شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م08:16 بتوقيت القدس

رغم الإجراءات المشددة..

"كرم أبو سالم" بوابة مخدرات لغزة

03 اكتوبر 2022 - 13:49

تحقيق: محمد الجمل ومحمود فودة

خلال عمليات تفتيش، نفذتها شرطة مكافحة المخدرات في معبر كرم أبو سالم التجاري، مع قطاع غزة، ضُبطت كميات كبيرة من حبوب "كبتاجون" المخدرة (روتانا) وفق التسمية المحلية، مخبأة بطريقة احترافية داخل حاويات تحتوي على ملابس، جرى استيرادها من الخارج إلى القطاع.

الكمية التي وُصفت بالأكبر منذ بداية العام 2021م، بلغت 35 ألف حبة مخدرة، تعمّد التاجر "ن"، وبالتعاون مع شركاء خارج غزة، تهريبها إلى القطاع، عبر إخفائها بإحكام داخل الملابس.

جرى استدراج التاجر، عبر الطلب منه المجيء للمعبر من أجل استلام بضاعته، وفور وصوله تم إلقاء القبض عليه، ومن ثم تحويله للنيابة العسكرية، حيث لا يزال مسجونًا على خلفية القضية، منذ شهر يوليو/تموز من العام الماضي، وحتى الآن.

"ن"، واحد من 134 متهمًا بالجلب والمتاجرة في المواد المخدرة، اعتُقلوا لضلوعهم بالتهريب عبر منافذ حدودية، من ضمنها كرم أبو سالم، وبعضهم تعمدوا إخفاءها إما وسط ملابس، أو بين مواد غذائية، أو أثاث، أو أحشاء حيوانات، وحتى داخل ألعاب أطفال، منذ بداية العام الجاري حتى الآن، بواقع 60 قضية مسجلة، وفق بيانات حصل عليها معدا التحقيق من النيابة العسكرية بغزة.

ووفق المقدم أحمد الشاعر، مدير دائرة مكافحة المخدرات في الموانئ والمعابر الحدودية، فإن معبر كرم أبو سالم أصبح ضمن المنافذ التي يتم تهريب المخدرات من خلالها، إذ يستغل المهربون أعداد شاحنات البضائع التي تدخل القطاع يومياً وفي ساعات قصيرة (400-600 شاحنة)، "ويخفون السموم بداخلها".

شبكة دولية

وقال الشاعر، الذي رافق معدا التحقيق في جولة داخل المعبر، لمشاهدة كميات البضائع التي تصل وطرق تفتيشها: "إن عملية تهريب ونقل المخدرات إلى غزة، عبر معبر كرم أبو سالم تتم عبر شبكة لها أفرع في عدة دول، فالمخدرات (خاصة عقار كبتاغون) أو كما تسمى محليًا "روتانا"، يتم تصنيعها في إحدى الدول خارج فلسطين، ثم تنقل إلى دولٍ أخرى، بعد ذلك يتم وضعها في بضائع تجارية قادمة إلى غزة، بواسطة شركاء لبعض التجار يتواجدون خارج القطاع، ويقومون بنقلها إلى موانئ الاحتلال، وعند وصولها، يتم نقلها إلى مستودعات شركات النقل والشحن، إذ يتم شحنها، ومن ثم نقلها إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم".

وتتولى شركات نقل وشحن مخصصة عمليات نقل البضائع الخاصة بالتجار من بلاد المنشأ إلى القطاع، مثل تركيا، أو بلدان أوروبية، وهذه الشركات تتولى عمليات الشحن، والتفريغ في الموانئ، ثم نقل البضائع عبر شاحنات تمتلكها إلى المعبر، وفي حال تم ضبط المخدرات داخل البضائع، تتبادل شركات النقل والتجار والموردين الاتهامات حول مسؤولية وضع المخدرات وهويتها، "وحينها تبدأ الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والنيابة العسكرية في أخذ الإجراءات القانونية، والتحقيق في القضية منذ اللحظة الأولى، وحتى الوصول إلى المسؤول عن المخدرات المضبوطة في البضاعة" حسب الشاعر.

