شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م17:16 بتوقيت القدس

اعتداءات على موظفي بلدية بأسلحة بيضاء!

لصوص الأرصفة بضمانة "المختار": مش حيعيدها!

21 سبتمبر 2021 - 15:33

غزة : 

الخامسة فجرًا، وبينما كان مدير دائرة التفتيش في بلدية غزة خليل الشقرا في طريقه إلى العمل في شارع الوحدة وسط مدينة غزة، فوجئ بشابين يسرقان بلاط حجارة أحد الأرصفة ويضعانها في عربةٍ يجرها حصان.

الشارع الذي تعرض لقصفٍ إسرائيليٍ عنيف، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في مايو/ أيار الماضي، كان فارغًا إلا من الثلاثة. صرخ الموظف الشقرا ينادي السارِقين ويطلب منهما التوقف عن قبع البلاط معرفًا بنفسه: "معك البلدية"، ليأتيه ردّهما المتعالي: "وإيش يعني بلدية؟"!

عندما اقترب منهما في محاولةٍ أخيرة لردعهما عن قبع البلاط، اعتدى عليه الاثنان بقطعة بلاطٍ مكسورة، وعصًا غليظة، الأمر الذي أفضى إلى نقله للمستشفى مصابًا بثلاثة جروح عميقة في قدمه، ورضوض في أنحاء متفرقة من جسده.

ما لبث الشقرا بعد خروجه، أن تقدم بشكوى ضد الاثنين لدى مركز الشرطة، لا سيما وأنه تمكن من التقاط صورةٍ لأحدهما، "وهذا ساعد الشرطة في القبض عليهما لاحقًا" يقول لـ "نوى".

بعد وقتٍ قصير، أخلي سبيل أحدهما لأنه دون الثامنة عشرة، "ثم سرعان ما تم الإفراج عن الآخر بعد مصالحةٍ تمت بين البلدية، ومختار العائلة، على أن لا تتكرر فعلتهما" يعقّب الشقرا.

الموظف الشقرا ليس الوحيد الذي تعرض لمثل هذا الاعتداء من لصوص الأرصفة، كما أكد، فقبل يوم من الاعتداء عليه تعرض موظف آخر في ساعات ما بعد منتصف الليل، لاعتداءٍ بآلة حادة "مشرط" أصيب على إثرها بجروح عميقة في ظهره، عندما حاول منع اللصوص من اقتحام قطعة أرض تتبع للبلدية قرب ملعب اليرموك، بغية سرقة مادة الفسكورس.

اعتداءات اللصوص لم تقتصر على موظفي البلدية فقط، بل كان للمواطنين نصيب منها، فالشاب طه حمدي أيضًا، أصيب بجروح غائرة في رأسه في ساعة متأخرة من الليل عندما حاول منع لصوص من سرقة حجارة الرصيف المقابل لبيته.

يقول طه لـ "نوى": "سمعت صوت ضجة بالقرب من باب منزلنا قرابة الساعة الرابعة فجرًا، نظرت من النافذة فوجدت شخصين يسرقان حجارة الرصيف، صرختُ عليهما، لكنهما استمرا في العمل غير مكترثين، ما اضطرني للنزول إليهما"، مضيفًا: "قبل أن أتفوه بكلمة، عاجلني أحدهما بحجر كبير شج رأسي؛ ثم هرب الاثنان".

"ويخشى كثير من المواطنين الاتصال بالشرطة أو البلدية للإبلاغ عن حالات السرقة خشية بطش هؤلاء اللصوص" وفقًا للشاب (م.ع) الذي تعرض سور منزله للسرقة من قبل شبان يقطنون قريبًا من بيته "ويعرفهم جيدًا".

يتابع (م.ع): "لماذا عليّ أن أعرض نفسي وأهلي لخطر الاعتداء من قبل هذه العصابات، خاصةً إذا عرفوا أنني من أبلغت عنهم؟"، متسائلًا: "لماذا لا تقوم الشرطة ذاتها بمتابعتهم واعتقالهم ومحاكمتهم؟ فهم معروفين بالنسبة لها".

مناشدة لرئيس الشرطة

المواطن نزار الوحيدي ناشد عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" رئيس شرطة مدينة غزة، قائلًا: "من سكان حي الرمال الجنوبي هل نأمل بحمايتكم؟ أم نستسلم لعصابة لصوص بلاط الأرصفة وأسوار بيوتنا؟ اللصوص معروفون لديكم، وعربات الأحصنة تمر من أمامكم، ومواقع تخزين السرقات معروفة، فمتى تتحركون؟ على الأقل افتحوا كاميرات مراقبة الشوارع، وأريحونا من التصدي اليومي لهم".

