شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م15:52 بتوقيت القدس

صحفيو غزة في "ساحة المعركة" بلا دروع حماية

27 مايو 2021 - 15:22
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

غزة:

كان ثلاثة مصورين فلسطينيين يستقلون سيارة تميزها كلمة صحافة باللغتين العربية والانجليزية، من المحظوظين، عندما نجوا بأعجوبة من موت محقق، إثر استهدافهم بغارة جوية إسرائيلية، أثناء تغطيتهم الميدانية في قرية أم النصر (القرية البدوية) شمال قطاع غزة في أحد أيام الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع.

مصور وكالة الأناضول التركية مصطفى حسونة أحد الزملاء الثلاثة المحظوظين، ويقول لـ "نوى"، إن صاروخاً أطلقته طائرة حربية إسرائيلية أصاب مؤخرة السيارة، وتناثرت شظاياه إلى داخلها، ولولا أنه كان يرتدي درعاً (سترة واقية) وخوذة صدتا عنه هذه الشظايا لما بقي حيّاً، فيما أصيب زميله المصور الصحفي محمد العالول في ساقيه، وأصيب سائق السيارة أيضاً بجروح في جسده.

اقرأ/ي أيضًا :"غربان الظلام" تعصف بأحلام شباب غزة

ونقلت "لجنة دعم الصحفيين" ومقرها سويسرا عن الصحفي في "وكالة فلسطين اليوم" داوود أبو الكاس، الذي كان برفقة حسونة والعالول، في السيارة نفسها، أن ستراتهم الواقية حمتهم من إصابات بليغة محتملة كادت أن تودي بحياتهم.

ولا ينصح حسونة أحداً من زملائه الصحفيين بالتحرك في الميدان من دون أن يكون بحوزته أدوات الحماية كاملة، لما يشكله ذلك من مغامرة لا تخلو من خطورة بالغة على الحياة.

ظروف غير آمنة

عدد محدود من صحفيي غزة الذين يعملون لصالح وكالات أنباء عالمية وشبكات تلفزة مرموقة، يتمتعون بأدوات الوقاية والسلامة، فيما كثرة منهم يعملون في ظل ظروف غير آمنة وتشكل تهديداً حقيقياً على حياتهم.

وتمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي توريد هذه الأدوات إلى قطاع غزة وتصنفها كمعدات عسكرية، وتدرجها ضمن قائمة كبيرة من السلع التي تصنفها كمواد مزدوجة الاستخدام وتدعي أنها تخشى وصولها إلى فصائل المقاومة.

وأكد حسونة أن ارتداء الصحفي لوسائل الحماية يحميه إلى حد كبير من مخاطر كثيرة خلال عمله في الميدان أوقات الحروب والتوتر، غير أنه يجزم بأن هذه الحماية ليست بمثابة "حصانة تامة"، ويقول: "ليس هناك محرمات لدى الاحتلال، وقد استهدف سيارتنا رغم أنها مميزه من كل الاتجاهات أنها سيارة صحافة.

أسامة الكحلوت صحفي حر يتعاون مع وسائل إعلامية محلية وعربية، يقول لـ "نوى" إن عمله يتركز بالأساس على النزول للميدان وتغطية الأحداث من مواقعها، ويقر بأن عمله هذا ينطوي على مخاطر جمّة، لكن ليس باستطاعته عدم المغامرة لانعدام الخيارات الآمنة الأخرى.

اقرأ/ي أيضًا:في الحرب.. الشعور بالعجز موت متكرر لا يتوقف

وفي ظل عدم توفر أدوات الحماية المهنية في غزة، لجأ الكحلوت كغيره من الصحفيين الذين يعملون لصالح وسائل إعلام محلية أو أولئك غير المحسوبين على وسيلة محددة ) Freelancer) إلى خياطين لحياكة سترات تشبه الدروع ومميزة بكلمة صحافة، لكنها ليست واقية ولا توفر أي حماية.

ويصف الكحلوت السترات المصنعة محلياً بأنها "مجرد قطعة من القماش" تشبه الدروع الرسمية، وميزتها الوحيدة أنها تميز الصحفي عن غيره في الميدان، ولكنها لا توفر له أي حماية من مخاطر محتملة، لعدم احتوائها على أي معادن، ويقصد بذلك "ألياف الحماية".

ويرجع الكحلوت عدم امتلاكه لوسائل الحماية المنية من درع وخوذة إلى سببين أساسيين، هما عدم توفرها في غزة بسبب قيود الاحتلال ومنع دخولها منذ فرض الحصار، والسبب الثاني والأهم برأيه هو ارتفاع سعرها بالنسبة للصحفيين من أمثاله الذين يحققون عوائد مادية محدودة بالكاد تكفيهم لتلبية احتياجات أسرهم الأساسية.

وأوضح أن سعر السترة المصنعة محلياً حوالي 50 شيكلاً أو أكثر بقليل، حسب دقة العمل وجودة القماش، فيما سعر سترات الحماية الأصلية يزيد عن ألفي دولار وهو ما يقدر عليه أغلب الصحفيين الشباب الذين يعملون بشكل حر.  

