شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 23 ابريل 2024م20:46 بتوقيت القدس

تحجيم رقابة أم سيطرة على التمويل؟

قرار بقانون "الجمعيات الأهلية".. عصا الرئيس في دولاب "مرسوم الحريات"

11 مارس 2021 - 13:41

رام الله/ شبكة نوى- فلسطينيات:

في الثاني من مارس/آذار الجاري، نشرت صحيفة الوقائع الرسمية القرار بقانون رقم (7) لعام 2021، بشأن تعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، الذي تضمن إدخال تعديلاتٍ على خمسة من بنود القانون القديم، المُقر عام 2000.

القرار جاء غير مفهوم الهدف والسياق، خاصةً من حيث توقيته بعد إصدار مراسيم الانتخابات ومرسوم إطلاق الحريات

ورغم سيل القرارات بقانون التي ازدحمت بها الصحيفة الرسمية في الفترة الأخيرة، إلا أن هذا القرار جاء غير مفهوم الهدف والسياق، خاصةً من حيث توقيته بعد إصدار مراسيم الانتخابات ومرسوم إطلاق الحريات، وطريقة إصداره في الخفاء، بالرغم من أن تعديل القانون بحسب ما جاء في مقدمته، جاء بناءً على تنسيب مجلس الوزراء بتاريخ 11/01/2021.

وبين تنسيبه ونشره رسميًا بتاريخ 28/02/2021، لم يصدر أي تصريح رسمي حكومي حول هذا القانون، وهو ما يثير تساؤلاتٍ حول غاية التكتّم على تعديل القانون، حتى نشره بالصحيفة الرسمية ليصبح ساري المفعول.

واستند هذا القرار بقانون، كما غيره من القرارات بقوانين على المادة (43) من القانون الأساسي، التي تنص على "حق رئيس السلطة الوطنية في إصدارها، بحالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير...". لكن في هذه الحالة، كما عشرات الحالات السابقة -بحسب تقرير تحليليٍ نشرته شبكة "نوى"- في وقت سابق، لم يحمل أي ضرورة لإقراره.

تعديلات كارثية

وباستعراض التعديلات التي طالت القانون، أضافت المادة (13) من القانون الأصلي الواردة بشأن التقريرين الإداري والمالي المصدّقين، اللذين تقدمهما الجمعيات لوزارة الاختصاص في موعدٍ لا يتعدى أربعة أشهر من نهاية السنة المالية، بندًا جديدًا يُلزم الجمعيات بأن تقدم لوزارة الاختصاص، "خطة عمل سنوية وموازنة تقديرية للسنة المالية الجديدة، منسجمةً مع خطة الوزارة المختصة". ما يعني أن المؤسسات الأهلية، ستعمل لحساب وزارة الاختصاص وليس وفقًا لرؤيتها ورسالتها وأهدافها وبرامجها.

البند رقم 2: "يُصدر مجلس الوزراء نظامًا يحدد فيه الرسوم التي يجب أن تُدفع للداخلية، إذا لم تكن مشمولة بالرسوم المُبينة في القانون"

وتضمنت المادة (6) التي عدّلت المادة (40) من قانون الجمعيات، بندًا جديدًا يحمل الرقم (2) وينص على أن "يُصدرَ مجلس الوزراء نظامًا يحدد فيه الرسوم التي يجب أن تدفعها الجمعية أو الهيئة الأهلية، عن أي طلبات جديدة تقدمها للوزارة (وزارة الداخلية)، إذا لم تكن مشمولة بالرسوم المُبينة في القانون".

وكذلك تعديل المادة (39)، التي تنص على أن تقوم الدائرة المختصة في وزارة الداخلية "بنفسها"، بإجراءات تصفية الجمعيات وجرد أموالها بعد حلها، ورفع تقريرٍ بالتصفية إلى وزير الداخلية؛ لإحالة أموالها المنقولة وغير المنقولة من خلاله (وزير الداخلية) إلى الخزينة العامة.

وأضافت المادة (3) من القرار بقانون، بندًا جديدًا حمل الرقم (3) على قانون الجمعيات الأصلي، ينص على أنه: "لا يجوز أن تزيد رواتب الموظفين والمصاريف التشغيلية في الجمعية أو الهيئة، عن 25% من إجمالي الميزانية السنوية"، دون مراعاةٍ لطبيعة عمل هذه الجمعيات.

