شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م16:25 بتوقيت القدس

المنظومة الاجتماعية تغذّيه

فكّ العنف الأسري يطحن حياة نساءٍ بغزة

13 ديسمبر 2022 - 09:21

خانيونس :

"لا شيء أصعب عليّ من الإهانة والضرب، شعور بالمرارة أعيشه طوال الوقت، ولا أجد ما أقوله لأبنائي الذين ينظرون إليه بحسرة بعد كل مرة يصفعني فيها أبوهم، ولا أجد ردًا سوى البكاء".

هكذا وصفت السيدة سعاد (اسم مستعار) لـ"نوى" حالها، لدى حديثها حول ما تتعرض له من عنف أسري منذ زواجها قبل أكثر من 15 عامًا، حين كانت طفلة بالكاد تعي مسؤوليات الحياة، ومنذ ذلك الحين انتهى عهد الراحة.

تقول الثلاثينية سعاد: "تزوجت في عمر 15 عامًا، في بيت بلا أي مقومات حياة، وفيه أنجبت أبنائي. عشت في منزل بلا كهرباء أو حتى غاز للطهي، سنوات وأنا أعاني، وكلما طلبت حقي الطبيعي في توفير هذه الأشياء يكون الرد بالضرب والإهانة من زوجي".

صبرت سعاد على هذا الواقع القاسي لسنوات، عانت خلالها ليس من العنف الزوجي فقط، بل من تشقق اليدين بسبب الغسيل اليدوي، ومن صعوبة في التعامل مع البيت ليلًا في ظل اعتمادها على الشموع، وبعد سنوات من هذا العناء، أخيرًا وافق زوجها على إدخال الكهرباء إلى البيت، شريطة عدم استخدام أي أجهزة كهربائية، وأن يكون للإضاءة فقط.

تكمل سعاد: "لم أمتلك في بيتي ثلاجة ولا غسالة ولا حتى مكواة. كبُر أبنائي على هذا الوضع ولا شيء تغير، مجموعة من صديقاتي قاموا بشراء غسالة صغيرة لي بعد أن رأوا تشققات يديّ بسبب الغسيل اليدوي، وهنا ثارت ثائرة زوجي وضربني وأهانني وطردني من البيت".

الأقسى بالنسبة لها أنها حين ذهبت تشكو حالها لعائلتها، طالبوها بالصبر والعودة إلى بيتها والحفاظ على أبنائها، لتصبح واحدة من 58% من الفلسطينيات اللواتي يتعرضن للعنف الأسري وفقًا لإحصائية أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2022م، سجل العنف النفسي أعلاها بنسبة 57.2% ثم الجسدي بنسبة 18.5%.

ورغم أنها لا ترى أي بارقة أمل في تغيّر زوجها، لكنها لم تسمع حتى عن حملات الدعم التي تنفذها المؤسسات، تعقّب بيأس: "حتى لو سمعت، ماذا يمكن أن تغيّر في حياتي؟".

صفية، سيدة أخرى تتعرض للعنف الأسري، تزوجت منذ سنوات في غرفة بمنزل العائلة، بحجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وعانت العنف من كل أفراد الأسرة.

تحكي صفية لـ"نوى" قصتها فتقول: "في بيت العائلة كنت أخدم كل أفراد العائلة، صغيرها وكبيرها، أشعر طوال الوقت أنى خادمة فقط، لدرجة أني لا أتناول الطعام معهم، بل أنتظر حتى ينتهوا لنأكل أنا وأطفالي، أما عن الخصوصية فهي ليست موجودة في قاموسي، لا أذكر متى آخر مرة جلست فيها في البيت بدون إسدال الصلاة؟".

ليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل إن زوجها حسب روايتها دائم التعنيف لها بالضرب والإهانة على مرأى ومسمع من والديه اللذان لا يحركان ساكنًا، وكان هذا هو الأمر الطبيعي، وحين كانت تشكو لأمها تنهرها وتنصحها بالصبر، كي لا "تخرب بيتها بيدها" حسب وصف الأم.

ظلّت صفية صابرة على حالها حتى جاءت الطامة الكبرى حين تزوج عليها، بل إنه وفّر للزوجة الجديدة شقة بكامل احتياجاتها! اضطرت صفية للصبر من أجل أبنائها لكنها أصرّت على المطالبة بشقة هي أيضًا إلا أنه ضربها وأهانها، وهنا ذهبت مجددًا إلى بيت أهلها.

أرادت صفية الطلاق والخلاص من كل هذا الواقع، لكنه خيار مرفوض تمامًا بالنسبة لعائلتها مهما كان السبب فحسب منطقهم "ظل راجل ولا ظل حيط"، وتحت أي ظرف فعلى الزوجة أن تصبر وتتحمل، حسب اعتقادهم، ولكن هذه المرة انضموا إليها في المطالبة بشقة خاصة بها مثل "ضرتها".

حول مشكلة العنف المبني على النوع الاجتماعي، خاصة داخل الأسرة، تقول الأخصائية الاجتماعية هويدا الدريملي: "إن تقاليد المجتمع الفلسطيني عامل ساسي في تعزيز العنف ضد النساء، فعادة ما يُحْتكم إلى الأعراف والعادات والتقاليد عند التعامل مع قضايا العنف ضد النساء".

وتوضح الدريملي أن مشاكل النساء المعنفات من قبل أزواجهن، وحتى قضايا الميراث غالبًا يتم حلها عرفيًا على حساب حقوقهن القانونية، أي من خلال الجاهات والمخاتير.

وتشير الدريملي إلى أن الوضع الاقتصادي للنساء وتبعيتهن لمن ينفق عليهن، ساهم بشكل كبير في ترسيخ العنف ضدهن دون أي تدخلات لحمايتهن.

وترى أن تكثيف الجهود والضغط من أجل إقرار قانون حماية الأسرة، ودمج النساء في المجتمع عبر تمكينهن اقتصاديًا وسياسيًا، وتعزيز دورها الاجتماعي في القضايا المجتمعية، والاستجابة لاحتياجاتها في الموازنات الرسمية وغير الرسمية، وتعزيز مشاركتها في صنع القرار، من أهم الحلول التي يمكن العمل عليها للحد من ظاهرة العنف ضد النساء.

كاريكاتـــــير