسات المختصة في هذا المجال لتقديم المساعدة والإرشاد لكيفية التصرف.

ولفتت أبو جياب أن مؤسسة عايشة لديها برنامج تدخل خاص، وبمجرد استقبال مثل هذه الحالات تقوم بعمل تقييم لاحتياجات السيدة، وتحديد درجة الخطورة ومن ثم تحديد آليات التدخل المناسبة، التي تتراوح ما بين تقديم الدعم والتمكين الفردي، والاقتصادي والقانوني، ناهيك عن الدعم الأسري، الذي يختص بتقديم الدعم والمساعدة للزوجة وأيضاً توعيتها بآليات تقديم المساعدة للزوج المدمن، موضحة أن المؤسسة تقدم الدعم النفسي للمدمنين بالتزامن مع العلاج الدوائي، والذي يتم داخل المؤسسات المختصة، مؤكدة أن المرأة في مثل هذه الحالة يجب عليها أن تكسر حاجز الصمت، وتبذل كل جهدها لتصل للجهات المختصة القادرة على تقديم الدعم والحماية " من المهم أن توقف الصمت وأن تملك الوعي بأنها داخل دائرة الخطر الذي يمكن أن يصل للتهديد بالقتل ، تقدمي خطوة نحو الخلاص" تختم.

كاريكاتـــــير