شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024م03:41 بتوقيت القدس

كتَبت هبة ورحَلت: "نحن بشر عاديون"

"لا تصدقوا الثكالى.. لقد أفرغن دموعهن زغاريد"

18 ابريل 2024 - 13:13

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"نحن في غزة اُناسٌ عاديون، نطرب للموسيقى، نكذب، نرقص، نحب الظفائر والفطائر والفُسح. نحن بشر، نخطئ، نشتم، ونبكي، لا تنظروا إلى الأمهات اللواتي يزغردن في الجنازات، هؤلاء نسوة أفرغن الدموع زغاريد، نسوةٌ طارت عقولهن مع أول نقطة دم سالت من أجساد أولادهن الصغيرة. نحن بشرٌ من طينٍ وماء، والكثير من الكرامة".

بهذه الكلمات التي نشرَتها عبر صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بتاريخ الرابع من نوفمبر الماضي، وصفت الصحفية الشابة هبة العبادلة (٣٠ عامًا) سكان غزة الذين يواجهون إبادة جماعية.

لم يتخيّل أحد ممن عرف هبة، أن هذه الكلمات ستكون آخر ما تعبر عنه من مشاعر دارت في ذهنها، وسط عالمٍ صغيرٍ استطاعت أن تتبوّأ فيه مكانةً اجتماعيةً مميزة كانت محط حديث غيرها من الفتيات في مثل عمرها.

عبر مكبرات الصوت التابعة لقوات الجيش الإسرائيلي المقتحمة لمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة في يناير ٢٠٢٤م، أمر الجيش كل قاطني بلدة القرارة الواقعة إلى شمال شرق المدينة، باللجوء إلى بيتٍ يعود لعائلة الأسطل.

انصاع الأهالي، وكانت هبة وابنتها الطفلة جودي ووالدتها، من بين الفارين إلى هذا البيت الذي كان قريبًا للغاية من مناطق الاشتباكات الضارية.

كتبت هبة مناشدةً عاجلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي: "دعواتكم الصادقة لنا. أنا وأهلي ومعنا 5 عائلات، حوالي 30 سيدة و10 أطفال و20 شابًا ورجلًا موجودين في منطقة السطر الغربي شارع 5، والدبابات تحيط بنا. ندعو الله السلامة لنا جميعًا، ونُحمّلكم أن تنقلوا صوتنا في حال كتب الله لنا الشهادة".

وأضافت: "ثلاثة أيام من أصعب اللحظات التي يُمكن أن يمر بها الإنسان تحت صوت القذائف والاشتباكات وبقايا البيوت التي يتم استهدافها ويسقط ركامها فوق رؤوسنا، ورائحة البارود والغاز، ناهيك عن صوت تحرك الدبابات بجوارنا. نحتسب خوفنا وصبرنا عند الله، ونقول إننا كُلنا لسنا أرقامًا".

دقائق قليلة مرت، انهالت بعدها القذائف الصاروخية على البيت فانهار على رؤوس من فيه، دون أن تتمكن الطواقم الطبية من التوجه إلى المكان لإنقاذ المصابين ونقل الشهداء.

بعد وصول الطواقم الطبية إلى منزل عائلة الأسطل، تبين أن هبة العبادلة، وابنتها جودي عواد، ووالدتها رويدة الأسطل، كُنَّ من بين الشهداء الذين قُتلوا بنيران جيش الاحتلال داخل هذا المنزل، وقد أُعلن استشهادهم جميعًا في التاسع من يناير/ كانون الثاني الماضي.

وتداولت وسائل الإعلام وناشطون على مواقع التواصل تفاصيل جريمة قتل أفراد العائلة، وأن المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في هذه الواقعة وصل عدد شهدائها إلى ما يزيد على 60 شهيدًا (8 عائلات شطُبت من السجل المدني).