في حين جاءت المادة (4) من القرار بقانون، لتعدل المادة (33) من قانون الجمعيات الأصلي الذي أقره المجلس التشريعي الأول، حول أنه "يحق للجمعية أو الهيئة، جمع التبرعات من الجمهور، أو من خلال إقامة الحفلات، أو الأسواق الخيرية، أو المباريات الرياضية، أو أي من وسائل جمع الأموال الأخرى، للأغراض الاجتماعية التي أُنشئت من أجلها، وفقًا لنظامٍ يصدُر عن مجلس الوزراء، يُحدد شروط وأحكام المساعدات غير المشروطة وجمع التبرعات".

غير قابل للتطبيق

ويقول مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار الدويك: "إن توقيت القانون "مُستغرَب" وغير مفهوم، خاصةً في ظل وعود الحكومات السابقة، بعدم المس بقانون الجمعيات، دون حوارٍ مسبق مع جهاتٍ تمثل هذه الجمعيات".

وتابع في حديثه لـ"نوى": كنا نتوقع من الحكومة توفير البيئة المناسبة لإجراء الانتخابات والرقابة عليها، وليس التضييق على الحقوق والحريات".

الدويك: القرار بقانون هو سوء تقدير من جهات بيروقراطية، دفعت باتجاه تبنيه دون النظر لخطورته

وعدّ التعديلات مسًا خطيرًا بحرية العمل الأهلي في فلسطين، وضربًا للتوافق الذي بُني على مدار 20 عامًا من خلال قانون الجمعيات لعام 2000، الذي خضع لنقاشات طويلة ومعمقة، مطالبًا بسحب القرار بقانون، الذي أُقر "بسوء تقدير من جهات بيروقراطية، دفعت باتجاه تبنيه دون النظر لخطورته".

وأشار دويك إلى أن عدم التراجع عن القانون وتطبيقه، يعني إغلاق العديد من المؤسسات، وهروب بعضها للتسجيل في القدس، أو في دول عربية، أو من خلال مؤسساتٍ أجنبية، "وقد يؤدي أيضًا لهروب الممولين، وتوجيه منحها لمؤسسات أجنبية تعمل في فلسطين" يضيف.

وأكمل: "هذا القانون سيفشل، فهو غير عملي، ولا يأخذ بعين الاعتبار حركة المجتمع المدني، ويستهين بقدرتها على مواجهة هذه القوانين، واعتقد أن الحكومة تدرك ذلك جيدًا".

دويك: الحكومة ردت على تخوفات المجتمع المدني بقولها: بعض المواد فُهمت خطأً

وبحسب دويك، فإن الحكومة وردًا على تخوفات المجتمع المدني من هذا القانون وأسباب الرفض، حاولت التخفيف من خطورة التعديلات بالقول: "إن بعض المواد فُهمت خطأً، وتحتاج التوضيح، وهو ما عدّه "غير كافٍ" ولا بد من التراجع الكامل عنه.

توصية بالتجميد

وكان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، أعلن ظهر الاثنين 8 مارس/آذار الجاري، عن رفعه توصية بتجميد التعديلات على بعض البنود في القانون إلى حين استكمال الحوار مع ممثلي المجتمع المدني، والوصول إلى نصوص توافقية حول التعديلات الطارئة على القانون الأساسي.

وفي توضيحٍ للمستشار القانوني لرئيس الوزراء أحمد عزم، قال لـ"شبكة نوى": "الحكومة غير معنية بأن يشعر المجتمع الأهلي أنه مستهدف، وقد فتحت حوارًا معه لتطوير كامل قطاعاته في سبيل الوصول إلى شراكة حقيقة".

وبحسب العزم، فإن تعديلات القانون المعدّة منذ فترة سابقة -كما صرّح- "لم يُقصد منها سوى توضيح بعض الأمور الإدارية، ولكن المجتمع المدني أبدى تخوفًا كبيرًا من بعض القضايا، رغم أنها لا تمس بالجمعيات".