ويضيف: "أحيانًا تكون بعض القضايا معقدة، وبها أكثر من طرف، كأن يستخدم بعض التجار الصغار أسماء تجار كبار لهم سجلات تجارية، فيجلبون بضائع عبر المعبر، فيما يعرف بالشحن الجزئي عبر الشركات، وهو أن يستورد تاجر بضاعة لصالح تاجر آخر، مستغلين إرسال تلك البضائع مثل الشوكولاتة، أو مواد غذائية أخرى، أو موبيليا، أو غيرها.

وفي حال لم يعترف أحد بالمسؤولية عن المخدرات، تتولى النيابة العسكرية التحقيق مع جميع الأطراف، سواءً التاجر، أو شركة النقل، ويتم مراجعة العقود، وأذونات الاستيراد، ونوعية البضاعة، وبلد المنشأ، وكل ما يتعلق بالأمر، حتى يتم إثبات صاحب الجُرم، فيتم توقيفه، وفي حال كان صاحب الشركة "التاجر" لا يعلم، وجرى استغلال بضاعته لدس السموم فيها، لا يقع عليه جرم، ويتم إخلاء سبيله.

تمامًا هذا ما حدث مع التاجر "س" من غزة، إذ قام صاحب شركة النقل بدس مخدرات داخل الأثاث بالاتفاق مع طرف ثانٍ خارج القطاع، دون علم صاحبها، وقد أثبتت النيابة ذلك، وجرى إخلاء سبيل التاجر، وإعادة الأثاث له، لأنه غير متورط، لكن في حال ثبت من خلال التحقيقات أن التاجر متورطٌ بإخفاء السموم داخل بضاعته، تُصادرُ بصورة نهائية.

ووفق شرطة مكافحة المخدرات، فقد جرى عقد لقاءات مع شركات النقل والشحن، وتثقيفهم وتوعيتهم بما يحدث، وتحذيرهم من الوقوع في استغلال تجار المخدرات دون العلم، وتوضيح عواقب عمليات التهريب، والتأكيد لهم على ضرورة تفتيش البضائع قبل نقلها، وإبلاغ الجهات المختصة بذلك، في حال وجدوا شيئًا في البضائع، مع ذكر الموقع الجغرافي الذي ضُبِطَت فيه، سواءً داخل فلسطين أو خارجها.

جلسات استماع ومساءلة

وتعقد لجنة الداخلية والأمن والحكم المحلي بالمجلس التشريعي، جلسات استماع ومساءلة دورية مع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بالشرطة، للاطلاع على جهودها في منع وصول وانتشار آفة المخدرات.

وكان أبرز تلك اللقاءات، الذي عقد في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، بحضور مقرر لجنة الداخلية النائب د.مروان أبو راس، وعضو اللجنة النائب د.سالم سلامة، وعن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات مديرها العقيد أحمد القدرة، واستمعت اللجنة لشرح مفصل عمن عمل الإدارة، والتي تتابع العديد من المنافذ من أجل منع تهريب المخدرات للقطاع، خاصة معابر كرم أبو سالم وبيت حانون ورفح.

وأكد مدير الإدارة العامة للمكافحة العقيد القدرة أن قطاع غزة مستهدف من قبل العديد من الجهات، التي تحاول تنفيذ مخططاتها التي فشلت فيها خلال العدوان والحرب، من خلال محاولة إغراق القطاع بالمخدرات التي تؤثر على العقل والتفكير وبالتالي ترفع نسب الجريمة في المجتمع، وأن إدارة المكافحة ورغم قلة الامكانات تسعى جاهدة لمنع دخول السموم للقطاع.

وشدد القدرة على ضرورة رفد الإدارة بالمعدات والكوادر للاستمرار في الحفاظ على أمن وسلامة الجبهة الداخلية.

لكن النائب عن كتلة التغيير والاصلاح في المجلس التشريعي بغزة يحيى موسى، أكد أن المجلس عبر لجانه المختلفة أولى قضية انتشار آفة المخدرات في المجتمع أهمية كبيرة، خاصة ما يتعلق بعمليات جلبها وتهريبها من الخارج، وهذا تم عبر أمرين الأول تعديل وتطوير منظومة القوانين، والثاني من خلال عمل لجان الرقابة والمتابعة المستمر، والتي تعقد جلسات استماع ومساءلة مع المسؤولين، وتنفذ زيارات ميدانية للمواقع.

وبيّن موسى الذي ترأس لجنة الرقابة العامة في المجلس التشريعي لعدة سنوات، أن اللجان المختصة زارت المعابر، خاصة معبر كرم أبو سالم، واطّلعت على سير العمل، وخاصةً بما يتعلق بعمل فرق مكافحة المخدرات، وقدمت توصيات محددة، تتعلق بأمرين، الأول تطوير الكادر البشري، وجلب أجهزة تفتيش "X-RAY"، وبالفعل تم تطوير الكادر البشري، وتدريب العناصر، ورفع كفاءتهم، وتزويدهم بعدد من الكلاب البوليسية المدربة، مستدركًا: "لكننا صدمنا بمشكلة منع الاحتلال وصول الأجهزة المذكورة، رغم تبرع دول بها، وجرى الحديث مع دول صديقة، مثل قطر، ومصر، وتركيا، وجرت مساعي كبيرة في هذا الأمر، لجلب جهاز تفتيش للبضائع على غرار الموجود في الجانب الإسرائيلي من المعبر، وهذا الجهاز من شأنه  كشف محاولات التهريب مهما كانت صغيرة، لكن حتى الآن يوجد رفض إسرائيلي قاطع، رغم كل المحاولات".

وبحسب اعتقاد موسى فإن زيادة الكادر البشري أمر لن يحل المشكلة، فاللجان اكتشفت أن الاحتلال يسمح بدخول مئات الشاحنات في وقت قصير، "ولا يمكن تفتيشها جميعًا، حتى لو جلبت جيشًا كاملًا، لذلك يتم اتّباع طرق تفتيش محددة، إما عبر الانتقائية، أو من خلال معلومات واردة، أو غيرها من الطرق الخاصة بعمل رجال المكافحة، وهم يحققون انجازات مهمة في عملهم" يضيف.

وحول تطوير القوانين، التي جرى إقرارها مؤخرًا، لم يخفِ موسى وجود حساسية لدى المجلس التشريعي من عرض مدنيين على قضاء عسكري، "لكن لدواعي المصلحة العامة، وتحقيق الردع، وتشديد العقوبات على كبار التجار، جرى فعلًا إقرار بعض القوانين ذات العلاقة" يتابع.

وعلم معدا التحقيق أنه ولأسباب سياسية وأمنية، لم يتمكن طواقم من شرطة مكافحة المخدرات من السفر لدول متقدمة، من أجل تلقي دورات وتدريبات لإكسابهم مهارات الكشف عن المخدرات ومواكبة التطور في هذا المجال، خصوصًا أن جرائم المخدرات من أكثر الجرائم تطورًا وتسارعًا في العالم.

توصية هامة

وأصى تقرير صادر عن لجنة الداخلية والأمن والحكم المحلي بشأن المخدرات في قطاع غزة، صدر في شهر يناير من العام الجاري، بزيادة عدد عناصر الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، وتعزيز الإمكانيات اللوجستية لها، وتخصيص امتيازات خاصة لمنتسبي الإدارة العامة لمكافحة المخدرات تشمل حوافز وعلاوة مخاطرة.

كما أوصى ذات التقرير بتشديد الرقابة على الحدود البحرية والبرية، واعتبار الجرائم المضبوطة بأنها جرائم مركبة، تجتمع فيها جريمتا التهريب والإتجار بالمخدرات، لتوقيع أقصى العقوبات على المجرمين، مع التأكيد على العمل لتوفير أجهزة فحص حديثة على المعابر.