استشهاد هبة وقع كالصاعقة على كل من عرفها، فهي الشابة الطموحة التي استطاعت في حياتها القصيرة ترك بصمتها في العديد من الأماكن الوظيفية التي عملت فيها، فهبة التي ولدت في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة في تاريخ ١٤ يوليو ١٩٩٣م، عاشت حياةً مليئةً بالعمل، بعد انتسابها إلى قسم اللغة العربية والإعلام في جامعة الأزهر بغزة، في عام ٢٠١١م.

وشغلت العبادلة منصب منسقة دائرة القبول والتسجيل في جامعة غزة -فرع الجنوب- منذ ١٥ فبراير ٢٠٢٠م وحتى استشهادها، كما عملت قبل ذلك في دائرة العلاقات العامة في جامعة غزة منذ الأول من أغسطس ٢٠١٧م، وحتى عام ٢٠٢٠م.

وعملت العبادلة مذيعةً في راديو الأزهر منذ عام ٢٠١٣م، فيما عملت في وقت سابق كمذيعة أخبار ومقدمة برامج في إذاعة صوت الوطن منذ يناير ٢٠١٢ وحتى إبريل ٢٠١٣م.

إلى جانب ما سبق، كانت هبة مسؤولة ملف المرأة العاملة في المكتب الحركي الفرعي للعمال. وكانت تكمل دراساتها العليا، وبصدد مناقشة رسالة الماجستير قبل أن ترتقي شهيدة.

وقال هيثم العبادلة أحد أقرباء هبة: "هبة، ورغم أنها ناشدت العالم لإنقاذ حياتها، بقيت محاصرة مع أهلها في بيت أخوالها ثم قصفوا البيت على رؤوس الجميع".

وأضاف: "نخسر بعضنا كل يوم في غزة. نخسر الطموحات المبدعات اللبقات، نخسر أحلامهن، طموحاتهن، شغف الحياة ينطفئ بقسوة في ابتسامةٍ كانت تكافح كثيرًا".

ونعى نادي الإعلام الاجتماعي – فلسطين، في منشورٍ له عبر فيسبوك، الفقيدة العبادلة، وقال "إنها كانت من مؤسسيه وعضوًا في مجلس إدارته".

وأورد في منشوره نصًا: "رحمها الله فقد كانت مثالًا للعمل الجاد والمثابرة والروح النشيطة في كل المؤتمرات والفعاليات والأنشطة التي نفذناها بمفردنا أو بالشراكة مع العديدة من المؤسسات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني في قطاع غزة. تركت هبة في نادي الإعلام الاجتماعي بصمة لم ولن ننساها".

واستذكر أصدقاء وزملاء هبة، المواقف واللحظات التي جمعتهم معها، إذ كتب علي بخيت في منشور له عبر موقع "فيسبوك": "كل يوم بنفقد ناس ما بتتعوض جمعتنا فيهم أحلى الأيام والأنشطة والمبادرات والأفكار".

وأضاف: "هبة العبادلة صبية جدعة، أنا كنت بسميها الجوكر، وين ما حطيتها بتدوس: لقاء، مقابلة، إدارة جلسة، تدريب، أي شيء بتعطيك أفضل ما عندها. هبة الشغل معها ممتع وكله حيوية ونشاط وإضافة لكل من يعمل معها، ولهيك هي بتشغل مناصب كثيرة تنظيمية وأكاديمية ومجتمعية".

وتابع: "خسارتنا كبيرة بهبة اللي استشهدت برفقة بنتها الصغيرة الجميلة. صعب ننسى صبية بمواصفات هبة، حنذكرك دايمًا زميلتنا العزيزة المبدعة، ربنا يرحمك ويسكنك فسيح جناته".

أنهت هبة عامها الثلاثين في الرابع عشر من يوليو/ تموز الماضي، وقد احتفلت بنفسها قائلة: "اكتشفت أن السعادة موجودة في الحاجات العادية: الابتسامة، والهدوء، والنوم بدري (باكراً)، ونسيم الفجر، وصوت الراديو. الخروجات العادية مع الناس العاديين اللي بحس معاهم بأحاسيس عادية، وكلامنا مع بعض بيبقى عادي. لا متزوق ولا فيه وعود نارية وتصريحات عنترية".

صــــــــــورة
كاريكاتـــــير