العزم: ليس المقصود من تحديد النسبة، مصاريف العمل في مؤسسات المجتمع الأهلي

ويطرح مستشار اشتية المادة (3) من القرار بقانون، كمثالٍ لـ "اللغط الدائر بشأن تحديد نسبة 25% كرواتب"، قائلًا: "ليس المقصود من تحديد النسبة، مصاريف العمل في مؤسسات المجتمع الأهلي، بمعنى: إن كانت مؤسسة تقدم خدماتٍ تحتاجُ إلى خبراء، ومحامين، وباحثين، وأساتذة، وأطباء...، لا يتم احتسابهم من هذه النسبة، وإنما القصد، أن لا يتقاضى من يدير الجمعيات ما يزيد عن 25%، ولم يُقصد فيها مشاريع الجمعية، بينما تتحدث النسب العالمية عن أقل من 15%".

أهداف حكومية متعددة

لكن التوصية بالتجميد وتبريرات الحكومة لم تقنع المجتمع المدني، وهو ما عبّرت عنه المديرة العامة لمركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي رندة سنيورة، في حديثها مع الشبكة.

وتؤمن سنيورة، بأن السبب الرئيس لإصدار "قرار بقانون المؤسسات الأهلية"، هو "الانتخابات الفلسطينية التي يتم التحضير لها، وعدم وضوح الرؤية بشأن نتائجها، في محاولةٍ لتثبيت وقائع على الأرض من الصعب تغييرها، باتجاه وضع اليد على مؤسسات المجتمع المدني، وهو ما يعني تقويض مؤسساته التي عملت على تقديم خدماتٍ للشعب الفلسطيني، قبل تأسيس السلطة".

سنيورة: الحكومة تسعى من خلال هذه التعديلات، لأن تكون برامج المؤسسات الأهلية مكملة لبرامجها

وبحسب سنيورة، فإن الحكومة ومن خلال هذه التعديلات، تسعى إلى أن تكون برامج وخطط المؤسسات الأهلية مكمّلة لبرامجها، وبالتالي احتواءها، وتقليص هوامش حرية الرأي والتعبير والحريات العامة، الأمر الذي سينجم عنه تذويب عملها الرقابي على أداء السلطة التنفيذية، وحماية الحقوق العامة.

وتشدد مديرة مركز المرأة، على تناقض ذلك مع دور مؤسسات المجتمع المدني الرقابي، على أداء الحكومة والسلطة التنفيذية، خاصةً في وقت الانتخابات، "ونرى أن أحد الأسباب، هو محاولة تشتيت العمل الرقابي على الانتخابات، وإلهاء الجمعيات بالخطر الذي يتهدد مؤسساتهم" تزيد.

وترى سنيورة أيضًا، أن هذا القرار بقانون، يحمل في طياته محاولة جعل قنوات التمويل لهذه المؤسسات من خلال الحكومة، للسيطرة عليها، "وكأن الحكومة تريد إكمال محاصرة هذه المؤسسات الملاحقة من قبل الاحتلال الإسرائيلي على خلفية عملها في توثيق وإعداد الملفات الحقوقية والقانونية، للتوجه بها للمحاكم الدولية" على حد تعبيرها.

أضافت:" أصبحنا بين مطرقة الملاحقة الإسرائيلية، وسنديان الحكومة".

استخفاف بالشارع

المحلل السياسي خليل شاهين، من مركز "مسارات" للدراسات السياسية، وفي معرض حديثه لـ"نوى"، تحدث عن أسباب إصدار هذا القانون في هذا الوقت، فذهب لمنحىً مختلف بقراءةٍ شاملة، لمجموع القرارات بقوانين الأخيرة.

شاهين: القرارات غير المفهومة تعبر عن استخفاف بعقلية الشارع الفلسطيني ومؤسساته

يقول: "أحيانًا تُتخذُ القرارات بطريقة غير مفهومة، ولكنها بالتأكيد تعبر عن وجود عقلية تستخف بالشارع الفلسطيني ومؤسساته، وتعطي مؤشرًا على انفصال القيادة عن الشارع الفلسطيني".

وما يقلق أكثر -بحسب شاهين- أنَّ من يصدر هذه القوانين في هذه المرحلة، يتجاهل وجود استحقاقٍ انتخابي، "ويتصرف وكأنَّ الانتخابات مجرد تكتيك، وأن الثابت هو قدرته على التحكم والسيطرة على هذه الجمعيات".

كاريكاتـــــير