يقول الوحيدي لـ"نوى": "السرقات لم تعد تقتصر على بعض الحجارة أو قطع البلاط، الأمر تعدى ذلك إلى سرقة أرصفة كاملة! وهذا ما حدث في شارع بيروت غرب مدينة غزة، بالرصيف المجاور لمدرسة بلقيس في حي تل الهوا".

استنزاف للبلدية

وعن حجم السرقات التي تتعرض لها المرافق العامة في مدينة غزة، قال مدير دائرة التفتيش في بلدية غزة خليل الشقرا: "إن كمية السرقات كبيرة جدًا وتستنزف قدرات البلدية، وتتوزع ما بين أحجار الرصيف "الانترلوك" والبلاط، وأغطية الصرف الصحي، وحجارة الجبهة، وكابلات الكهرباء".

وتابع: "على صعيد سرقة حجارة الأرصفة "الانترلوك" مثلًا، يوميًا يتم تسجيل سرقة ما يقارب 200 إلى 300 متر مربع، وذلك داخل حدود مدينة غزة فقط!".

وأضاف: "عندما تصلنا إشارة حول سرقة أجزاء من رصيف معين، نضع حاجزًا من الباطون لمنع استمرار السرقة، لكنا نُفاجأ بعد عدة أيام من عودة اللصوص، وإكمالهم سرقة الرصيف في وضح النهار، ودون خوفٍ من أحد".

ويؤكد الشقرا أن أماكن تخزين المسروقات معروفة لدى عدة أجهزة أمنية، وللبلدية كذلك، معلقًا بالعامية: "تفضل خلي مجموعة تروح عليهم، راح يتم إطلاق النار عليهم مباشرة، جربنا قبل هيك وصار علينا إطلاق نار، وتم توجيه تهديدات شخصية للموظفين".

اعتداءات شبه يومية

ويشتكي الشقرا تعرض فريقه الدائم للاعتداء اليومي خلال عمله في صيانة الطرقات، مستدركًا: "لكن عندما يتم الاعتداء علينا، نتكاثر عليهم، وندافع عن أنفسنا باستماتة".

وعن دور البلدية في توفير الحماية لموظفي صيانة الطرق، يعلق الشقرا بعدما أخذ نفسًا عميقًا: "أحيانًا يكون معنا عناصر من شرطة البلدية، ورغم ذلك يتم التهجم والاعتداء علينا وسرقتنا، وكثيرًا ما تنشب بينهم (اللصوص)، وبين الشرطة مطاردات على طريقة "القط والفأر".

لا يوجد تحرك حقيقي

يزيد أبو شقرا على ذلك قوله: "للأسف ما في ضبط أو تحرك حقيقي من أي جهة سواء كانت البلدية أو الشرطة أو المواطنين للقضاء على هذه الظاهرة"، داعياً إلى التعاون فيما بينهم.

وأردف: "من المفترض أن يتم التعميم على الأجهزة الأمنية بإيقاف العربات التي تتحرك في ساعات متأخرة من الليل، واعتقال من يثبت قيامه بسرقة المرافق العامة، كما يجب فرض عقوبات رادعة ومشددة لكي يكونوا عبرة لغيرهم".

دوريات ليلية

رئيس قسم التفتيش والمتابعة في بلدية غزة نضال الشاويش، بدوره، أوضح لـ "نوى" أن معظم السرقات تتم بعد منتصف الليل وخلال ساعات الفجر، بعيدًا عن أعين عناصر الأجهزة الأمنية وموظفي البلدية.

وأضاف الشاويش: "ليس بوسع البلدية توفير حراسات على مدار الـ 24 ساعة"، مطالبًا بتسيير دوريات ليلية من عناصر الأجهزة الأمنية والبلدية، في المناطق التي تتركز فيها السرقات، وتلك التي تعرضت في غالبها لقصف إسرائيلي".

وأشار إلى تلقي البلدية شكاوى عديدة حول وقوع سرقات بصورة شبه يومية، "لكنهم يواجهون صعوبة في ضبط اللصوص الذين يفرون سريعًا من المكان".

وحث الشاويش المواطنين على مساعدة البلدية والشرطة في التبليغ فور رصدهم أي عملية سرقة عبر الاتصال على الرقم 115، وعدم الاكتفاء بتوجيه الشكاوى للبلدية فقط.