ولم يحصل معدا التحقيق على أي تعليق رسمي حول التوصية الصادرة عن المجلس التشريعي بغزة، بشأن زيادة عدد العاملين في شرطة مكافحة المخدرات، رغم التوجه لأكثر من جهة حكومية في القطاع.

منذ بداية العام 2020 حتى الآن جرى ضبط ما يزيد على ربع مليون حبة مخدرة من مختلف الأنواع، إضافة لكميات كبيرة من مخدر الحشيش، والمارغوانا، وأنواع أخرى، خلال محاولات تهريبها وسط بضائع من خلال معبر كرم أبو سالم الحدودي، وفق بيانات حصل عليها معدا التحقيق من جهات الاختصاص.

بينما بلغت المضبوطات على المعابر التجارية والحدود منذ بداية العام الجاري حتى الآن: 7675 حبة مخدرة من عقار "ترمال"، 1825 حبة من مخدر "اكستازي" المحظور، 6273 جرام بانجو، 662 حبة لاريكا، 202 كيلو حشيش، 163122 حبة روتانا "كبتاجون".

وحسب الشاعر: "إن كل فلسطيني مقيم خارج فلسطين، وعليه اعترافات بأنه كان جزءًا من عملية تهريب المخدرات لغزة، يصدر بحقه أمر توقيف، ويُدرج اسمه على المعابر، وفي حال عاد للقطاع يتم احتجازه، وتصدر بحقه مذكرة للقبض عليه، وعلى جميع الأطراف المشاركة في عملية نقل المخدرات".

تحدٍ كبير

تعدُّ المعابر التجارية من أكبر التحديات لإدارة مكافحة المخدرات بغزة، فكميات البضائع الكبيرة التي تصل من معبري رفح وكرم أبو سالم، لا تتناسب مع الإمكانات المحدودة الموجودة، ما يصعب عمليات تفتيش وتدقيق كل شيء يصل، فالطاقم البشري محدود، والامكانات متواضعة، رغم ذلك يتم تحقيق إنجازات كبيرة.

عايش معدا التحقيق إحباط محاولة تهريب آلاف الحبوب المخدرة كانت في طريقها للقطاع، فوفق إفادة الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بغزة، تواصل أحد التجار من مدينة الخليل مع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بقطاع غزة، ليبلغ عن وجود مخدرات مخبأة داخل أثاث في طريقها للقطاع عبر معبر كرم أبو سالم، وقد طلبت شرطة المكافحة بغزة من التاجر المذكور التواصل مع شرطة مكافحة المخدرات في مدينة الخليل، وإبلاغهم بالمعلومات المتوفرة لديه، وبالفعل تم ضبط الشحنة، وكانت عبار عن 2157 حبة يشتبه أنها حبوب الكبتاجون المخدرة، كانت مخبأة داخل شحنة أثاث معدني قادمة من تركيا، وفق تصريحات عامة أدلى بها لاحقا المتحدث باسم الشرطة في الضفة الغربية العقيد لؤي ازريقات.

التسليم المراقب

في حال كان صاحب البضاعة مجهول، تلجأ شرطة مكافحة المخدرات بالتنسيق مع النيابة العسكرية لما يعرف "التسليم المراقب"، إذ تسمح للبضاعة بالمرور، مع مراقبتها، إذ يقول المقدم الشاعر إن معلومات مؤكدة وردتهم تفيد أن شحنة كبيرة من مخدر "الماريجوانا" سيتم تهريبها لقطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم عن طريق إخفائها داخل أكياس من البقوليات.

وبيّن الشاعر أنه تم تشديد إجراءاتهم داخل المعبر، وعند وصول الكمية المرصودة تم السماح لها بالمرور بهدف الكشف عن الأشخاص المتورطين في تهريب الشحنة والمرسلة لهم، بإذن من إدارة مكافحة المخدرات، وبإشراف قضائي من النيابة العسكرية، تطبيقاً لنظام التسليم المراقب.

