شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 ابريل 2024م07:08 بتوقيت القدس

"بيت مرسم".. غبار الإهمال يغزو "مهد التاريخ"

17 يناير 2023 - 14:50

شبكة نوى، فلسطينيات: وكأن اتصالنا به خلّصه من "ذنبٍ" كان يعذّبه، "كونه لا يستطيع فعل شيءٍ من أجل بلدته التي ينهشُ قلبها الاحتلال على مرأى العالم ومسمعه"!

علي أبو عرقوب، مدرس الجغرافيا المتقاعد في بلدة بيت مرسم قضاء "دورا" بمحافظة الخليل، بدأ حديثه عن قريته "بيت مرسم"، وهو يحاول كتم غصّته، "فهي بلدة أثرية بامتياز، تعج بالآثار والكنوز التاريخية، لكنها للأسف تعاني الإهمال، وسوء الحال" يقول.

في بيت مرسم، لا مستشفى حكومي يعمل على مدار الساعة، ولا مدرسة ثانوية تضمن عدم تسرب الطلبة منها "حيث يضطرون للذهاب إلى مدارس بعيدة للغاية في القرى المجاورة"، ولا شوارع رئيسة تربط القرية بغيرها من القرى.

يضيف أبو عرقوب: "لدينا عيادةٌ واحدةٌ للأمومة والطفولة، وفي أوقات الطوارئ يبعُدُ أقرب مركزٍ صحيٍ عنا قرابة 20 كيلو مترًا"، ملفتًا إلى أن ما يزيد على 95% من أراضيها تم اقتطاعها أثناء ترسيم الحدود عام 1947.

ويبلغ عدد سكان البلدة اليوم 500 نسمة، وفق الأستاذ علي، "ذلك بفعل هجرة الكثيرين بسبب ابتلاع جدار الفصل العنصري جزء آخر من أراضيها"، فالمساحة الكلية للبلدة اليوم -والحديث له- لا تتعدى 400 دونم، من أصل 15 ألفًا.

كثيرة هي الطلبات التي أرسلها سكان البلدة، من أجل تعبيد شوارع رئيسة تربط بين البلدة وأختها "بيت الروش". يعقب أبو عرقوب:" نطالب منذ ما يزيد على عقدين، لكن لا مجيب حتى اليوم. وكأننا بقعة منسية من الأرض".

يضيف: "هذا النقص في الخدمات تعاني منه بيت مرسم، وغيرها من القرى المجاورة، مثل قرية السكّة، والمرج، والمجد، وبيت الروش التحتا، وبيت الروش الفوقا"، وعلى صعيد التعليم أكمل حانقًا: "لا يوجد في البلدة سوى مدرسة واحدة، للصف التاسع، وبعد ذلك يكون أبناء البلدة أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن يتركوا الدراسة، أو أن يضطروا للانتقال إلى المدارس الثانوية في القرى المجاورة، وأقرب هذه القرى تبعد عن بلدتنا ما يزيد على 2 كيلو متر".

وتعد بيت مرسم من أهم المناطق الفلسطينية التي تشهد توالي العصور فوق أرضها على مدار آلاف السنين. يتابع أبو عرقوب: "بناها الساميون قبل 6000 عام، عندما قدموا من شبه الجزيرة العربية في بلاد الشام، لتأسيس القرى والمدن والممالك، وحملت العديد من الأسماء أشهرها: بيت سفر، أو تل سفر، بمعنى "مخزن الكتب أو المدرسة أو الجامعة"، أو مدينة العلم، وأُخذ الاسم من كلمة "أسفار" التي وردت في القرآن الكريم".

ومن أسماء القرية: دبيع، بمعنى المقدسة، لكونها كانت مركزًا لتعليم الديانة الكنعانية، وعُثر فيها على قطع تعود لعشتروت التي كانوا يعبدونها آنذاك، إلى جانب اسم "بيت سِنا" بمعنى مدينة غصن النخيل.

وتعرضت بيت مرسم لعدد من الغزوات، سواءً في العصر الروماني أو البيزنطي، وبها آثار تعود للعصر الفينيقي، وقبور كنعانية على هيئة كهوف استُخرجت منها أكثر من ألف قطعة فخارية، "وهناك أيضًا قبور تعود للعصر البرونزي" تزيد.

ولفت أبو عرقوب إلى أن المعالم الأساسية في "بيت مرسم" أبقاها جدار الفصل العنصري في الخلف، لفصلها عن البلدة، "فمساحة أراضي البلدة الأصلية تصل إلى الخط الواصل بين بئر السبع والفالوجة، وتمتد حتى بداية السهل الساحلي" يكمل.

وضمن محاولات الاحتلال الإسرائيلي طمس كل ما يتعلق بالآثار التي تنسف الادعاءات الإسرائيلية بالوجود التاريخي لليهود فوق أرض فلسطين، نفذت دائرة الآثار الإسرائيلية حفريات عديدة في البلدة، وبعد أن اكتشفت أحد المباني الأثرية "وكان الطابق الأرضي فيه عبارة عن مسجد وبه محراب، والثاني كنيسة مرصعة بالفسيفساء وأشكال ملونة تحمل هيئة طيور ومختلف أنواع الحيوانات، غطّاه بأكياس رملية وبلاستيكية بارتفاع ثلاثة أمتار ليطمسوه"، معربًا عن أسفه لعدم اهتمام وزارة السياحة والآثار بالكنوز الأثرية الموجودة فيها، التي تؤرخ لكافة الحقائب التاريخية التي مرت على فلسطين، "ولا أدري أهذا لنقصٍ في الموارد، أولخلل في المعلومات لدى الوزارة بهذا الشأن".

يعدد أبو عرقوب كنوز بيت مرسم الأثرية بشغف، فيقول: "هناك قبور من العصر الحجري، والكنعاني، والبرونزي، وآبار وبنايات من العصر الروماني، وصهاريج وغدران محفورة في الصخور، ولا ينسى معصرة الزيتون القديمة، المكونة من حجر البد الذي كان يجره الحصان.

بحسب أبو عرقوب يبدأ مسار فلسطين التاريخي والأثري من رمانة في جنين، وينتهي في بيت مرسم، وتؤمه الكثير من المسارات السياحية سنويًا، مناديًا بمزيدٍ من الاهتمام بآثار القرية، "كدليل تاريخي على أحقية الوجود فوق هذه الأرض" يختم.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير