شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م01:17 بتوقيت القدس

رواية لـ"يسرى الخطيب"

"مدينةٌ للعناكب".. حيثما تضخّمت الـ"أنا"

26 مارس 2023 - 09:56

شبكة نوى، فلسطينيات: "وصلتني من بعيدٍ عبر مكبرات الصوت نداءات تهليل وتكبير. النّاسُ يجرون حفاةً قادمين من شوارع المدينة باتجاه البحر يصطفون أعلى الرصيف، وينظرون بفضولٍ وذهولٍ للأسفل يتملكهم الرعب والقلق، رأوا بأم أعينهم ملايين العناكب الصغيرة تتساقط من الفضاء، وتعلق بشباكٍ رقيقةٍ ممتدة بين السماء ورمال البحر على امتداد الشاطئ. نسجت شباكها بسرعة البرق، وغلّفت المراكب، والشجر، والحجر".

بكثيرٍ من التشويق، والكلمات المثيرة للشغف بين ثنايا السطور، مضت الكاتبة يسرى الخطيب في كتابة روايتها التي صدرت مؤخرًا "مدينةٌ للعناكب".

الرواية، على ما تحمله في بطنها من تفاصيل سردية، تمزج بين الخيال والواقع، تتناول تجربةً إنسانية متكاملة الظروف، لعائلةٍ فلسطينية، تمر بحالةٍ من الصراع بين الحاضر، وما يمكن أن يحدث في المستقبل الغامض، المشحون بالتساؤلات واسترجاع الماضي.

طوال أحداث الرواية، تنخرط الأسرة في رحلة بحثٍ عن أسباب اعتقال ابنها المناضل والمشهود له بالنزاهة، والأمانة، والوطنية، وباعه في مقاومة الاحتلال، بينما تتباين الأقاويل حول وفاته داخل السجن فجأة، ثم محاولة الأسرة جمع الأدلة والبراهين لإثبات براءته وتطهير سمعة العائلة، التي نالت منها الألسن.

تقول لـ"نوى": "أردت تسليط الضوء على حياة أسرة هذا المناضل من الداخل، وكيف انقلبت حياتها الهادئة بين ليلة وضحاها رأسًا على عقب، عندما نيلَ من تاريخها النضالي، وشُوّهت سمعتها".

تقارب كبير لمسته الخطيب بين بيت العنكبوت، وحياةٍ تتسم بالوهن والتصدُّع لا سيما عند طغيان العناكب على بعضها. "وحياة المدينة التي ضمت أحداث الرواية تشببها" تضيف.

وتشرح: "تعاني تلك المدينة من وهن وضعف في نسيجها السياسي والاجتماعي والأسري والثقافي، ففي عالم العناكب يظهر حب السيادة، وتضخيم الأنا، والرغبة والسعي للوصول واعتلاء القمة، وفي المقابل يدفع باقي سكان المدينة التي تبقى منزوعة الإرادة وخياراتها محدودة ثمن هذا التسلط"، مردفةً: "القوي يأكل الضعيف، وهو ما نراه واضحًا في مجتمع العناكب، إذ تتخلص الأنثى من الذكر بعد التخصيب، بينما إذا ما قوي ابنها واشتد عوده يتخلص من أمه؛ ليسجل أكبر عملية عقوق عرفها التاريخ".

يوحي عنوان الرواية بتملك العناكب للمدينة، "وانتقال الملكية هنا يعبر عن عالمٍ متناقض يسوده الطغيان والاستبداد، ويفتقر للمحبة والسلام"، وفق وصف الخطيب، التي أكدت أن أحداثها يمكن إسقاطها على الواقع العربي بشكلٍ عام، والواقع الفلسطيني خصوصًا.

تتابع: "أردت تسليط الضوء على الواقع العربي من خلال الواقع الفلسطيني (كنموذج مصغر). واقعٌ مملوء بالتناقضات، والاختلافات، والخلافات"، مردفةً: "كان عليّ إبراز الصوت المسكوت عنه على مختلف الأصعدة السياسية، والاجتماعية، والفكرية، والنفسية، وعرض رواية الإنسان العربي المطحون في دائرة النظام الحاكم أولًا، والاحتلال الخارجي ثانيًا، بغض النظر عن حدوده الجغرافية، وجل غايتي ترسيخ الهوية من خلال التمسك بالمكان والقضية".

ارتأت الخطيب في روايتها أن تتناسب الأسماء مع دورها، وأن تكون مطابقة للشخصية سواء في السلوك أو الصفات، بمعنى ان الاسم يجب أن يشبه الشخصية في مكوناتها وصفاتها ليكسبها قوة، وهو ما جعلها تطلق اسم شريف على الشخص الذي دارت أحداث الرواية حوله، لا سيما وأنه اعتقل ومات داخل السجن وبقيت عائلته تصارع حالةً من الشك والخوف بين أفراد الأسرة.