ولفت الشاعر إلى أنه تم رصد الشحنة بعناية ورقابة شديدة، وعند وصولها لأصحابها الذين قاموا بتهريبها تم تكليف مكافحة مخدرات خان يونس بإلقاء القبض على المهربين، وضبط الكمية المهربة، وجرى إحالتهم والمضبوطات للنيابة العسكرية.

في شهر آذار من العام الجاري، أحبطت شرطة مكافحة المخدرات تهريب  كمية كبيرة من العقاقير المخدرة، مخبأة داخل حاوية ملابس، كان التاجر "م-ف"، يحاول إدخالها للقطاع.

ووفق دائرة شرطة المكافحة فقد تمكن العاملون من ضبط الحبوب المخدرة من نوع "روتانا"، أثناء محاولة تهريبها، ويبلغ عددها 6500 حبة مخدرة، مخبأة ضمن شُحنة ملابس.

وبعد متابعة المهمة لمدة 72 ساعة؛ من أجل ضبط صاحب المادة المخدرة، حيث جرى استدعائه بشكل روتيني من دوائر الجمارك لاستلام الشحنة، دون أن يعلم أن أمر التهريب تم كشفه، وعند وصوله للمعبر تم ضبطه وتوقيفه، وإحالته للنيابة، وبعد التحقيق الأولي مع المذكور، اعترف أنه تم ارسال الممنوعات من قبل أحد مروجي المخدرات، وهو هارب ومطلوب على عدة قضايا سابقة للقضاء العسكري.

وتقول شرطة مكافحة المخدرات: "إن لديها قائمة ببعض أسماء أشخاص متورطين في ارسال المخدرات لغزة، يقيمون في دولاً عدة، لكن للأسف رفض الانتربول الدولي التعاون معها، يجعلها عاجزة عن ضبط وإحضار هؤلاء الهاربين، مضيفاً أن مكافحة المخدرات تواجه تحدي آخر يتمثل في التعاون الدولي لضبط المطلوبين لديها أو الابلاغ عن سير شحنات المخدرات بالطريق إليها بهدف ضبط التجار والمروجين.

الاحتلال شريك في الجريمة

وأكد الشاعر أن الاحتلال الاسرائيلي يغض الطرف عن المخدرات، التي يراها عبر الأجهزة المتطورة، الموجودة في الشق الآخر من معبر كرم أبو سالم، وهي أجهزة قادرة على كشف أي شيء ممنوع دخوله إلى غزة، مهما بلغ حجمه أو طريقة تهريبه.

ووفق الشاعر لم يترك مهربون وتجار مخدرات طريقة إلا واستخدموها لإنجاح التهريب، واستخدموا طرقاً لا يمكن تخيلها، كإخفاء المخدرات في الموبيليا، وفي الملابس، ودخال أحشاء حيوانات مجمدة "كرشة"، ووضعها في أكياس البقوليات، وفي ألعاب الأطفال، وغيرها.

اختصاص النيابة العسكرية

وفيما يخص الإجراءات القانونية المتبعة من قبل النيابة العسكرية، بخصوص قضايا التهريب وجلب المواد المخدرة عبر الحدود، أو الموانئ، أو المعابر الفلسطينية، أكد المدعي العام العسكري دكتور رامي صالح، أن النيابة العسكرية متخصصة بالتحقيق في جرائم سواء كان مرتكبها يحمل الصفة العسكرية أو المدنية، وفق اختصاص القضاء العسكري، وفق ما نص عليه قانون العقوبات الثوري، والقوانين الأخرى ذات العلاقة، حيث يتم تحديد الاختصاص وفقاً لمعايير الاختصاص، الشخصي "الصفة العسكرية"، والموضوعي ومثال على ذلك الجرائم الموضوعية التي تحمل صفة "أمنية"، والمكاني "معابر وحدود"، ومواقع عسكرية، وبما أن المعابر والموانئ والحدود تعتبر مناطق عسكرية مغلقة، فإن تهريب المخدرات عبرها، يخضع ضمن اختصاص النيابة والقضاء العسكري، حتى وإن كان مرتكب الجرم مدنيا، وفق لما نصت عليه المادة 17 من قانون القضاء العسكري المعدل للعام 2020، حيث اختصاص القضاء العسكري في الجرائم التي تقع في كافة الأماكن والمحلات التي تشغلها قوى الأمن.