ولأنه لا يمتلك واحدة من هذه السترات الأصلية، كان الكحلوت خلال تغطيته للحرب الإسرائيلية على غزة يحرص على التواجد خلف زملاء صحفيين مزودين بها ممن يعملون لصالح وكالات أجنبية ومحطات تلفزة كبرى، ويحاول أن يبقى على "مسافة آمنة" من منطقة الخطر، إلا أنه يقول أن هذا الأمر ليست ممكناً في كل الأحوال كونه يعتمد على التصوير بواسطة الهاتف المحمول، ما يتطلب منه أن يكون على مسافة قريبة من الهدف.

حامية وليست مانعة

وأكد مدرب السلامة المهنية لدى الاتحاد الدولي للصحفيين سامي أبو سالم أن الدرع والخوذة وأدوات السلامة الأخرى مهمة لكل صحفي يعمل في الميدان، فهي تقلل من الخطر الذي قد يتعرض له.

اقرأ/ي أيضًا:حمادة وعمّار صديقا العمر اللذان لم يفرّقهما الموت

وقال لـ "نوى"، "ليس معنى أنها تقلل من الخطر أنها تحمي الصحفي في كل الأوقات ومن كل المخاطر، ففي مثل الحرب التي تعرضت لها غزة من قصف وغارات بالقذائف والصواريخ لا توفر هذه الأدوات حماية كاملة للصحفي، لكنها تبقى ضرورية ومهمة".

وضرب أبو سالم مثالاً بالصحفي الشهيد ياسر مرتجى الذي كان يرتدي درعاً مميزاً بشارة الصحافة، عندما استهدفته قوات الاحتلال بعيار ناري أصابه في بطنه، أثناء تغطيته ذكرى "يوم الأرض" ضمن فعاليات "مسيرات العودة" عام 2018.

كما استشهد مصور وكالة "رويترز" العالمية فضل شناعة في عام 2008 عندما أصابت قذيفة دبابة إسرائيلية سيارة تميزها علامات الصحافة وسط قطاع غزة، وقال أبو سالم: "كان فضل يتخذ في حينه كل إجراءات الأمن والسلامة ويرتدي درعاً وخوذة".

وفي مثل حالة الصحفي حسونة وزملائه الثلاثة، يقول أبو سالم إن الدرع والخوذة كان لهما الفضل في حمايتهم من شظايا كانت ستشكل خطراً حقيقياً على حياتهم.

وأضاف: في كل الأحوال من الأفضل للصحفي أن يرتدي هذه الأدوات التي تحميه من بعض المخاطر، وتميزه عن غيره في الميدان، وتضمن حقوقه لدى شركات التأمين التي لا تعترف بأي صحفي لم يكن يرتديها وقت وقوع الإصابة.

وكمدرب دولي للسلامة المهنية ينصح أبو سالم الصحفيين ممن لا يمتلكون وسائل الحماية بتقليل تحركهم في الميدان، والبقاء قدر الإمكان في أماكن أقل خطراً، على اعتبار أن لا مكان آمن تماماً في غزة، وبرأيه فإن "هذا يقلل من جودة العمل والقدرة على كشف الحقائق، ولكن سلامة الصحفي أهم من أي خبر".

قيود

وعلمت "نوى" من مصادر نقابية وصحفية أن محاولات عدة فشلت خلال سنوات الحصار الماضية من جانب الاتحاد الدولي للصحفيين ونقابة الصحفيين الفلسطينيين، وجهات غربية وعربية مانحة، لإدخال وسائل السلامة المهنية إلى قطاع غزة سواء عبر إسرائيل أو مصر.

وقالت المصادر إن إسرائيل منعت في مرات عدة مرور هذه الوسائل عبر الأردن في طريقها إلى غزة، فيما منعت مصر دخول كمية منها بتبرع من دولة أوروبية وأعادتها إلى مصدرها من مطار القاهرة الدولي. 

وينجح عدد محدود للغاية من الصحفيين في الحصول على وسائل سلامة مهنية بواسطة زملاء أجانب لهم يجلبوها معهم أثناء زيارتهم إلى غزة عبر معبر بيت حانون (إيرز) الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، فيما تؤكد نقابة الصحفيين الفلسطينيين أنها حاولت غير مرة إدخال هذه الوسائل إلى غزة عبر شركات أو من خلال جهات داعمة ومتبرعين من دول عربية وأوروبية لكنها فشلت.

ويتراوح ثمن أدوات الحماية للصحفي خارج غزة بنحو ألفي دولار أميركي، بينما قد يصل سعرها إلى 5 آلاف دولار إذا توفرت لدى أحد ورغب في بيعها، بحسب نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين الدكتور تحسين الأسطل.

وقال الأسطل لـ"نوى" إن النقابة لم تنجح في مرات عدة سابقاً وبطرق مختلفة من إدخال هذه الوسائل إلى غزة، جراء الرفض التام من جانب إسرائيل، ليبقى الصحفي في غزة يواجه مصيره في الميدان، ويظل الخطر يتهدد حياته.

ووفقاً للأسطل فإن إسرائيل تضع قيوداً حتى على الصحفيين الأجانب الذين يدخلون غزة من خلال معبر بيت حانون "إيرز"، وتدفعهم للتوقيع على تعهدات بالعودة بهذه الوسائل بعد انتهاء مهمتهم، لكن الكثير منهم يتركها لزملاء فلسطينيين من منطلق التعاطف، ويتحملون مسؤولية التخلص من التعهد بطريقتهم أثناء المغادرة.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير