شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 ابريل 2024م23:50 بتوقيت القدس

الشاعر حسن عبد الله.. فقيد الأرض والدماء وأمهات الشهداء

04 يوليو 2022 - 10:09
نضال حمد

نشر هذا المقال في العدد 39 من مجلة الهدف الإلكترونية 

فقيدُ الخيامِ وكلّ الجنوبِ وشماله الفلسطيني، فقيدُ الأرضِ والدماءِ وأمّهات الشهداء

في شهرِ تشرين الأوّل 2020، كتب لي أحدُ أقرباءِ الشاعر الراحل حسن عبد الله منبّهًا إلى وجود خبرٍ منشورٍ في موقعِ الصفصاف الذي أديره، عن وفاةِ الشاعرِ حسن خليل عبد الله... وإلى ضرورةِ حذفِ الخبرِ؛ لأنَّ شاعرَ الجنوبِ وأمّهاتِ الشهداءِ ما زال حيًّا يرزق.

كنّا في موقع الصفصاف نشرنا سنة 2016 الخبرَ المذكورَ نقلًا عن بروفيل في فيسبوك، لكن بعد وصول رسالةِ التنبيهِ من قبل قريبٍ للشاعر هو الصديق حسن م عبد الله، وهو من العاملين في فضائيّة الميادين والحقل الثفافي، سارعنا إلى حذفِ الخبر، وتقديمِ الاعتذارِ للشاعر وكلّ من فاجأه الخبر في حينه... فحسن عبد الله هو الشاعرُ العربيُّ اللبنانيُّ الجنوبيّ، الذي نُحبّ ونجلّ.

تمنّينا له في رسالتنا واعتذارنا طولَ العمرِ والصحّة والسعادة والعيش حتّى يرى جنوب الجنوب محرّرًا، مثل بلدته الخيام، حيث تمَّ تحرير الأسرى والمعتقلين وتحويل السجن الشهير إلى متحفٍ وطنيّ.

وتمنّينا أن يدخل حسن عبد الله إلى فلسطين المحرّرة من بوابة فاطمة الجنوبيّة أو من أيّ مكانٍ على الحدودِ قربَ الخيام، إلى شمالِ أرض كنعان، وإلى الجليل، وإلى ساحل فلسطين... وليتّجه من عكا وحيفا والكرمل، صعودًا من هناك إلى الجليل كلّ الجليل، ووصولًا إلى جنين و القدس وغزة وبئر السبع والخليل... ثمَّ العودة من الناصرة وعرابة ودير حنا وسخنين والصفصاف ومن صفد عروس الجليل الأعلى إلى شمال الشمال، حيث الجنوب الذي منذ الأزل تآخى مع الجليل.

قبلَ فترةٍ قريبةٍ كتب الشاعر على بروفايله بفيسبوك:

"كم أحِنُّ الى تلك الأيام

التي

لم يكن فيها وقتي ثمينًا!"

لم يعد الوقتُ ثمينًا ولا عادت الأيّامُ بلا وقتٍ ثمينٍ يا حسن عبد الله، فها أنت ترحل لتغوص في أرضِ الخيامِ مع الشهداءِ ومع من سبقوك على درب التحرير... ها أنت تفاجئنا كلّنا برحيلك، وربّما لن نتمكّن من كتابةِ كلماتٍ تليقُ بك، ومثلما التي كتبتها أنت عن رفيقنا - رفيقك سماح إدريس في يوم رحيله، التي جاء فيها: (لقد ذهب مع ذهاب سماح إدريس المفاجئ عن عالمنا، شيءٌ من لبنان وشيءٌ من فلسطين، وشيءٌ من دنيا العرب .لقد ثبَت المناضل الشاب في الزمن الذي كان فيه "القابض على إيمانه كالقابض على الجَمر" ووقف حارسًا على التراثِ الوطنيّ والقوميّ الذي أرسَتْهُ الآداب دارًا، والآداب مجلّة.

وفي كلّ مرّة، أُريدَ لسماح أن يتراجع، كان يتقدّم، وفي كلّ مرّةٍ أُريد له أن يضعف، كان يزدادُ قوّةً وعنادًا. ولم يكن لِيُثنيه عن الأفقِ الذي اتّجه إليه سوى ما جاء في قول الشاعر "ابن النبيه" الذي لا يصحُّ على أحدٍ مثلما يصحُّ على سماح :

والموتُ نقَّادٌ على كفّهِ

جواهرٌ يختارُ منها الجِياد).

للأسف الشديد تفاجأت كما غيري من القرّاء والناس يوم الثلاثاء الموافق 21 حزيران 2022 بوفاة الشاعر، حيث ذاعَ خبر الوفاة في مواقع التواصل الاجتماعيّ، مع صور الشاعر الراحل وقصائده وأقربها إلى قلوبنا وأحبها بالنسبة لنا، كلنا قصيدة "أجمل الأمهات" التي غناها الفنان اللبناني التقدّمي مارسيل خليفة، خلال سنوات الحرب الأهليّة اللبنانيّة، وحفظناها نحن شبيبةَ تلك المرحلة كما نحفظ أسماءنا واسم فلسطين.