وكذلك وفقاً لما نصت عليه المادة 72 من قانون القضاء العسكري للعام 2008، وتعديلاته للعام 2020، والتي قالت: "مأمور الضبط القضائي، يختص بتفتيش الداخلين والخارجين من الحدود والموانئ، ضمن المناطق العسكرية، والتي تدخل ضمنها مسافة 500 متر من المناطق الحدودية، مع الاحتلال شرق وشمال القطاع، بما يشمل من يحاولون التسلل الى داخل المناطق المحتلة عام 1948، وكذلك المناطق الشرقية من حدود قطاع غزة مع مصر، ويشمل أيضا أنفاق التهريب حال وجدت.

وأضاف المدعي العام العسكري، قبل تعديل القوانين ذات العلاقة عام 2020، كانت النيابة العسكرية تنظر في قضايا تهريب المخدرات حسب الكميات، "أكثر من 5000 حبة مخدرة"، أو 5 فروش حشيش وما أكثر، يدخل ضمن اختصاص النيابة العسكرية، بعض النظر عن مكان ضبطها، لكن بعد التعديلات الجديدة للقانون، أصبح تهريب المخدرات عبر المعابر والمناطق العسكرية يدخل ضمن اختصاص النيابة العسكرية فقط، أما التحقيق بقضايا مخدرات تضبط داخل القطاع، فهو من اختصاص النيابة المدنية، إلا إذ ثبت أن أصلها تم عبر التهريب من مناطق تصنف أنها عسكرية "معابر، حدود، أنفاق" ، وهذا يخضع ضمن الاختصاص المكاني للنيابة العسكرية، التي يكون لها الاختصاص في التحقيق في هذه القضايا.

كما أكد الدكتور صالح على استحداث تشكيل نيابة عسكرية متخصصة، أعضائها وكلاء ومعاونين نيابة مدربين ومتخصصين في التحقيق بجرائم المخدرات، لهم السلطات في تحريك ومباشرة الدعاوى الجزائية.

ويضيف الدكتور صالح أن مأمور الضبط ويخص بالذكر ضباط المكافحة وإداريين ميدانيين، ولهم صفتين الأولى مأمور الضبط الإداري، والثانية مأمور الضبط القضائي، بحيث أنه في الأولى تكون تبعيته لمسئوله المباشر، ووظيفته قبل وقوع الجريمة وهو إجراء وقائي، أما الثانية فتكون تبعيته للمدعي العام العسكري الذي هو رئيس الضبط القضائي، تكمن وظيفتهم بعد وقوع الجريمة وذلك وفقاً للقانون.

ويضيف أيضاً هناك مرحلة تمهيدية تسبق بدء الدعوى الجزائية، والتي اعتبرها فقهاء القانون أهم مرحلة في تكوين الملف الجزئي، وفق صالح، إذ يختص فيها مأمور الضبط القضائي بجمع التحريات، والاستدلالات، واستقصاء الجرائم، والبحث عن مرتكبيها، وجمع أدلة الإثبات بحقهم، بحيث يتم إصدار أوامر قبض وتفتيش من وكيل النيابة العسكرية، بناء على محاضر استدلال ومعلومات موثوقة، وردت لمأمور الضبط "شرطة المكافحة"، وبعد الضبط يتم إحالة المواد المخدرة، والمتهمين، الى النيابة العسكرية، التي تستكمل الإجراءات القانونية بحقهم.

وأكد الدكتور صالح أن توقيف المشتبه لدى الشرطة المراد تحويله للنيابة المدنية حدده القانون بمدة معينة يجب أن لا تزيد على 24 ساعة، يتبعها إما تحويل للنيابة أو إطلاق سراحه، لكن في حال كان يراد تحويل المتهم للنيابة العسكرية، يجوز لعضو الضبط القضائي العسكري  توقيفه لمدة 48 ساعة، وهذا يعود لطبيعة الجرائم المرتكبة في مناطق عسكرية، أو اختصاص النيابة العسكرية، وأن هذه المدة أجازها المشرع لمأمور الضبط القضائي، لسؤال المشتبه بهم، والمتهمين وسماع أقوالهم، وفي حال عدم الاقتناع بأقوالهم، يجب إحالتهم للنيابة لاتخاذ المقتضى القانوني.

بعد إحالة المتهمين، والمحاضر، والمواد المضبوطة للنيابة العسكرية، تبدأ النيابة بالتحقيق مع المتهم في الجُرم المرتكب، وبعد انتهاء كل إجراءات التحقيق الابتدائي من استجواب المتهمين، واستدعاء الشهود، وفحص المواد المضبوطة، والفحص الفني للهواتف، والمواد المستخدمة في الجريمة، واعترافات المتهمين, والانتقال والمعاينة والرسم الكروكي وغيرها، يتم تكوين الملف الجزائي، ثم يتم احالته للمحكمة العسكرية المختصة، وهنا تنتهي مرحلة التحقيق الابتدائي للنيابة العسكرية، وتبدأ مرحلة التحقيق النهائي ( المحاكمة )، وذلك بعد إيداع لائحة الاتهام من قبل وكيل النيابة العسكرية المختص، وكلك قرارات المدعي العام العسكري، والذي بمقتضاه تُغل يد النيابة، وتضع المحكمة يدها لمحاكمة المتهمين الخارجين على القانون.

وقال أحد التجار، ممن ينقلون بضائع من خلال معبر كرم ابو سالم، لمعدي التحقيق، إن تهريب المخدرات من خلال المعبر بات يتزايد في الآونة الأخيرة، وللأسف بعض التجار من ضعاف النفوس ضالعين في هذا الأمر، مرجعاً ذلك لرغبتهم في الحصول على ربح كبير وسريع.

وقال التاجر الذي رفض ذكر اسمه لحساسية الموضوع، إن بعض التجار يميلون للربح الكبير والسريع، متجاوزين القانون والأعراف والقيم، مشيداً بدور شرطة المكافحة التي نجحت بضبط كميات كبيرة من السموم قبل وصولها للقطاع من خلال معبر كرم أبو سالم، ومحاسبة بعض التجار والمتورطين.

مضبوطات على المعبر

وجد التاجر "خالد- اسم مستعار"، في الأدوات المنزلية مكاناً اعتقد أنه جيد لإدخال السموم لغزة من خلال معبر كرم أبو سالم، ففي شهر يناير/كانون ثاني من العام الجاري، جرى اكتشاف الأمر وضبط عناصر شرطة المكافحة، قرابة 1300 حبة مخدرة من نوع "سعادة"، و2 كيلوجرام من نبتة "الماريجوانا، بعد أن أخفاها التاجر بشكل محكم داخل أدوات منزلية.

في حينه جرى التحرز على الكمية المضبوطة وتسليمها لجهة الاختصاص بدائرة شرطة مكافحة المخدرات، والتي باشرت التحقيق والمتابعة للتوصل إلى صاحب الشحنة المهربة، إلى أن تمكنت من تحديد مشتبهاً به في عملية التهريب، وقد تم استصدار أمر توقيف بحقه وهو من سكان مدينة غزة، وجرى توقيفه وفق الإجراءات القانونية، ومن ثم تحويله للنيابة العسكرية.

وفي شهر شباط من العام الجاري، جرى ضبط 2500 حبة من نوع روتانا، مخبأة داخل أحذية "، وهي في طريقها للقطاع من خلال المعبر المذكور، وتم اعتقال التاجرين "م ، ب"، لدى حضورهما لاستلام شحنة الأحذية، وتم إحالتهم للنيابة العسكرية.