وعبر عن أسفه من تلقيه شكاوى من قبل بعض المؤسسات ذات التواصل المباشر مع الشرطة، مطالبًا بعدم إلقاء كاهل القضية على البلدية.

وأوضح الشاويش أن البلدية ستتواصل مع الأجهزة الأمنية خلال الفترة القادمة، لدراسة تنظيم دوريات ليلية مشتركة للحد من السرقات والاعتداء على موظفي البلدية، واتخاذ إجراءات صارمة بحق المعتدين.

ضغوط على البلدية

من جانبه أكد عاهد الشوا المستشار القانوني لبلدية غزة أن سرقة المال العام، "جريمة حسب قانون العقوبات، ومن يتم ضبطه تُقدم بحقه شكوى في مركز الشرطة ثم لائحة اتهام، يُقدم بعدها إلى المحكمة عبر النيابة".

وأضاف الشوا: "للأسف في أغلب الأحيان يرجع أهالي المعتدين المسروقات، وتتم المصالحة مع البلدية في النيابة العامة، وفقًا لقانون الصلح الجزائي، الذي يتم على إثرها إنهاء القضية"، كاشفًا النقاب عن أن أغلب من يُضبط لا يدخل السجن، "ومن يتم سجنه ينتظر إتمام المصالحة، ولا يمكث هناك أكثر من أسبوع أو عشرة أيام كأقصى مدة".

وعن سبب قبول البلدية للصلح وتنازلها عن الشكوى، زاد الشوا: "البلدية تتعرض لضغوطٍ كبيرة من قبل المخاتير ولجان الإصلاح، وفي النهاية تتنازل عن الشكوى بشرط كتابة تعهد بعدم تكرار الفعل"، مشيراً إلى أن هذا إجراء روتيني.

وأضاف المستشار القانوني: "حتى لو البلدية ما أعطت مصالحة، ممكن عن طريق النيابة بلاقوا حد يمشيلهم الصلح الجزائي".

وأردف الشوا: "يجب أن تكون القضية في النهاية في يد النائب العام، وألا يتم التهاون مع سرقة المال العام، حتى لو تمت المصالحة والتنازل عن الشكوى من قبل رئيس البلدية".

وأشار الشوا إلى تردد مخاتير إحدى العائلات عليه للتوسط في أكثر من قضية اعتداء على المال العام، مبينًا أنه تم إنهاء القضية بعد توقيع المتعدين تعهدًا بعدم تكرار الاعتداء على المال العام.

يتابع: "بعد عدة أيام فقط من توقيع التعهد، نكتشف تورط شخص جديد من العائلة نفسها بالاعتداء على المال العام، ونفاجأ بقدوم أشخاص آخرين من أعيان العائلة للتوسط لهم".

وعن كيف إنهاء قضية الاعتداء على مدير دائرة التفتيش في البلدية م.خليل الشقرا، أكد الشوا أنها تمت عبر مصالحة جزائية، وقد وقع المعتدي على تعهد بعدم تكرار فعلتهم.

التنازل شرط للصلح

بدوره نفى المستشار زياد النمرة الناطق باسم النائب العام أن يتم إعمال وتطبيق قانون الصلح الجزائي في حال عدم تنازل صاحب الشكوى أو إجراء مصالحة مع الطرف الآخر.

وبين النمرة، أن إعمال قانون الصلح يتم فقط في حال تنازل البلدية أو الجهة المشتكية عن حقها، كما أنه لا يتم إعمال القانون إذا كان الشخص المتهم من أصحاب السوابق.

وعن فترة التوقيف القصيرة بحق المعتدين، أكد النمرة أن إنهاء القضايا مرتبط بقدر إنجاز التحقيقات من عدمه، فبعض القضايا يستغرق التحقيق فيها شهر، وبعضها قد يصل إلى 6 أشهر.

وعن قيمة الغرامة التي يدفعها المعتدي، أوضح النمرة أن ذلك يتحدد بحسب التهمة المسندة إليه، فقد تكون تهمة أو أكثر، "وكل قضية لها ظروفها".

وبينما تواصل البلدية حل قضايا الاعتداء على المال العام وعلى الموظفين بإجراء مصالحات جزائية وعشائرية، لا يُتوقع أن ينخفض مؤشر عمليات الاعتداء على المال العام، خاصة في ظل ضعف الرقابة الأمنية "حسب عدة مواطنين –منهم متضررين- استطلعت آراءهم نوى".

كاريكاتـــــير