وهنا نص قصيدة "أجمل الأمهات":

أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها…

أجمل الأمهات التي انتظرتهُ،

وعادْ…

عادَ مستشهدًا.

فبكتْ دمعتين ووردة

ولم تنزوِ في ثياب الحداد

***

لم تَنتهِ الحرب

لكنَّهُ عادَ

ذابلةٌ بندقيتُهُ

ويداهُ محايدتان….

***

أجمل الأمهات التي… عينها لا تنامْ

تظل تراقبُ نجماً يحوم على جثة في الظلام…

***

لن نتراجع عن دمه المتقدّم في الأرض

لن نتراجع عن حُبِّنا للجبال التي شربت روحه

فاكتست شجراً جارياً نحوَ صيف الحقول

صامدون هنا، (صامدون هنا) قرب هذا الدمار العظيم،

وفي يدِنا يلمعُ الرعب، في يدِنا.  في القلبِ غصنُ الوفاء النضير

صامدون هنا، (صامدون هنا) … باتجاه الجدار الأخير.

الشاعر حسن عبد الله من مواليد بلدة الخيام الجنوبيّة التي تقع بالقرب من حدود فلسطين المحتلّة، التي ارتكب فيها الصهاينة سنة 1948 مجزرةً كبيرةً أودتْ بحياة مئات القرويّين اللبنانيّين من أهل البلدة.

في قصيدته الديوان "الدردارة" أبدع حسن عبد الله في وصف الجنوب وأهل الجنوب وأرض الجنوب وكلّ ما هو جنوبيّ... فأنا الفدائيُّ من زمنِ الثورةِ الفلسطينيّة، وأحد من الذين عشنا في قواعد الثورة هناك وقاتلنا على تراب الجنوب وتركنا الشهداء والعظام تحت ترابه وفي حقوله وعلى تلاله وفي قلعته الأبيّة "قلعة الشقيف"... وفي سهل الخيام وعند جسر الليطاني وجسر الخردلي وفي مارون الرأس ورب ثلاثين، كما في صيدا وصور والنبطية وتبنين وقانا وجويا.. وفي وادي كفرا ووادي جيلو... وفي كل مكان هناك.. نحن أحببنا الجنوب كما كنا وما زلنا نُحب الجليل و الخليل وكل فلسطين... فأيّ قصيدةٍ تتحدّث عن الجنوب اللبنانيّ تسري مع دمنا بعدما تدخل عقولنا وقلوبنا وبساتين حبنا وحياتنا.

أستعيدُ الآنَ قصيدةَ حسن عبد الله الشهيرة المنشورة في جريدة «السفير» اللبنانية بتاريخ 27 نيسان 1980، التي أعادت جريدة الأخبار اللبنانيّة نشرها في عدد 23 أيار 2020 في ذكرى التحرير بلبنان.

من قصيدة الدردارة:

الماء يأتي راكبًا تينًا وصفصافًا

يقيم دقيقتين على سفوح العين

ثم يعود في سرفيس بيروتَ – الخيامْ

- سلِّم على... سلِّم على...

يا أيها الماء التحيةُ

أيها الماء الهديةُ

أيها الماء السلامْ

- سلِّم على... سلِّم على...

وعلى الذي في القبر

واسقِ القبر

واطلع وردةً بيضاءَ فوق القبر

واجعلْ أيها الماء النهار مساحةً مزروعةً جَزَرًا،

وطيٌر راكضٌ تحت الشتاء

وانني في الصيف... من عشرين عامْ

أفعى على برّ الخيام،

وضفدعٌ في الماء

والدَّرداره

عينٌ رأت حُلُماً وفسَّرَه المزارعُ لوبياء

وهي الفضاءُ وقد تجمّعَ في إناء الساحره

وهي القرى اضطربتْ على قمم التلال

هي القرى انقلبتْ

وظلَّت عامره

في صفحة الماء التي اتسعت لتشملَ صفحة الأيام

تمخر في محيط الذاكره

وهي المواسمُ والفتاةُ العابره

عند الصباحِ

وفي يديها سهل مرجعيون

وهي الطائره

ضربت على كتف الفتاة… فأسقطتْها..

وتدحرج الزيتون

طائرة تحطُّ على الغصون

وتلدغ العصفور

جنديان يمتطيان جِيبًا هائجًا

وفراشةٌ صفراء في حقل البصلْ

أَحَدُ الدُّخان على الجبلْ

والبيت أطفأ نفسه ورحلْ

■ ■ ■

وأنت يا حسن خليل عبد الله سلّم على الشهداء وأمهات الشهداء وفي فلسطين الكاملة المحرّرة سيحلو اللقاء والبقاء.

كاريكاتـــــير