ومن أبرز ضبطيات المكافحة في معبر كرم أبو سالم كمية من مخدر الماريجوانا تُقدر بـ"8,200"جرام وذلك قبيل تهريبها في شحنة بقوليات (فول) واردة إلى القطاع.

وجدد الشاعر تأكيده لمعدي التحقيق استمرار عملهم الدؤوب لمنع عمليات التهريب عبر المعابر وعبر الحدود البرية والبحرية، لافتاً وقوفهم بالمرصاد لتجار ومروجي المخدرات حفاظاً على أبناء شعبنا من هذه الآفة الخطيرة.

ووفق متابعات معدا التحقيق فقد أصدرت هيئة القضاء العسكري خلال الفترة الماضية 13 حكماً بحق تجار ومهربين، تراوحت ما بين الحبس عامين، الى الإعدام لأحد كبار المهربين.

مخالفات للقانون الاساسي

بينما يُعلق الخبير القانوني ومحامي مؤسسة "بيت الصحافة الفلسطيني" عبد الله شرشرة، في قطاع غزة، قائلًا: "يتم إحالة قضايا المخدرات للقضاء العسكري، استنادًا إلى قرار المجلس التشريعي الصادر بتاريخ 10/8/2016م، والقاضي باعتبار جرائم المخدرات تمس بالأمن القومي الفلسطيني"، وهذا الأمر غير دستوري، وفق شرشرة، حيث أن المادة رقم (30) في الفقرة (أ) من القانون الأساسي الفلسطيني، نصّت بشكل صريح على أن لكل فلسطيني حق الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعي، حيث أن المدنيين لهم الحق في أن يتم عرضهم على قضائهم الطبيعي والمتمثل بالقضاء العادي لا القضاء العسكري، والذي يعتبر قضاءً خاصًا بفئة معينة من المتهمين وهم "العسكريين".

ووفق شرشرة ثمة إشكالية دستورية أخرى في مسألة تطبيق القانون الثوري على حالات التهريب أو الاتجار، حيث أن قانون الاجراءات الجزائية وقانون العقوبات الثوري غير صادرة عن السلطة التشريعية المختصة "المجلس التشريعي"، حتى إنها لم تُعرض عليه لإقرارها، كما لم يتم نشرها في صحيفة الوقائع الرسمية.

حبوب "الكبتاجون" أو كما يطلق عليها "روتانا"، تتعدى خطر كونها حبوبًا مخدرة، وهي تندرج تحت بند "عقاقير الهلوسة"، ومتعاطيها قد يصاب بالهلوسة السمعية والبصرية، وكأن أحداً يطلب منه أن يقتل أو يقوم بأي عمل إجرامي، وقد يرى المتعاطي تخيلات ومشاهد غير حقيقية، كما يؤكد الخبير الجنائي يوسف الرنتيسي، الذي أضاف: "ثمة تركيز كبير في تهريب هذا النوع من العقاقير".

بينما ربط الطبيب النفسي يوسف عوض الله مدير عيادة رفح النفسية الحكومية، بين تعاطي هذا النوع من المخدرات وبعض الجرائم، وكذلك تزايد حالات الجنون، موضحًا أن الشخص الذي يدمن تعاطي "كبتاجون"، يحدث لديه ما يسمى "رحلات الخيال"، بأن يعيش في خيالاته حياة تختلف عن الواقع، وقد يصل الأمر الى ارتكاب جريمة.

وأضاف عوض الله لمعدي التحقيق: "مع مرور الوقت تتسبب تلك العقاقير بتلف في أنسجة وخلايا المخ، ويحدث حالة جنون تسمى "ذهان محدث بمادة مخدرة""، ملفتًا إلى أنها تصنف ضمن أخطر العقاقير المخدرة حول العالم.

________________

هذا التحقيق تم إنجازه ضمن مبادرة استقصائيون ضد الفساد، تنفيذ ملتقى إعلاميات الجنوب بالشراكة مع ائتلاف أمان.

كاريكاتـــــير