وتكمل: "يساعد ذلك في ترسيخ الشخصية بذهن القارئ، فلا تضيع منه أثناء تلاحم الأحداث، لا سيما عند ظهور شخصيات أخرى، فيتم اختيار الاسم المناسب بما يتلائم مع بيئة الرواية، أي أن يكون متداولًا في مكان الرواية، والحقبة الزمنية التي تدور فيها الأحداث، ويؤكد احتمالية وجود هذه الشخصية على أرض الواقع".

 لجأت الخطيب في روايتها لبطلة الرواية (آسيا) ونسبت لها كتابة الرواية، آسيا كانت كاتمة الأسرار، والعارفة بكل التفاصيل، فهي الشاهدة على الحدث، وهي أيضًا جزء منه، والمتضررة الأولى من تبعاته، وصاحبة حقٍ أرادت استرجاعه. تزيد: "كان يتوجب عليّ خلق شخصية آسيا، لتكون هي محركة الأحداث، والشخصية البؤرية التي تدور حولها كل الشخصيات، من أجل نقل الواقع بمصداقية".

 أفردت الخطيب مساحةً كبيرةٍ في الرواية تتعلق بضياع الحقائق بين الشك والريبة، وهو ما تراه يحدث في الواقع، على ذلك تعقب: "يكثر اللغط والتأويل والتخفي والتنحي والثرثرة، إنها بيئة موسومة بتهتّك نسيجها الاجتماعي، وهي إحدى تداعيات الاحتلال، وعدم الثقة انعكاس لما زرعه الاحتلال الذي نخر سوسه وأفسد لحمتنا من الداخل، مما جعل المشهد على هذه الشاكلة".

تجمع الرواية العديد من مشاهد الحياة الاجتماعية التي تعيشها العائلات الفلسطينية، كصعوبة التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة في الوطن والشتات، ولعل أقربها ما جاء على لسان العم اسماعيل: "عِشنا قَدرَنا كأيِّ عائلةٍ فلسطينيةٍ مُشتَّتَةٍ عَاشت النكبةَ والنُزوحَ، وشَهِدَت النكسَةَ والحروبَ الثلاثةَ، وتناثَرَتْ أحلامُها، وتوزَّعَتْ في بلادِ الله بحثًا عن لقمةِ العيشِ والحياةِ بعزٍّ وكرامةٍ بعيدًا عن يدِ الجَلادِ. لا شيءَ في حياتِنَا أصبحَ طبيعيًّا، حتى موتُنَا أضحَى غيرَ مألوفٍ "

من ضمن شخصيات الرواية أيضًا كان "كريم" الذي جسّد شريحة المغتربين عن وطنهم، ويقول واصفًا حاله: "لم أتخلَّ يومًا عن أصدقائِي وجيرانِي في الوطنِ، لم أُكَوِّنْ هنا من الصداقاتِ إلا القليلَ، وروحِي معلقة هناك، أتجَوَّلُ بين أصدقائِي، أتابِعُ أخبارَهُم، أتقَصَّى أخبارَ المواليدِ وحالاتِ الوفياتِ، ومواعيدَ جدولِ الكهرباءِ والمياهِ، وأخبارَ الرواتبِ والخصوماتِ والضرائبِ، والتحويلاتِ الطبيَّةِ، وغلاءِ الأسعارِ، وإغلاقِ المعابرِ والحصارِ. وصوت الزَّنَّاناتِ والقصفِ، والاجتياحاتِ الليليَّةِ، ومرضَى السرطانِ؛ نحنُ لا نَمَلُّ الحديثَ عن غزَّةَ!"

ويضيف: "أيُّ حياةٍ لي هنا وأنا مقيدٌ ومحاصرٌ بالممنوعاتِ، أمارسُ حريَّتِي في الخفاءِ، وأُعَبِّرُ عن آرائِي بالثرثراتِ الفارغةِ، والخربشاتِ الفيسبوكيَّة، أعيشُ حياتي الخاوية وألفُّ العالم عبر شاشة هاتفي النقال؛ فأرى الأماكنَ وأنا محلك سر داخل البيتِ لا أغادره إلا للضرورةِ القصوى، أو للذهاب إلى العمل. لا نَجْنِي من غربتِنَا إلا الخيبةَ والفراغَ القاتل، المالُ وحدَهُ لا يجلِبُ السعادةَ، بل سلَبَنَا راحةَ البالِ. كلُّ أموالِ العالمِ لَنْ تُعيدَ لي طمأنينَتِي، ولَنْ تُعيدَ لنا "شريف"، ولَنْ تُطَهِّرَ شَرَفَ عائلَةٍ فَقَدَتْ سُمْعَتَهَا".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير