شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م16:38 بتوقيت القدس

"السلام من أجل الازدهار" ما هي وكيف نرد؟

09 فبراير 2020 - 09:44

يدعي فريق ترامب أن الرؤية الأمريكية تحت مسمى "السلام من أجل الازدهار" هي الجهد الدولي الأشمل والأكثر طموحاً تجاه الشعب الفلسطيني عبر التاريخ. من حق كوشنير وبحُكم معرفته وخبرته الشخصية أن يخرج بهذا الاستنتاج السطحي غير المدروس، سأقوم اليوم بتقديم تحليل بخصوص الصفقة ثم سيعمل المقال على طرح آليات فلسطينية لمواجهة هذه الرؤية:

- الرؤية الأمريكية تحت مسمى "السلام من أجل الازدهار" ما هي إلا "خطة مارشال" جديدة تستهدف المنطقة بأكملها. على مدار 10 سنوات ستعمل أمريكا على "تسهيل" استثمار 50 مليار دولار في المنطقة. بعد قراءة الإطار الاقتصادي لصفقة القرن، لا ننكر أن كوشنير قدم رؤية اقتصادية طموحة لفلسطين والشرق الأوسط ولكن قراءة الإطار السياسي الذي سبق الإطار الاقتصادي، يفيد ويؤكد أن هذه رؤية صهيونية تم تصميمها من قبل الاسرائيليين الذين لا يفكرون استراتيجياً بمستقبل دولة اسرائيل! فالسؤال الذي يحتاج لدراسة، هو كيف ستضمن اسرائيل وأمريكا الاستقرار الأمني في المنطقة وأمن المواطن الاسرائيلي في ظل حرمان المواطن الفلسطيني من أبسط الحقوق؟

- تقدم رؤية كوشنير/ترامب الكثير من صور التفكير خارج الصندوق والخلاق والحداثة والأحلام بالأفكار التي تم اخراجها بمهنية واحتراف عالٍ بهدف ضم ومصادرة الحقوق الفلسطينية. الحقيقة أن الإطار الاقتصادي سيبدو جذاباً للكثيرين وخاصة من فئة رجال الأعمال والمستثمرين، إلا أن على الجميع وخاصة إدارة ترامب إدراك حقيقة أن أي رؤية/مبادرة سلام مبنية على أسس وقرارات الشرعية الدولية تعطي الفلسطينيين سيادة كاملة على حدود ١٩٦٧ ستقدم للفلسطينيين وللمنطقة وللمستثمرين عوائد/استثمارات اقتصادية تضاهي ما أتت به رؤية كوشنير وترامب.

- الحدود والاعتراف بالدولة: إن تمتع الفلسطينيين بحقوقهم السياسية وسيادة كاملة على دولة بحدود ١٩٦٧ هو وعد دولي "فقد صلاحيته" إن جاز التعبير، لأنه تأخر كثيراً، فلو كان هناك نية حقيقية للمجتمع الدولي لتوجت منذ ١٩٩٩ وهي سنة انتهاء المرحلة الانتقالية وعلى مدار العشرين عاماً الماضية بأضعف الإيمان وهو مجرد الإعتراف بالدولة على غرار مملكة السويد التي احترمت والتزمت بمسؤوليتها القانونية في تحقيق السلام والأمن في العالم. خاصة وأن هذه الدول لم تتوقف عن الحديث عن حل الدولتين ورضى الطرفين والحل السلمي بناءً على عملية تفاوض بدون قرارات أحادية الجانب. لقد استمر تعنت الدول بالاعتراف بالدولة الفلسطينية من جهة ومن جهة أخرى لم تطالب بتحديد حدود دولة اسرائيل منذ قيامها ليومنا هذا!

- هناك De Facto تطبيق عملي للرؤية الأمريكية الاسرائيلية قائم على الأرض وكان يتأمل فريق ترامب أن يصبح قانوني De Jure من خلال موافقة دول العالم على بنود هذه الصفقة. تحت شعارات حل الدولتين، لا ترامب ولا نتنياهو ينتظران موافقة الفلسطينيين.

- الإعلان هو عبارة عن إخطار للشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي بالتحول التدريجي نحو حل الدولة اليهودية الواحدة حيث تتم معاملة الشعب الفلسطيني كمواطنين أقل حظاً. لأن الكنيسيت الاسرائيلي ونص رؤية ترامب يدعم فكرة الدولة اليهودية وهذا مبني على أساس عنصري.

- طريقة إخراج رؤية السلام من أجل الازدهار او صفقة القرن في البيت الأبيض تمت بأسلوب استفزازي لم يتعدَ فقط على حقوق الشعب الفلسطيني الشرعية لا بل تجاوز ذلك لمخالفة القانون الدولي والتقليل من شأن منظمة الأمم المتحدة والاستخفاف بالإجماع والموقف الدولي بخصوص القضية الفلسطينية.

-مقولة أن الفلسطينيين يضيعون فرصة أخرى للسلام، هي مقولة مُبتذلة وفقدت قيمتها بعد أن قرر فريق ترامب ان يستبدل مصطلح "الوسيط" بمصطلح "المُيسر". لقد غيروا تعريفات ومنطلقات محادثات السلام وعليه تبنوا دوراً لا يُعنى بتقريب وجهات النظر ولا الوصول لحل يرضي الطرفين باستراتيجية ربح- ربح win-win كما ادعوا لفظياً. بالرغم من ذلك فهذه المقولة تضطرنا لتقييم دورنا وإمكانياتنا واستراتيجيتنا.

- تركيز فريق ترامب على الإطار الاقتصادي يفيد بأن الهدف الاول والأخير هو صفقة التجارة والاستثمار التي يقدمونها استناداً لعدة عوامل أهمها التطبيع بين دول المنطقة والعالم مع اسرائيل ثم توظيف القطاع الخاص للاستثمار لتنفيذ مشاريع حيوية استراتيجية تخدم المنطقة بالمجمل وليست موجهة فقط لخدمة الشعب الفلسطيني.

- يعترف فريق ترامب بأن رؤيتهم طموحة ولكنهم يؤكدون على إمكانية تحقيقها. ثم يضيفون في السطور الأخيرة للرؤية ان مستقبل الفلسطينين مليء بالفرص والوعود. هنا لا يسعني إلا أن أتفق معهم، ففريق ترامب مُحق ١٠٠٪؜ عندما يقول بأن الشعب الفلسطيني يستحق واقعاً أفضل، الشعب الفلسطيني يطمح ويعمل للازدهار، للسلام والحرية، نحن أمة تمثل شعباً صاحب رؤية، طموحا، حالما، صامدا وقادرا على خلق التغيير في هذا الواقع العنصري غير العادل.

- الإطار السياسي الذي تطرحه رؤية ترامب يدمر تماماً ما نربي أولادنا عليه من الانفتاح والإنسانية والتساوي بين الأديان. بالحقيقة، الشعب الفلسطيني كله شغف لتحقيق السلام والازدهار والاستقرار لكل المنطقة. نحن شعب يعلم أبناءه على الانفتاح وتقبل واحترام الآخر، الأطفال الفلسطينيون يتعلمون ان لا فرق بين عرق أو آخر، وأنه لا تفوق لدين على آخر فكلها رسائل سماوية ثم يأتي ترامب ليدمر كل قيمنا بتفضيله لليهود على الأديان الأخرى غاضاً البصر عن قيم العدالة والانسانية.

- أن يضع الانسان نفسه في موقع غيره أو أن يضع الانسان نفسه في حذاء غيره، وهو ما يسمى بال Empathy، التعاطف على خلاف الشفقة، هي قيمة عالمية انسانية، على رئيس الولايات المتحدة أخذها بعين الاعتبار حتى يتمكن من إحداث تغيير عالمي يُرضي الشعوب ولا يغير الواقع خدمة لمصالح طرف على حساب الأطراف الأخرى.

- اعلان هذه الرؤية/الصفقة هو بمثابة مُنبه دق ناقوس الخطر لعدة جهات، فهو مُنبه بالدرجة الأولى للفلسطينيين، شعباً وقيادة. ومُنبهاً بالدرجة الثانية للمجتمع الدولي الذي يستمر بإصدار البيانات بدلاً من التدابير العملية.

الآن، ما آليات واستراتيجيات المواجهة الفلسطينية؟

بعد التقديم الذي كتبته كخلاصة لصفقة القرن الأسبوع الماضي، -رابط لمقالي الذي يلخص صفقة القرن- لا يسعنا كفلسطينيين إلا أن نتخيل الضغوط التي تواجهها القيادة الفلسطينية والحكومات العربية بحجة أن صفقات او مبادرات المستقبل لن تلبي طموح الفلسطينيين وستكون أقل فائدة للشعب الفلسطيني.

هنا بيت القصيد، بعد أن لخصنا وفهمنا بنود الرؤية بإطاريها السياسي والاقتصادي وبعد أن أدركنا أن العالم رفض كلامياً صفقة القرن، لا بد لنا من أن نصحو ونعترف أن استراتيجياتنا هي ردود أفعال تكتيكية وتعتمد على المجتمع الدولي وتحلم بالعدل الدولي وإنفاذ القوانين الدولية التي تحفظ الحقوق الفلسطينية، هذه أدوات لا نستغني عنها، ولكن في ظل هذه الصفقة هناك فرصة كبيرة أمامنا حيث أن القضية الفلسطينية اليوم صعدت على الساحات الدولية، والعالم أجمع يقف إلى جانب القضية الفلسطينية، علينا العمل بجد على استراتيجية لتحقيق السلام، تقوم على:

أولاً: الشيء المفروغ منه بالنسبة للشعب الفلسطيني هو البقاء والصمود على هذه الأرض وكما أوردتُ سابقاً الصمود السلبي هو المقاومة عبر البقاء. كما أن كوشنير لم ولن يجد أي فلسطيني يتعاون معه على ما طرح في الإطار السياسي من صفقة لضم ومصادرة الأراضي الفلسطينية لمصلحة إرسائها.

ثانياً: الإصلاح الداخلي من خلال انهاء الانقسام، الوحدة الفعلية وتفعيل عجلة الديمقراطية وإجراء الانتخابات لضخ الدم والفكر والعمر الفلسطيني الجديد.

ثالثاً: علينا توظيف أدوات ووسائل جديدة، وعدم تكرار نفس الآليات السابقة، علينا اتخاذ قرار حول إخراج مبادرة دولية جديدة لمواجهة صفقة القرن بتقديم عرض/مبادرة فلسطينية مقابلة لصفقة القرن تكون مفصلة وشاملة ومرضية تحترم القانون الدولي، وتحقق أحلام وتطلعات الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي وشعوب المنطقة.

____________

نقلُا عن صحيفة القدس

- د. دلال عريقات: أستاذة حل الصراع والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.

كاريكاتـــــير